الأسد الصراع على الشرق الأوسط باتريك سيل بقلم:رائد الحواري
تاريخ النشر : 2019-07-27
الأسد الصراع على الشرق الأوسط  باتريك سيل بقلم:رائد الحواري


الأسد الصراع على الشرق الاوسط
باتريك سيل
كتاب يكشف واقعنا، ويصارحنا بحقيقتنا، حقيقة أننا اقترفنا جرائم وليس اخطاء بحق الوطن، فعندما ينشغل الحزب القومي بقضايا الصراع الداخلي، ويكرس ذاته من اجل الاحتفاظ بالحكم في قطر ما أو التحضير لانقلاب ما، ويتجاهل الخطر الأكبر الكامن في دولة الاحتلال بالتأكيد يكون هذا الحزب القومي ليس قومي، والكتاب يبين أن النظام السوري بعد الاستقلال لم يكن إلا محطات صراع على السلطة، وأن هناك العديد من الشخصيات التي وصلت إلى رأس الدولة لم تكن تسعى لخدمة الوطن سورياـ بل لخدمة جماعة/افراد/طائفة، هذا ناهيك عن عدم اهتمامها بالقضايا القومية.
عفلق وحزب البعث
الكاتب يحاول أن يُجمل ويحسن من صورة "الأسد" بعد وقبل أن يستولي على الحكم، إلا أن الأحداث والوقائع لم تسعفه بذلك، فنجد العديد من المواقف والأحداث والحقائق التي تؤكد انحياز "الأسد" للطائفة العلوية، وما الصراع الذي نشب بين "رفعت وحافظ" إلى صورة من صور عديدة تؤكد على أن الطائفة كانت هي الأهم بالنسبة للأسد، انحياز الكاتب "للأسد" جعله يبدأ الحديث عن الصراع داخل حزب البعث العربي الاشتراكي بالتقليل من مكانة مؤسس الحزب "مشيل عفلق"، فمثلا ينقل لنا ما قاله زكي الأرسوزي" عن "عفلق": "كان عفلق قصير القامة، ويرتدي طربوشا طويلا جدا، فكان الأرسوزي يعلق ساخرا: "كيف يأمل لأي شخص أن يقود ثورة بطربوش كهذا؟" ص56، وهذا ما يجعلنا نقول أن الكاتب لم يكن حياديا في تناوله للحزب ولا لمؤسسيه،
وبعد انفصال الوحدة بين مصر وسوريا يقدم الكاتب "عفلق" بصورة هزيلة وضعيفة ومزرية: "فقد قيل أن عفلق قد أرغم على الوقوف في برميل من الغائظ، أو برواية أخرى أرغم على مشاهدة تعذيب واحد ممن اتباعه الشباب، ومهما يكن من امر فإن منتقدي عفلق يوردون هذه السقطة كدليل على نقض الصلابة الفولاذية في شخصيته" ص116، من يقف أمام هذا المقطع يجد أنه مبني على أقاويل وليس حقيقة، فهو يضع احتمالين/مقولتين، وهذا يشكك في صحتهما، فلو كان متأكد لختار وحده منهما، لكن الهدف هو تشويه شخصية "عفلق" وليس تقديم معلومة أو حقائق عنه.
ولا يكتفي الكاتب بهذه الأمر بل يستمر في تشويه قيادة الحزب فبعد الانفصال عن مصر يحول أن يهمش القيادة والحزب من خلال هذا القول: "...وتخبط السوريون تخبطا مماثلا، فلم يكن باستطاعة ضباط اللجنة العسكرية أن يتجهوا إلى عفلق والبيطار طلبا للإرشاد لأنهم كانوا يحتقرون رؤيتهم الاصلاحية البرجوازية" ص146، إذا ما توقفنا عند هذا القول نجده غير دقيق، فمن أين عرف الكاتب أن اللجنة العسكرية كانت تحتقر قيادة الحزب؟، علما بأن الصدمة بعد الانفصال جعلت غالبية السوريين في حالة ذهول، لكن هناك حقيقة نستنتجها: من قام بالانقلاب بالتأكيد لن يسمح لمنافسيه أن يكون في الصدارة/الواجهة.
ويربط الكاتب بين النظام وعفلق بطريقة عجيبة غريبة: "ومن المؤتمر القطري الأول بعد انقلاب سنة 1963 خرجت إشارة تفيد بوضوح أن تمرد الضباط كان ضد عفلق بقدر ما هو ضد النظام القديم، فلم يكونوا يحبونه، ولا يحبون أفكاره ولا قيادته، وكانوا مصممين على أن يأخذوا منه الحزب الذي خلقه، ... ويزعم بعض الكتاب أن هذا الاستيلاء على الحزب قد تم بشكل كامل لدرجة أن الحزب لم يعد له صلة بالحزب القديم الذي أنشأه عفلق، ولهذا يجدر به أن يسمى "البعث الجديد" ص148، وكأن الكاتب يمهد ويبرر لما قام به الأسد بعد ان استولى على السلطة، فلم يعد هناك أية علاقة بين المؤسسين والقيادة التي استلمت الحزب في سوريا، واعتقد أن هذه اللعبة لم تكن موفقة من الكاتب، وكان الأجدر به أن يكون على شيء من الحياد، اتجاه الحزب وقيادته، لكن يبدو أنه الكاتب مدفوع له الأجر، لهذا قدم قيادة الحزب ومؤسسيه بهذه الشكل الهزيل.
