الدلف والمزراب 29-7-2019
بقلم : حمدي فراج
بعد نحو ثلاثين عاما من العلاقات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، ومؤتمرات دولية في مدريد واوسلو وواشنطن وباريس ، واقليمية في القاهرة وعمان وطابا وشرم الشيخ والعقبة ، واعترافات متبادلة بين كيانهم ومنظمتنا ، واجتماعات ولقاءات في بيوتهم وبيوتنا ، وتبادل اطعمتهم واطعمتنا "عيش وملح" ، و تبادل تقديم التهاني بأعيادهم واعيادنا القومية والدينية ، والتعازي بأمواتهم وامواتنا . بعد ثلاثين سنة ، عادت الامور الى مربعها العدائي الاول ، ليس فقط منذ احتلال عام 67 الذي يحبوا ان يطلقوا عليه "تحرير يهودا والسامرة" وتوحيد "اورشليم" عاصمتهم الابدية ، ونحب ان نطلق عليه "نكستنا" ، بل منذ قيام دولتهم الذي يحبوا ان يطلقوا عليه يوم استقلالهم على انقاض ما نحب ان نطلق عليه يوم "نكبتنا" .
اليوم ، وبعد مضي هذه العقود الثلاثة ، تكاد الامور تصل الى خط النهاية ، الى حائط الصد الاخير ، بعد قشة هدم منازل وادي الحمص التي قصمت ظهر البعير ، وهي ليست "قشة" عادية على ما يبدو ، فلقد هدموا اضعاف هذا العدد من المنازل بالمفرق ، وقتلوا في آخر هبة ما يزيد على ثلاثمائة فلسطيني معظمهم من اطفال السكاكين ، سكاكين الفواكه ، العشرات منهم قتلوا بالشبهة ، بمن فيهم يهود ، او في حوادث سير بدعوى الدهس المتعمد ، وفي غزة قتلوا مثل هذا العدد في مسيرات سلمية ، اما عن الاعتقالات ، فحدث بلا حرج ، المئات اعتقلوا تحت بند الحبس الاداري ، حتى وصل بالمعتقلين اللجوء الى الاضراب المفتوح عن الطعام فرادى ، لأيام واسابيع وأشهر . اما في الاقتصاد ، فقد توجت المسألة من "سنغافورة الشرق" و "النمر الاقتصادي" الى السطو على اموال المقاصة .
في خضم الطريق الى الحائط الاخير ، ازدادت بالطبع الكراهية والعداء ، اكثر بكثير مما كانت عليه الحال قبل السلام ، وسبحان الله مغير الاحوال ، ازداد الحب الاسرائيلي "للعرب" ، وازداد الحب "العربي" للاسرائيليين ، والزيارات المتبادلة اصبحت أكثر من ان نستطيع رصدها ، وانتهت تقريبا احزاب اليسار وقوى السلام من اوساط المجتمع الاسرائيلي ، حتى ان حزب العمل "المعراخ" بالكاد في الانتخابات الاخيرة استطاع ان يتجاوز نسبة الحسم ، وهو ليس يسار وليس سلام ، ما اضطره الانحراف نحو اليمين حين شكل بيرس مع شارون حزب كاديما ، الذي سرعان ما خبى وارسى بقية سفنه في موانيء اليمين .
مطلوب اليوم فلسطينيا ، ونحن نقرأ في الاسباب الحقيقية لوصول هذا السلام الى حائط السد الاخير ، قراءة علمية فكرية تاريخية لأبجديات هذا الصراع ومآلات حله ، او تذليله ، عدم قصر القراءة على التشخيص النظري ، بل ايجاد مقدمات لطرائق الانتصار ، بعد كل هذا الانكسار ، وسيكون من الصعب تحقيق ذلك ونحن ما زلنا نخلط "نلتبس" بين معسكر اصدقائنا ومعسكر اعدائنا ، ان عدم معرفتنا عدونا من صديقنا ، بدون ادنى شك سينقلنا من الدلف الى المزراب ثلاثين سنة أخرى .
الدلف والمزراب بقلم : حمدي فراج
تاريخ النشر : 2019-07-30
