أعمال الحج بقلم:د.تيسير رجب التميمي
تاريخ النشر : 2019-07-29
أعمال الحج  بقلم:د.تيسير رجب التميمي


هذا هو الإسلام

أعمال الحج

الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس

الحج عبادة تتضمن أعمالاً تؤدى على وجه خاص نص القرآن الكريم على بعضها ، وعلمنا صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كيفية أدائها فقال { لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه } رواه مسلم .

وتتنوع أعمال الحج من حيث الحكم الشرعي ، فمنها الركن وهو العمل الذي لا يصح الحج إلاَّ به ، ومنها الواجب وهو العمل الذي لا يؤثر تركه في صحة الحج ولكنه يوجب الفداء بذبح شاة ، ويترتب الإثم على من تركه عمداً ، ومنها السنة وهو العمل الذي لا يأثم الحاج بتركه ولا يجب عليه شيء لكن يفوته فضل السنة .

ويكون ترتيب أعمال الحج على النحو التالي :

أولاً : الإحرام ، وهو نية الحج خالصاً لله تعالى ، وهو ركن في الحج والعمرة ، ويتحقق بتجرد الرجل من الملابس المخيطة ، واستبدالها بالإزار الذي يلف به الجزء الأسفل من الجسم ، والرداء الذي يلف به الجزء الأعلى منه ، ويسن لبسهما بعد الاغتسال والتطيب وبعد صلاة ركعتين ، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص ، أما المرأة فإحرامها بكشف وجهها وكفيها فقط إذا أمنت الفتنة لقوله صلى الله عليه وسلم { ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين } رواه البخاري ، ثم يقول الحاج { لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك } رواه البخاري ، ويقطع التلبية برمي جمرة العقبة يوم النحر بأول حصاة .

يحرم الحاج من الميقات ، والميقات هو المكان الذي لا يجوز للحاج أن يتجاوزه بغير إحرام ، وميقات أهل فلسطين رابغ أو آبار علي . وللإحرام ثلاثة أنواع يخير الحاج بينها :

الإفراد : بأن ينوي الحج فقط عند إحرامه فيقول لبيك اللهم بحج ، ويؤدي أعمال الحج وحده ، فإذا أنهى مناسك الحج يحرم للعمرة وحدها من جديد .

القِرَان : بأن ينوي الحج والعمرة جميعاً فيقول لبيك اللهم بحج وعمرة ، ويتداخلان بحيث يأتي بأعمالهما في نسك واحد

التمتع : ينوي العمرة فقط فيقول لبيك اللهم بعمرة ، ويؤدي مناسكها ويتحلل , ويحرم للحج في الثامن من ذي الحجة .

ويجب على القارن ذبح الهدي شكراً لله تعالى على أدائهما نُسُكَيْنِ في وقت واحد ، وكذلك على المتمتع لتحلله من الإحرام بين النُّسُكَيْن ، فمن لم يقدر وجب عليه الصوم ، قال تعالى { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } البقرة 196 ، فإذا أحرم الحاج أو المعتمر فيحظر عليه أمور تسمى محظورات الإحرام ، ومنها :

1- المعاشرة الزوجية ، وارتكاب المعاصي والآثام ، والجدال والمخاصمة ، قال تعالى { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } البقرة 197 .

2- التطيب وإزالة الشعر وقص الأظافر ولبس المخيط من الثياب وتغطية الرأس .

3- التعرض لصيد البر ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } المائدة 95 .

فمن ارتكب أياً من هذه المحظورات وجب عليه ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام على التخيير ، إلاَّ المعاشرة الزوجية فهي تبطل الحج وتوجب إعادته ، قال تعالى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } البقرة 196 . فلْيجتهد الحاج في الالتزام وليحرص على عدم بطلان حجه ، لأن إعادته غالباً غير متيسرة وبالأخص في هذا الزمان حيث إن إجراءات التسجيل وتحديد الأعداد لكل دولة قد تعيق ذلك .