وختم حديثه عن الحزب "وعفلق" بهذا الشكل: " ...وأخيرا إلى العراق حيث قدم له البعثيون الموالون له والمعارضون لرفاقهم السوريين ملجأ احترموه فيه، بعد استيلائهم على السلطة في عام1968، ولكن لم يقدر له أن يرى أرض موطنه ثانية قط، وهكذا بعد ربع قرن من النضال والتوجيه انتهى عمل أشهر منظري الوطن العربي بالنفي وبالطرد" ص169و170، التلاعب بالألفاظ لا يغير الحقيقة، فرغم أن البداية كانت صحيحة، إلا أن الخاتمة لم تكن كذلك، فلم ينتهي دور عفلق ولا قيادة الحزب، بل استمرت في العمل والعطاء الفكري والنظري والفلسفي حتى أتاها الأجل، ومن يطلع على الانتاج الفكري والعقائدي لهم بعد وصولهم للعراق، يتأكد أنهم كانوا فاعلين وحاضرين، وهذا يجعلنا نقف بحذر مما جاء في الكتاب عن الحزب وقيادته، وأن لا نأخذه ككتاب مقدس، بل كتاب وضع لغاية دعائية لفرد بعينه، هو "حافظ الأسد" أكثر منه كتاب يتحدث بموضوعية وحيادية.
يثخن "باترك سيل" على الحزب وقيادته ، عندما اقتبس قولا لعبد الناصر: "آه يا بعثيون، كم أنتم شديدوا القسوة حيال بعضكم البعض" ص251، ويقدم هذه الحقيقة عن القيادة الحزب: "فمن بين الأعضاء المؤسسين الخمسة للجنة العسكرية: كان عمران منفيا في لبنان، وكان المير قد طرد إلى مدريد، والجندي قد مات، أما الأثنين الباقيان، الأسد وجديد، فكانا مشتبكين في عراك يستميت فيه كل منهما من أجل الوصول وحده إلى قمة السلطة" ص251، لا أريد أن اطلق عبارة قاطعة تحسم الموقف من الأحداث، لكن اعتقد ان الكاتب حتى لو بدا منحازا للأسد، إلا أنه بهذا القول يضر به وبالحزب وبقيادته، وكأنه يريد ان يقول للقارئ ما هذا الحزب الذي يتخاصم فيه القادة على السلطة؟، فالحزب مجرد سلم للوصول إلى غايات وأهداف شخصية وليست قومية أو وطنية، فعليكم أن تبتعدوا عنه ولا تثقوا به، وهنا يكمن خطورة هذا الكتاب، فقد وضع التشكيك بداية ، ثم أوصلنا إلى القنط والكفر واليأس.
لكن هناك حقائق دامغة تفرض نفسها، وتجعل من "عفلق" رجل فكر وصاحب رؤية فلسفية، لا يمكن لأيا كان أن ينكرها، فشعار الحزب "امة عربية خالدة ذات رسالة خالدة" عفلق هو من فصل وحلل وفكر ووضع هذا الشعار معتمدا على هذه الرؤية: "... هو التأكيد على أن الإسلام يجب النظر إليه في الواقع على أنه أسمى تعبير عن العروبة، وأن أحدهما قد تولد من الآخر، فلا تناقض بينهما وجادل في أن الإسلام كان من البداية الأولى دينا عربيا نزل بقرآن عربي، ويلبي حاجات عربية، وجاء مجسدا لقيم عربية، وإن للإسلام كثافة جاذبة خاصة تشد المسيحيين العرب من أمثال عفلق نفسه... الإسلام كان ثمرة العبقرية العربية أكثر منه وحيا جاء من عند الله... ولم يكن عفلق وشريكه الحميم البيطار مجرد أساتذة مدارس بل خرجا يدعونهما إلى الشارع وكانت حركتهما الاحيائية موجهة بشكل أساسي إلى الشباب."ص58
... وغالبا ما كان عفلق والبيطار يشاهدان على رأس تلك المظاهرات، وقد ظهرا في صور كاريكاتيرية في الصحف يسيران بملابس رثة وياقات ممزقة وطرابيش قذرة، ... فقد كانا عاطلين عن العمل، وعازبين، ويرتديان أسمالا ويعيشان على الكفاف "ص60، إذن هذه حقيقة عبقرية "عفلق" وفلسفة الحزب، واعتقد أن التحليل السابق يشير إلى أننا أمام مفكر يتجاوز ما هو عادي وتقليدي، فمؤسسي الحزب لم يكونوا في أبراج عاجية، بل يشاركون الجماهير ويخرجون أمامها ويعيشون بين الشعب فهم جزء منهم وليسوا فوقهم.

الاسد وللحكم
يتابع الكاتب حياة "الاسد" منوها إلى أنه لم يكن يمتلك لغة غير اللغة العربية: "...ولم يسد فراغ تعليم اللغة الاجنبية إلا بعد مجيء اللاجئين الفلسطينيين، الذين كانوا يتقنون اللغة الانجليزية إلى سوريا على أثر حرب 1948" ص61.
