مدى مواءمة سياسة القبول في الجامعات الفلسطينية مع متطلبات الواقع العملي
تاريخ النشر : 2019-07-30
مدى مواءمة سياسة القبول في الجامعات الفلسطينية مع متطلبات الواقع العملي


بقلم:د. إيهاب عمرو
مدى مواءمة سياسة القبول في الجامعات الفلسطينية مع متطلبات الواقع العملي

لا شك أن الجامعات تلعب دوراً كبيراً في التنمية المجتمعية على إختلاف أشكالها، كون أن الأجيال الصاعدة هي المرتكز لأية تنمية مجتمعية أو نهضة علمية، خصوصاً في مجتمعات الدول النامية التي يكون للفرد فيها أهمية قصوى وذلك بسبب غياب النظام المؤسسي في تلك المجتمعات النامية مقارنة مع معظم الدول الغربية المتقدمة. من هذا المنطلق، تعد سياسة القبول للدراسة في الجامعات الفلسطينية أداة هامة لتطوير مخرجات التعليم على الوجه المأمول، ما يساهم في إحداث تنمية حقيقية ومستدامة على الأصعدة كافة من خلال مواءمة تلك المخرجات مع ما يحتاجه سوق العمل المحلي، ما يوجب ويبرر إجراء دراسات معمقة حول تلك الجزئية للوصول إلى خلاصات وتوصيات قابلة للتطبيق.                

ولا يخفى على أحد أن سياسة القبول المعلنة للدراسة في الجامعات الفلسطينية والمحددة من قبل وزارة التعليم العالي كجهة صاحبة إختصاص أصيل تعطي الحق بشكل عام لكل طالب/ة يحصل على معدل 65% في الثانوية العامة بتقديم طلب إلتحاق للدراسة في الجامعات الفلسطينية. بمفهوم المخالفة، فإن سياسة القبول تلك تعطي الحق للجامعة بقبول أي طالب/ة يحصل على معدل 65% للدراسة في تلك الجامعة.                          
والتساؤل المطروح في هذا السياق يتعلق بمدى صحة سياسة القبول سالفة الذكر كعيار واجب الإتباع من قبل الجامعات في ظل تعدد فروع الدراسة الثانوية من علمي، وأدبي، وريادة وأعمال، وصناعي، وفندقي، وتمريضي. وثمة تساؤل آخر يتعلق برؤية الجامعات وفلسفتها بخصوص تطبيق سياسة القبول تلك في الواقع العملي. إضافة إلى التساؤل الأكثر إلحاحاً بخصوص مدى مواءمة مخرجات سياسة القبول تلك مع حاجات سوق العمل المحلي.                                 
إن الإجابة عن التساؤلات المطروحة تعد من الأهمية بمكان كون أن سياسة القبول المتبعة تعبر عن رؤية أصحاب القرار وإستراتيجيتهم الخاصة بقطاع التعليم وسبل تطويره. من جانب، الحقيقة تبقى أن إشتراط ذلك المعدل المنخفض للدراسة في الجامعات الفلسطينية يعطي الفرصة لأكبر عدد ممكن من الطلبة بالإلتحاق بالجامعات ما يسمح ببقاءهم داخل الوطن الفلسطيني من أجل المساهمة –ما أمكن- في عملية البناء المجتمعي المأمول. ومن جانب آخر، فإن إشتراط حصول الطالب/ة على ذلك المعدل المنخفض في الثانوية العامة من أجل الإلتحاق بإحدى الجامعات في فلسطين يعد مدعاة للتساؤل بخصوص قوافل الخريجين والخريجات بعد ذلك، خصوصاً في ظل ضعف الطلب من قبل سوق العمل وعدم وجود فرص تشغيلية كبيرة سواء على المستوى المحلي أو على المستوى العربي بسبب الواقع الذي نعيش في فلسطين المكلومة.  

ولعل الدراسة التي أعلن عنها الجهاز المركزي للإحصاء مؤخراً حول الفجوة بين التعليم وسوق العمل والمؤشرات بهذا الخصوص خير دليل على ذلك حيث وصلت نسبة البطالة بين الخريجين والخريجات نهاية العام 2018 50%. وأشارت تلك الدراسة كذلك إلى أن 40 ألف شخص يخرج إلى سوق العمل الذي يستوعب فقط 8 آلاف من هؤلاء الخريجين والخريجات كحد أقصى.                                         

لذلك، يقع لزاماً على الجهات صاحبة الإختصاص مراجعة سياسة القبول في الجامعات وتوجيه الطاقات إلى التخصصات المهنية ما يساهم في بناء المجتمع على أسس علمية صحيحة أسوة ببعض الدول المتقدمة كألمانيا مثلاً حيث يقوم 25% فقط من الطلاب والطالبات بالدراسة في الجامعات، في حين يتم توزيع غالبية الطلاب والطالبات على تخصصات مهنية ذات علاقة مباشرة باحتياجات سوق العمل المحلي نتيجة دراسات معمقة بهذا الخصوص.      
إضافة إلى ما سبق، فإن سياسة القبول سالفة الذكر تسمح لبعض الطلاب والطالبات من أصحاب المستويات العلمية الضعيفة بالإلتحاق بكليات تحتاج إلى قدرات علمية وملكات شخصية ما يستلزم توافر تلك القدرات والملكات، خصوصاً أن فلسفة وطرائق التعليم قد تغيرت وتطورت بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، ما يشمل التعليم التفاعلي. وهذا يستوجب قيام الجامعات بمراجعة سياستها الخاصة بالقبول، إذ لا يعني قيام وزارة التعليم العالي بتحديد معدل القبول بحده الأدنى المشار إليه سابقاً أن يتم قبول الطلبة من أصحاب المعدلات المتدنية في كليات تحتاج إلى ملكات وقدرات خاصة، مثل كلية الحقوق التي أصبحت للأسف كلية من لا كلية له، لأن من شأن ذلك أن يجعل التعليم أقرب إلى سلعة منه إلى خدمة وواجب وطني وإنساني، ويلقي العبء الأكبر على كاهل الأستاذ/ة الذي يتعين عليه بذل جهد إضافي وخرافي مع أصحاب المعدلات المتدنية.