ثانياً : الطواف ، إذا دخل الحاج أو المعتمر مكة بادر إلى المسجد الحرام , متجهاً إلى الكعبة المعظمة ليطوف بها سبعة أشواط مع الانشغال بالذكر والدعاء وتلاوة القرآن , وهذا هو طواف القدوم أو التحية لكل من القارن والمفرد وهو من سنن الحج تحية للمسجد الحرام , لكنه طواف العمرة وركنها لمن أحرم متمتعاً ، والطواف هو مشي الحاج ودورانه حول الكعبة المشرفة . ويسن للطائف أن يستلم الحجر الأسود مع بداية كل شوط أو يشير إليه في حالة الزحام ، ويكبر في بداية كل شوط بقوله { بسم الله والله أكبر ، اللهم إيماًنا بك وتصديقاً بكتبك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك ، بسم الله والله أكبر } ، ويسن له بعد إنهاء الطواف صلاة ركعتين عند مقام إبراهيم ، ثم الشرب من ماء زمزم .

ويشترط لصحة الطواف طهارة البدن والثوب ، والبدء بالحجر الأسود في كل شوط والانتهاء إليه ، وجعل الكعبة على يساره ، والموالاة بين الأشواط السبعة أي أداؤها متتالية .

ثالثاً : السعي بين الصفا والمروة ، يتجه الحاج بعد طواف القدوم إلى الصفا والمروة للسعي بينهما سبعة أشواط بدءاً بالصفا وانتهاء بالمروة منشغلاً بالذكر والدعاء ، ويعتبر سعيه من الصفا إلى المروة شوطاً ومن المروة إلى الصفا شوطاً آخر ، ويستحب الصعود إلى الصفا والمروة واستقبال الكعبة والدعاء ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله { رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم } رواه أحمد . وهذا السعي يقع عن الحج للمفرد , وعن العمرة للمتمتع , وعن الحج والعمرة للقارن ، وهو من أركان الحج والعمرة لا يصحان إلا به ، قال تعالى { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } البقرة 158 .

رابعاً : الحلق أو التقصير ، بعد الانتهاء من السعي يتحلل المتمتع من إحرامه فيحلق رأسه أو يقصر شعره , أما المفرد والقارن فيظلان على إحرامهما .

وفي انتظار الثامن من ذي الحجة فلْيحرصْ الحاج على الإكثار من الطواف والصلاة في المسجد الحرام ، قال صلى الله عليه وسلم { صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه } رواه أحمد .

وفي اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية : يحرم فيه المتمتع من جديد ، أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما أصلاً ، وينطلق الحجاج جميعاً إلى منى , ويصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ثم يبيتون فيها وهذا من سنن الحج ، فالصحابة رضي الله عنهم لما حجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم { لما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة } رواه مسلم .

ويوم التاسع من ذي الحجة هو يوم عرفة : يوم عظيم يكرم الله تعالى عباده فيه بالرحمة والمغفرة ، ويذكرهم بيوم الحساب ، قال تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا } المائدة 3 :

وتبدأ الأعمال فيه بصلاة الفجر في منى وهي سنة ، ثم صلاة الظهر والعصر قصراً وجمع تقديم في نمرة ، وهي قرب عرفات وليست منه ، وهي من سنن الحج ، ثم الوقوف بعرفة أي الحضور والوجود فيه ، وهو أعظم ركن في الحج ، قال صلى الله عليه وسلم { الحج عرفة } رواه الترمذي ، ويتوقف على فواته بطلان الحج ، ويبدأ وقته من زوال شمس اليوم التاسع ويمتد إلى طلوع الفجر الصادق من اليوم التالي ، والأفضل أن يجمع بين جزء من الليل والنهار ، ولو وقف الحاج بعرفة في غير هذا الوقت فوقوفه باطل ، قال صلى الله عليه وسلم { من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج } رواه الترمذي ، ويسن للحاج أن يكون على طهارة ، وأن يشغل وقته بتلاوة القرآن والذكر والدعاء ، ثم الإفاضة من عرفات والتوجه إلى مزدلفة ، وتبدأ بغروب الشمس ، قال تعالى { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } البقرة 199 ، ثم المبيت في مزدلفة والحضور فيها ليلاً ، وهو من واجبات الحج ، وصلاة المغرب والعشاء قصراً للعشاء وجمع تأخير فيها ، وهو من واجبات الحج ، وتسمى ليلة جمع لأن المسلمين يجتمعون فيها ، ويستحب للحاج أن يلتقط منها الحصيات التي سيرمي بها الجمرات في أيام منى الثلاث وهي سبعون حصاة .