"كانت السنوات التي تلت مباشرة انقلاب 1963 سنوات تدرب الأسد على السلطة، كانت قاسية مليئة بالعبر سقط خلالها منافسوه أو أسقطوا واحدا بعد آخر حتى تسنى له أن يصبح الفائز الوحيد" ص145، يحاول الكاتب أن يدخل إلى شخصية الأسد، على أنه كان يخطط من البدايات ليكون على رأس السلطة في سورية، لكن هناك فاجعة وقع فيها الكاتب "والحافظ الأسد" الذي "خاض مع الخائضين" الصراع على الحكم، فأهمل وتناسى أن هناك دولة احتلال تقوم بتقوية نفسها عسكريا، بينما هو والنظام الحاكم منشغلين في تثيبت الحكم حتى لو كان على حساب الوطن: "... وبعد ذلك بدأ هو وجديد في حملة تظهير جماعية أخرى لهيئة الضباط السوريين، فكان من بين المطرودين ما لا يقل عن تسعة وثمانين عضوا من التنظيم العسكري الذي كان الأسد نفسه قد بناه... 1966 وكان الأسد باعتباره وزيرا للدفاع، قد وافق على طرد حوالى أربعمائة ضابط في أضخم حملة تطهير عرفها الجيش السوري في تاريخيه، فقد كان هو وجديد مصممين على وضع حد نهائي للطائفة دفعة واحدة، فإذا أضيف هؤلاء إلى الناصريين والانفصاليين الكثرين الذي صرفوا من الخدمة أو اعتقلوا من عام 1963 فسيتضح أن سوريا قد انزلقت في حرب حزيران/يونيو بدون هيئة ضباط أو على الأقل بهيئة مستنزفة استنزافا عظيما" ص187، بهذا الحقيقة وقع الكاتب في خطأ كبير، ويكشف لنا "حافظ الأسد" له دور أساسي في اضعاف الجيش السوري بعد أن قام بحملة طرد الضباط الأربعمائة، مما جعل الجيش مجرد هيكل/شكل، وإذا ما أضفنا إلى هذا الأمر قلة التدريب وضعف التسليح الذي كان بسبب انشغال النظام في الاحتفاظ بالحكم ومطاردة المعارضين، نتأكد أن هزيمة 1967 كان "للأسد" دور بارز فيها.
ورغم ان الكاتب يتدارك خطأه السابق بقوله: "وكان الجيش الذي ورثه الأسد في عام1966 غير مؤهل للحرب تماما كما كان الأسد نفسه، فقد كان قوة شيئة التدريب، ناقصة الضباط .. 500دبابة نصفها فقط صالح للاستعمال، تدعهما 100 طائرة ميج 17 ولكن بدون أي قذائف للدفاع الجوي، ولا اسطول يذكر... وحتى بعد ذلك الفصل فإن القيادة لم تكن موحدة بحال من الأحوال عام 1966" ص193، إلا أنه يبقى مسؤولا أساسيا عن هزيمة 67، فعندما نحاول أن نرقع بالتأكيد تبقى الرقع ظاهرة للعيان، ومهما حاول "باترك سيل" أن يرقع فيما جرى في سوريا تبقى الرقع ظاهرة، اجزم لو كانت هناك (قيادة) عندها شيء من المسؤولية تجاه الوطن لما وقعت كارثة 67، لكن الصراع على احكم وكيفية الاحتفاظ به حالت دون الانتباه إلى الوطن وإلى العدو المتربص به، فكانت الهزيمة حتمية لا لبس فيها.
وما الاحكام القاسية التي اتخذها بعد أن وصل للحكم، بحق الحزب وقيادته الشرعية المتمثلة "بمشيل عفلق" إلا تأكيدا على سعيه نحو السلطة وما الحزب إلا سلم للوصل ليس أكثر: "وصدر الحكم بالسجن على عفلق وأمين حافظ وثلاثة آخرين بالإعدام وعلى تسعة وتسعين آخرين مددا متفاوتة" ص282، وبهذا الحكام الجائرة ينسف الأسد الحزب من أساسه، ويشكل حزبا جديدا يحمل نفس الاسم، لكنه بالتأكيد طائفيا بالممارسة وقوميا بالاسم فقط ، وقد اكدت الممارسات التي تلت وصول "الأسد" للسلطة، خاصة دوره في الحرب الأهلية للبنانية ووقوفه محايدا أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 إلا صورة من تلك الصور الشاهدة على دور النظام الرسمي العربي في الحفاظ على أمن إسرائيل وحمايتها.
وعن طريقة الحكم في عهد الأسد يقول: "...غير أنه في النهاية كان هو وحده صاحب القرار، وبرغم من التركيبات الجديدة كان حكمه شخصيا" ص287،

رفعت الأسد
لعب هذا الرجل دورا بارزا في تثبيت النظام واستمراره، فقد كانت له سطوة كادت أن تتجاوز حافظ الأسد نفسه، يقدمه الكاتب بهذا الشكل:" وإذا كان المرء شقيقا للأسد، وتحت تصرفه ميزانية كبيرة غير خاضعه للتدقيق، ... فمعنى ذلك أن استطاعته أن يفعل أي شيء يشاء تقريبا، ولقد كان رفعت في بعض الأحيان فوق القانون" ص519، وهذا ما جعل هناك دولتين/سلطتين في سوريا، الأولى تتمثل في الحكومة، والثانية برفعت الأسد وسرايا الدفاع، وحتى بعد أن تجاوزت أعمال سريا الدفاع كل المحرمات والحدود لم تستطع الحكومة السورية إيقافها عند حدها: "لجنة تحقيق في الكسب غير المشروع... ولكنها تراجعت عندما وجدت نفسها مشتبكة مع شخصيات مقربة من النظام، فشقيق الأسد، رفعت، كان مثالا نموذجيا للثراء الشخصي ولم يكن يستطع أن يمسه أحد لأنه كان على قمة ذلك الهرم، ولأن سرايا دفاعه تتزايد الحاجة إليها" ص521، فحدث ذلك تذمر وتمرد الشعب على الطريقة التي تدار ها البلاد، وحدثت اضطرابات ومظاهرات تندد بالحكومة وبالنظام، لكن رفعت كان صارما بموقفه: "أقسم على محو دمشق" ص532" وقام بعمل مجزرة بحق السجناء: التوجه إلى السجن الصحراوي...وأطلقوا النار على المهاجع مع أوامر بقتل كل واحد داخلها، فقتل خمسمائة سجين في زنازين راحت تدوي بالأصداء المخيفة للأسلحة الاوتوماتيكية والقنابل المتفجرة وصرخات الموتى... ووجهت ضربات دامية بشكل خاص على أعمال إرهابية أخرى في حلب في آب/اغسطس عام1980، وضد حماة في شهر نيسان الذي تلاه، عندما تم جمع عشرات الذكور الذين تجاوزوا الرابعة عشرة من أعمارهم بشكل يكاد يكون عشوائيا، ثم أطلقت عليهم النار في مكانهم على الفور" ص532 و533، قلنا في السابق أن الكاتب ينحاز للأسد، وهنا يؤكد على هذا الانحياز، وإلا لماذا ينسب المجازر لرفعت وليس للأسد، ألم يكن الأسد هو الرئيس؟ وهل كان رفعت يتصرف على هواه؟، أم من خلال أوامر صادرة من الأسد نفسه؟ واجزم أن هذه التغطية غير موفقة ولا تخدم الحقيقة ولا الموضوعية.
الفلسطيني ضحية النظام الرسمي العربي
كان الفلسطيني ضحية الصراع على الحكم وتثبيته، وقد دفع ثمنا باهظا لرفضه التسليم بالأمر الواقع، يتحدث الكاتب عن العمل الفدائي الفلسطيني وطريقة تعامل النظام الرسمي العربي معه: "... لا سيما وأن الأردن ولبنان كانا يفعلان ما في وسعهما لمنع الفدائيين من العمل والانطلاق من أراضيهما، ففي السنوات التي سبقت حرب 1967ـ قتلت القوات المسلحة الأردنية واللبنانية من الفدائيين الفلسطينيين أثناء ذهابهم أو ايابهم من وإلى أرضهم المحتلة أكثر مما قتلت الإسرائيليون" ص204، حقيقة يجب أن يعرفها القاصي والداني، فالفلسطيني تعرض للظلم ليس على يد المحتل فحسب بل على يد (الأشقاء) أيضا، وما احداث أيلول عام1970 والحرب الأهلية اللبنانية عام1975، إلا صورة أخرى لقهر الفلسطيني ومنعه من أن يقوم بواجبه تجاه وطنه المحتل.
لكن الكاتب المنحاز "للأسد" يستسخف القارئ، ويقدم حدث ينسب إليه سبب الصراع بين "الاسد وعرفات": "فقد سقط احد منافسيه الرئيسيين (يوسف العربي) الذي كان حينذاك رئيس العاصفة، جريحا في إحدى العمليات ضد إسرائيل عام1966 ومات في أحد مستشفيات مدينة القنيطرة. وشاع في دمشق أنه، وهو على فراش الموت، أعلم قائد الجبهة السورية، عبد الغني إبراهيم، أن عرفات حانه، وبالرغم من أن مثل هذه الاتهامات لم تكن مألوفة بين زعماء المقاومة المتنافسين، فإن تلك التهمة كانت احد أسباب أيداع عرفات في السجن، وشكلت الحادثة بداية النفور الشديد والمتبادل بين عرفات والأسد" ص206و207، يمكن لأي قارئ مهما كان بسيط، أن يجد تفاهة هذا السبب الذي يبدو أقذر من ذنب، فهل يعقل أن يتجاهل قادة "الأسد وعرفات" مصالح الوطن والشعب من اجل أن تصفية حسابات شخصية؟، كما أن الكاتب يعترف بعدم صحية ما جاء به من خلال قوله: "شاع، غير مألوفة" إلا أنه يبنى عليها ويجعلها سبب استمرار الصراع حتى نهاية الرجلين.
"... يشكلون بصفة خاصة معضلة حادة لوزير دفاع عربي مثل الأسد الذي كان الجيش الإسرائيلي يعسكر بالقرب من عاصمته، فقد كان يرى في المقاومة مخاطرة أمنية أكثر منها مصدر إلهام للجماهير العربي... وعلى هذا فإن على الفلسطينيين أن يمتنعوا عن التدخل في الشؤون الداخلية للأقطار العربية، التي يعيشون فيها، والأهم من ذلك أنه يتعين عليهم الوقوف خلف استراتيجيات الدول العربية، وقد انتعت آراؤه هذه إلى قيام خلاف بينه وبين الزعماء الفلسطينيين ولا سيما ياسر عرفات.. أدرك الأسد صعوبة التوفيق بين نضالهم وبين أمن الدول العربي" ص256، إذا ما قارنا هذا القول بمن سبقه، نرى أن الكاتب يحاول أن يجد مبررات/أسباب الخلاف بين "عرفات والأسد" بين طريقة ممكنه بعيدا عن التحليل المنطقي، وحقيقة الدوافع والمصالح المتناقضة بينمهما.