وفي اليوم العاشر من ذي الحجة ( يوم النحر ) وهو يوم الحج الأكبر ، فقد { وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا وقال هذا يوم الحج الأكبر } رواه البخاري ، وفيه يؤدي الحاج صلاة الفجر في مزدلفة ، وهي من سنن الحج ، ثم يقف عند المشعر الحرام فيها لذكر الله ودعائه ، وهو من واجبات الحج ، قال تعالى { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ } البقرة 198 ، ثم يتوجه الحاج إلى منى فيرمي جمرة العقبة وهي الجمرة الكبرى بسبع حصيات ، وهو من واجبات الحج ، وبرمي أول حصاة من السبعة يتوقف عن التلبية ، ثم يحلق أو يقصر ثم يذبح الهدي ، وهو من واجبات الحج على القارن والمتمتع .

وأقل الهدي شاة عن الحاج الواحد أو عن سبعة إذا كانت من البقر أو الإبل ، قال جابر رضي الله عنه { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بَدَنَة } رواه مسلم ، قال تعالى { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ } الحج 36-37 ، ويشترط في الهدي ما يشترط في الأضحية .

ولا يشترط الترتيب في أداء هذه الأعمال الثلاثة فيبدأ بأيها شاء { فقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال اذبح ولا حرج ، فجاء آخر فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج ، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج } رواه البخاري . ويتحلل الحاج بذلك من إحرامه ، فتحل له محظورات الإحرام إلاَّ المعاشرة الزوجية ويسمى التحلل الأصغر .

وبعد الانتهاء من الأعمال الثلاثة : الرمي وذبح الهدي والحلق فيطوف الحاج طواف الزيارة أو طواف الإفاضة ، وهو ركن في الحج لا يصح بدونه . قال تعالى { ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } الحج 29 .

وبعد الطواف يسعي المتمتع بين الصفا والمروة ، ويسعى القارن والمفرد إن لم يكونا قد سعيا بعد طواف القدوم ، وهو ركن في الحج ، وبذلك تحل للحاج كل محظورات الإحرام ، وهذا هو التحلل الأكبر ، وختام أعمال اليوم العاشر يكون بالمبيت في منى ليلتين : وهو من واجبات الحج .

وفي يومَيْ الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة يرمي الحاج الجمرات الثلاث على الترتيب كل واحدة بسبع حصيات : الجمرة الصغرى ثم الجمرة الوسطى ثم الجمرة الكبرى وهي جمرة العقبة . والرمي من واجبات الحج ، ويبدأ وقته من زوال الشمس ، وتجوز فيه الإنابة ، ثم يبيت تلك الليلتين في منى لرمي الجمرات الثلاثة في اليوم الثالث عشر ، وهو من واجبات الحج إلاَّ أن يتعجل ، قال تعالى { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } البقرة 203 .

وإذا أراد المفرد أن يعتمر فيحرم من منطقة التنعيم ويؤدي مناسكها ، فهي مكروهة يوم عرفة وثلاثة أيام بعده ، ويختم الحاج شعائر فريضة الحج بطواف الوداع وهو من واجبات الحج ، قال صلى الله عليه وسلم { لا يَنْفِرَنَّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } رواه مسلم ، والنفر مغادرة مكة ، ويستحب للحاج تعجيل العودة إلى أهله وبلده .