في الحقيقة الأمر الخلاف لم يكن شخصي، بل وطني/قومي، فالنظام العربي/الأسد يسعى للحفاظ على مكانته في رأس السلطة، والفلسطيني/عرفات يبحث ويعمل لتحرير وطنه من الاحتلال، هذا هو جوهر الخلاف بينهما، من هنا جاءت أحداث أيلول الأسود في الأردن، والحرب الأهلية اللبنانية، ومن يحاول أن يفسر/يبرر حالة العداء بين المقاومة الفلسطينية والأنظمة العربية بغير هذا التحليل يكون واهما وساذجا.
من هنا نجد "الأسد" يقف متخاذلا عن نجدة الفلسطينيين في أيلول: "لقد انحاز للمقاومة لكن لم يكن يعطف على هدفها بالزحف على عمان، من هنا فإن تدخله غير المتحمس جلب له شتيمة الفدائيين الذين شعروا بأنهم تعرضوا للخيانة" ص260، فالنظام الرسمي بمجمله كان يهدف للحفاظ على الكرسي مقابل القيام بدوره الوظيفي، حمالة إسرائيلي من الهجمات الفدائية، وهذا الدور هو الذي دفع الملك حسين لتصفية المقاومة في الأردن: "والواقع أن حسين كان بذلك يعترف بأن بقاءه يعتمد على ميزان محلي للقوى، فإذا ضغطت سوريا أكثر من اللازم عليه، ستصبح هناك حاجة للضغط على إسرائيل مقابل من أجل إبقاءه على العرش... في 21/9 أيلول اتفق كيسنجر والسفير الإسرائيلي رابين على خطة وافق عليها نيكسون وحسين تقتضي بشن إسرائيلي هجمات بالطيران وبالدروع على القوات السورية في اليوم التالي، ...قامت دباباته وطائراته بالاشتباك مع السوريين في 22 أيلول/سبتمبر كما أسلفا، فأدرك الأسد جدية الموقف، ولم تكن لديه النية في الانخراط في معركة غير متكافئة مع إسرائيل ناهيك عن الولايات المتحدة" ص 261و262، إذن النظام العربي لم يكن مهتما لفلسطين ولا للشعب الفلسطيني، وانما كان هاجسه الحفاظ البقاء في السلطة، هذا هو حال حسين في الأردن، ولأسد في سوريا، فكان الفلسطيني هو ضحية.


ويحاول الكاتب أن يقلل من اهمية العمليات الفدائية من خلال قوله عنها "وخزات دبابيس" ص211، كل هذا يجعل الكتاب غير موضوعي، وهو أقرب إلى كتاب دعائي/اعلامي أكثر منه كاتب محايد/موضوعي.
حرب 1967
يعطنا الكاتب صورة القيادة الإسرائيلية قبل الحرب وكيف كانت تفكر وتتنافس قيادتها على تحقيق انجاز جديد لإسرائيل: "..إن وايزمن قام خلال الحديث بنزع شارة رتبه العسكرية من على كتفه وقذف بها على مكتب اشكول وقال : "إذا لم تصدر أمر الذهاب إلى الحرب، فإن التاريخ اليهودي لن يغفر لك ذلك أبدا... وكان عدد من السياسيين والقادة العسكريين يعتبرون أن ما يسمونه "حرب الاستقلال" لم يكتمل بعد، ويتطلعون إلى مد حدود إسرائيل إلى نهر الأردن، كما ان الانفراد بالسيطرة على القدس بكاملها كان حلما إسرائيليا قديما"" ص232و233، وإذا ما قارنا هذا التنافس بين الإسرائيليين على توسعة حدود دولتهم والتفاني في خدمة دولة الاحتلال، وبين الصراع والنزاع داخل الجيش السوري الذي طرد أربعمائة ضابط قُبيل الحرب، يمكننا أن نتأكد من نتيجة الحرب حتى قبل وقوعها.
أما الجيش المصري فلم يكن أفضل حال من السوري: "كان ثلث الجيش المصري في اليمن" ص224، والجيش الأردني: " فقد كان جنوده مقاتلين أكفاء، لكنه شديدوا الافتقار إلى الأسلحة الحديثة" ص224، أما على صعيد التنسيق بين الجيوش العربية، يقول: "ولم يكن لدى مصر وسوريا والأردن، المختلفة سياسيا أي خطط عمليات مشتركة سواء للدفاع أو للهجوم، وما الاتفاقيات التي عقدت فيما بينهما في اللحظة الأخيرة فكان ضررها أكثر من نفعها من الناحية العسكرية" ص224و225، كشف حقيقة النظام الرسمي العربي وكيف اسهم كل نظام بدور في هزيمة 67، فكلهم يتحملون مسؤولية ضياع بقية فلسطين دون استثناء، وكل من يحاول ان يبرر أو يجمل صورة هذا أو ذلك هو مخطئ بالتأكيد.
ومن مأسي ومهازل هذه الحرب أن يعلن عن سقوط مناطق قبل أن تسقط فعليا، فقد كان هناك تسارع وتسابق عند النظام الرسمي على إعلان الهزيمة وكأنها انتصار: " وفي الساعة 8،45 من صباح 10 حزيران/يونيو وبينما كانت عملية اعادة الانتشار تجري تحت القصف ولكن بنظام جيد ومعقول ، أذاع راديو دمشق بلاغا من وزارة الدفاع أعلن فيه أن مدينة القنيطرة قد سقطت، ومهما يكن مصدر هذا البلاغ فقد كان غير صحيح إلا أنه بقى قائما خلال أكثر من ساعتين إلى أن أمر الأسد بإذاعة تصحيح له، إلا أنه في هذه الأثناء تحول الانسحاب إلى هزيمة منكرة" ص230، مثل هذه الحادثة جعلت الجنود يفقدون الاتزان ويسعون للنجاة بأرواحهم بعد أن وجدوا التكالب من القيادة على إعلان الهزيمة.

حرب 73
حرب كادت أن تحرر الأرض الفلسطينية والعربية لولا تآمر السادات وسعيه وراء الولايات المتحدة، التي رأى فيها صاحبة الحل والربط في الشرق الأوسط، لقد سعى الأسد لاستعادة الجولان وكانت الحرب بالنسبة له حرب تحريرية، لكنها بالنسبة للسادات كانت حرب تكتيكية: "فبينما كان الأسد يسعى لاستعادة الأرض كان السادات لا يأمل في أكثر من إزالة العقبات أمام عملية دبلوماسية، كانت حرب الأسد حرب تحرير، بينما كانت حرب السادات في جوهرها حرب تحريك" ص315و316، أما فيما يتعلق بالأردن فقد كان موقفه بائس جدا، حيث استأذن الملك كسنجر ليرسل لواء إلى الجبهة السورية، يقول كسنجر عن هذه الحادثة: " في الشرق الأوسط فقط من الممكن تصور محارب يستأذن عدوه للموافقة على قيامه بعمل من أعمال الحرب ضده" ص322، وهذا يمثل هزالة النظام العربي وضعفه حتى أثناء الحرب، فهو مقيد وخاضع لإرادة الغرب، حتى أنه عاجز عن اتخاذ قرار بشأن تحرير أرضه من الاحتلال.
بداية أحداث الحرب جاءت مذهلة ولصالح العرب، على الصعيد النفسي: "استعاد احترام النفس، وقد تحقق هذا الهدف في اليوم الأول" ص 328، وعلى صعيد خسائر العدو: "...خسرت إسرائيل ثلاثمائة دبابة، فأسرعت يإرسال النجدات جنوبا، وفي يوم الأثنين 8/10 قامت ثلاث فرق مدرعة يقودها الجنرالات شارون وآدان ومندلر بشن هجوم معاكس على المصريين، تدعمها عشرات من الطائرات، فاندحروا بخسائر ثقيلة زادت على 260 دبابة، أخرى، ...أسوء هزيمة غي تاريخ الجيش الإسرائيلي" ص 329، كان من المفترض أن تكون هذه الانتصارات بداية النهاية للاحتلال، لكن السادات حولها إلى رسوخ وثبات وقوة للاحتلال بعد أن أعلن وقف اطلاق النار، دون أن ينسق مع الجبهة السورية، التي دفعت ثمن باهظ نظير هذا القرار المنفرد، حتى أن السفير السوفييتي في القاهرة عبر عن غضبه وتذمره من طريقة السادات في أدارة الحرب فقال: "أنا لا أعرف لماذا لا تتقدم قواتكم، لماذا لم تعززوا مكاسبكم وتبدأوا الاندفاع إلى الممرات؟... اعتقد أنه لو تم الوصول إلى الممرات واحتلالها لتحررت سيناء بكاملها" ص 335و336.
ومن هنا بدأت الحرب لصالح الاحتلال، ونقلب النصر إلى هزيمة، وأخذ الجيش الإسرائيلي يركز على الجبهة السورية فكانت طلعات الطائرات بهذا الشكل: "إن إسرائيل كانت ترسل ما معدله ألف طلعة جوية يوميا ضد الجولان وأقل من خمسين ضد المصريين في سيناء" ص338، وقد علم الأسد انه وقع ضحية مكر السادات وتآمره عليه وعلى السوريين، ووقد عبر عن هذا الأمر بقوله: " لو كنت أعلم أن الجيش المصري سيقتنع ببضعة كيلو مترات وراء القناة لوضعت لجيشي أهادفا أقل طموحا" ص341، والسادات لم يتآمر على الجيش السوري فحسب، بل تأمر على الجيش المصري أيضا، فبعد أن أعلن وقف التقدم، وقامت الوليات المتحدة بإمدادها بالجسر الجوي استعادت إسرائيل توازنها، مما جعل الانجازات التي حققها الجيش المصري معرضة للخطر، فطلب الشاذلي من السادات أن يقوم بسحب القوات التي أصبحت شبه محاصرة، لأنها ستكون مكشوفة لجيش الاحتلال، إلا أنه رفض ذلك وبقوة، فكانت النتيجة: "ظل خمسة وأربعون ألف رجل من الجيش المصري الثالث بلا عون على الضفة الشرقية يتناقص الطعام والماء والذخيرة لديهم وهم مطوقون بالقوات الإسرائيلية وفريسة مكشوفة للطيران الإسرائيلي" ص 345، دليل على الطريقة التي يتعامل بها (القادة) العرب مع الجيش/ مع الشعب، مع الوطن، فهم وجودا لخدمته ولتنفيذ أوامره، هكذا تعامل السادات مع الجيش والشعب والدولة المصرية، فقلب الانتصار إلى هزيمة وإلى خنوع للاحتلال، متجاهلا التضحيات التي قدمت في الحرب والخسائر اتي يمكن أن تحصل لمصر ولجيشها ولشعبها بعد ان قرر وقف اطلاق النيران.
وللأمنة التاريخية يذكر أن العراق دخل الحرب بمعدات وقوات كبيرة "فأرسل مائة طائرة، وأكثر من ثلاثمائة دبابة، وحوالي ثمانية عشر ألف مقاتل" ص347، وفقد شعر العرب لأول مرة أنهم أصحاب المبادرة في الحرب، فقد استعادوا كرمتهم بهذه الحرب.
الانتكاسة جاءت للفلسطيني كما جاءت للسوري، فقد كان هناك قرار إسرائيلي أمريكي باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية عدو إرهابي لا يمكن التفاوض أو الجلوس معه بالمطلق، ومن ثم لا يمكن الاعتراف بأي شيء أسمه فلسطين: "... بأن منظمة التحرير الفلسطينية لا يمكن أن تكون، بل يجب عدم اعتبارها، طرفا في أي حوار أو مفاوضات، ... فكرة قيام دولة فلسطينية تديرها منظمة التحرير ليست موضوعا يصلح لنقاش جدي" ص351، من هنا يقول كل من يقف على طريقة أدارة السادات لحرب 73 وطريقة تفكيره: أن أميركيا في يدها الحل والربط كانت فكرة ضحلة أوصلت مصر والعرب إلى الحضيض، وأفقدهم كرامتهم وثقتهم بأنفسهم، وقد كان انعكاس الحرب ليس على الجيش المصري فحسب، بل على مصر التي فقدت مكانتها العربية والدولة، وأخذت في التراجع على كافة الأصعدة، فبدت هزيلة وكأنها في (صفر على الشمال).
الفرق بين السادات والأسد
هناك موقف يحسب للأسد الذي وقف بحزم تجاه القضية السورية والفلسطينية بحيث وضع هنري كسنجر أمام حقائق وأسس يجب الاعتماد عليها في أية مفوضات/تسوية تتمثل فيما يلي: "هل توافق الولايات المتحدة على أن سوريا لا تستطيع التفريط بأية أرض؟ هل توافق على أنه لا يمكن أن يكون هناك سلامك بدون الفلسطينيين؟، هل يعالج مؤتمر جنيف هذه القضايا المركزية أو أنه سيكون مجرد إجراء مضيع للوقت؟" ص375، بينما السادات وافق وقرر وعمل على ما يلي: "أكد لهنري كسنجر بأنه سيذهب إلى جنيف بدون الأسد إذا دعت الضرورة، فقد وافق على أن يمحى من خطابات الدعوة إلى المؤتمر كل ذكر للفلسطيني، ووعد بأن لا يثير المسألة الفلسطينية خلال المفاوضات" ص371، وهذا ما يؤكد على ان السادات ما هو إلا رجل يسعى لتحقيق مجده الشخصي على حساب المصلحة القومية العربية والوطنية المصرية.
وقد قدم خدمة كبيرة لأمريكيا ولهنري كيسنجر تحديدا عندما وقع اتفاقية وقف اطلاق النار: "...فقلب مقولة الخارجية الامريكية رأسا على عقب، وهي المقولة التي كانت تؤكد أن الدعم الأمريكي لإسرائيل ينفر العرب من أمريكيا، فأكد بأن الأمر عكس ذلك تماما، وأن قيام تحالف أمريكي إسرائيلي قوي سيجعل العرب يأتون خاضعين مستنجدين" ص397، إذن خطوة السادات دمرت المنطقة العربية برمتها، فقد كانت مصر الرأس الكبير، وقد تم نقله إلى المعسكر الآخر، فأصبح العرب بلا رأس، وبعدها حدثت الانزلاقات العربية حتى وصلنا إلى ما نحن فيه.
وهناك استنتاج يؤكد على أن مصر والعرب خسروا الكثير بإعلان مصر وقف القتال: "فإبعاد مصر التي هي أكبر وأقوى دولة عربية قد ترك بقية الأقطار العربية تشعر شعورا حادا بانعدام الأمن، فمن سيدافع عن الوطن العربي بعد الآن، ومن الذي سيكبح نزعة إسرائيل التوسعية أو يردها عن العربدة" ص421، وهكذا يكون السادات قد أخرج مصر والعرب من المواجهة مع إسرائيل، وجعلهم في حالة ضعف وانهيار متواصل، لهذا دفع العرب ومنهم مصر ثمن ذلك غاليا وهائلا.




العراق والثمن الذي دفعه في حرب 73
الفرق بين النظام الرسمي العربي الآخرين أنهم يفكرون ويخططون للمستقبل، يعرفون عدوهم وصديقهم، العرق الذي اسهم بشكل فاعل في الدفاع عن دمشق ،وحمى الجيش السوري من هجمات الإسرائيليين، كان عليه أن يدفع ثمن ذلك، فأوعزت أميركيا إلى شاه إيران عام1974 على: "النفخ في الجمرات التي ما زال الدخان يتصاعد منها بسبب النزاع الطويل الأمد بينم الأكراد العراقيين وبين حكومة بغداد، لإبقاء الجيش العراقي مشغولا في الداخل" ص391، فالمسألة الكردية نعتبرها مسألة وطنية عراقية/عربية يمكن أن تحل في الاطار العراقي/السوري، لكن دخول دولة الاحتلال على الخط، والعمل على التنسيق والتعاون العسكري بين الأكراد الإسرائيليين فهذه خيانة وطنية وقومية: "كانت أول مجموعة من الأكراد قد وصلت إلى قاعدة إسرائيلية قرب الرملة مطلع الخمسينيات للتدريب على العمليات التخريبية، وعند منتصف الستينات كانت إسرائيل قد أصبحت من الدعامات الرئيسة للأكراد" ص392، هذه العلاقة لم تتوقف، بل نشطت بعد حرب 73، فاستخدم الإسرائيليون الأكراد كأداة لهم ليقوضوا الجيش العراقي الذي وقف بوجههم، لكن من يأتمن للمحتل بالتأكيد سيكون خاسر: "ولكن بعد أن أدى الأكراد الغرض الذي استغلوا لأجله بإضعاف العراق وضمان عدم قدرته على التوجه لمساعدة سوريا، تم التخلي عنهم بين ليلة وضحاها في صفقة بين العراق وإيران أصبحت رسمية باتفاقية الجزائر في 13/حزيران عام1975ظظظظظظن فتركت إيران الأكراد لمصيرهم وقطعت عنهم الامدادات وأغلقت بوجههم حدودها" ص393، المشكلة ليست فيما جرى وأقدم عليه الأكراد في السابق إن كان في الخمسينات أو السبعينات، بل على إقدامهم في العراق على التعاون مع أميركيا وإسرائيل، وفي سوريا على التعاون مع امريكيا والغرب المعادي، فلم يعوا أنهم ينتمون إلى هذه الأرض، وأنهم جزء اساسي من المجتمع.

الأردن
طريقة التفكير عند الملك حسين والسادات واحدة، لكن السادات كان أجرأ من حسين في إعلان موقفه من إسرائيل وأمريكيا، فالملك استمر (خجولا) في تعامله معهما، لكنه كان بنفس طريقة السادات: "...فقد كان يريد أن يبدأ باستعادة الأراضي، وكان يعتقد بأنه قد كسب الحق بالدعم الأمريكي بفضل صداقته الطويلة للغرب، وسحقه للفدائيين الفلسطينيين، والأخطار التي كان يغامر بتحملها باتصالاته السرية مع إسرائيل، وجهوده في تجنب الحرب" ص409، مشكلة النظام العربي أنه يعتقد أن تقديم التنازلات للعدو/للآخر يسهم في حل مشكلته، لكن الحقيقة والواقع تقول أنه كلما تقدم تنازل يريد العدو/الآخر تنازل جديد، هذا ما حصل مع حسين والسادات، فكانا مثلا على العطاء، والعطاء للعدو لكن دون مقابل، بل على العكس عليهم وعلى بلدانهم سلبا.
لبنان
الحرب الأهلية اللبنانية احدى النتائج الطبيعة لاتفاقية وقف اطلاق النار بين مصر وإسرائيل: "..فقد شعر المسيحيون بأنهم لن يتخلصوا أبدا من الفلسطينيين المكروهين والمعادين، بينما راح الفلسطينيون بدورهم يرتجفون خوفا على مستقبلهم بعد أن تخلت عنهم وهجرتهم أكبر دولة عربية" ص442، وهذا ما مهد دخول الطرفين في الحرب اكلت الأخضر واليابس، وهناك تأكيد من الكاتب على هذا الأمر من خلال قوله: "فإن الحرب الأهلية في لبنان نفخت فيها النار حتى اشتعلت لصرف انتباه العالم العربي عما لا كان كسينجر يطبخه بين مصر وإسرائيل، كانت الحرب غطاء لاتفاقية سيناء الثانية لإغراقها في الدم" ص446، فكان دخول السادات في اتفاقيات مع إسرائيل بمثابة زلزال هزة المصر، لكن ارداداته انعكست على بقية المنطقة العربية، منها هنا نجد الحرب الأهلية اللبنانية والحرب العراقية الإيرانية، والأحداث في سورية عام1981، واشتعال جنوب السواد كلها جاءت في وقت واحد.
وبعد أن دخل الجيش السوري لبنان كانت إسرائيل مرتاحة تماما لهذا الدخول، وقد رأى "رابين" في هذا الأمر: "لا يرى حاجة للتشويش على الجيش السوري في قتله لإرهابي عفات" ص462، وكان للأسد رؤية خاصة عندما وقف إلى جانب اليمينيين اللبنانيين ضد الوطنيين اللبنانيين والمقاومة الفلسطينية: "لكي يحرم إسرائيل من حجة التدخل" ص467، كلنا يعلم ان الحسابات سوري في لبنان لم تكن موفقة، فبعد ان دخلت إسرائيل بيروت في عام 1982، رأينا تهافت اليمين اللبناني وتحالفه معها، وتوقيع معاهدة (انتداب) يخضع فيه لبنان للسيطرة والحماية الإسرائيلية.
ولم يقتصر الأمر على قتال المتقاتلين، بل طال أيضا المفكرين والقادة، وما مقتل كمال جنبلاط ومعروف سعد واختفاء موسى الصدر إلا تأكيدا على أن اليد المعادية التي (أخذت راحتها) في لبنان.
الكتاب ترجمة المؤسسة العامة للدراسات والنشر والتوزيع، دون سنة للنشر.