ثمانية وعشرون حُبًّا بقلم:سارة عماد الدين ريان
تاريخ النشر : 2019-07-23
جدارٌ فارغ . . وشجرة وحيدة على جانب الطريق . . سيارة قديمة أو ما تسمى ب(الكركوعة)مصفوفة أمام منزل قديم جدًا ، خرج سامي من منزله وركب كركوعته قاصدًا مركز المدينة ، سامي الذي يعاني من فوبيا الاماكن المزدحمة يخاطر لأول مرة ويتوجه لمركز المدينة ليشتري فيلم وبطاقة ذاكرة لآلة التصوير التي يحملها دائمًا عندما يذهب إلى الغابة ويقوم بتصوير كل شئ وحيد . . أخيرًا وصل سامي مركز المدينة ، نفسٌ عميق أو ما أشبه بحشرجة تتردد في حنجرته  ، هرمون الأدرينالين بدأ يرتفع قلبه يهوي . . جبينه بدأ يتصبب عرقًا .. وجهه الذي بدا أشبه كأنه لُطخ باللون الأحمر او كبالون على وشك أن ينفجر . . نزل سامي من سيارته ، يتقدم خطوة ثُم يعود للخلف ، يراقب نظرات الناس إليه ، إنه يخاف الناس أجل يخافهم . . بدأ يردد في نفسه أنت تستطيع أجل  تستطيع . . هُنا بدأ يستعيد قليل من الثقة التي يمكن أن تكفيه ليذهب ويبتاع بطاقة ذاكرة ، لقد نجح سامي في شراء ما يريد ومن ثم ركب قاصدًا العودة لمنزله . . عندما وصل لم يجد جداره الفارغ ولا الشجرة ولا حتى منزله بدأ كالمجنون يصرخ بصوتٍ عالٍ لأول مرة في حياته .. منزلي أين منزلي ، أين أنا ، ومن أنا!.. صمت ثم صوت مقطوعته الموسيقية المفضلة .. الصوت يأتي من مكان قريب ، ولكن أين؟بقي يتبع الصوت إلى أن وصل إلى كوخٍ قديم بدا وكأنه هُجِر منذ زمن بعيد .  . لم يخشى سامي الدخول إليه لأنه يفضل الأماكن المهجورة .. دخل إليه ليجد عجوز مُلقى في زاوية ما . . ملامح وجه الرجل تصف مدى تخبطات الحياة به ، بصوتٍ ضعيف جدًا ناداه الرجل . . "بنيّ كيف أتيت هنا" ، اخبره سامي بقصته . . كان سامي إنسانًا عميقًا جدًا في تفكيره ، لذلك بدأت الكثير من الأسئلة  تراوده في عقله . . أخبره الرجل بأنه يعيش هنا منذ ثلاثين عام ، ولم يزره أحد قطّ في تلك السنوات ، إنه ضائع بين الأيام والسنوات والدقائق والثواني ، إنه لا يعرف من يكون ، لا يعرف ملامح وجهه ولا حتى اسمه ، لم يكن سامي يجيد الحديث بشكل جيد ، لذلك لم يجد شئ ليقوله ، كل ما استطاع قوله هو "اعتبرني ابنك يا والدي" ، لم يلبث سامي لأن يكمل كلماته هذه حتى وجد أن الرجل قد فارق حياته التي لم يعشها  . . قلب سامي رقيق جدًا يبكي لأتفه المواقف  ، الآن وفي هذا الموقف الذي كان من أشدّ المواقف التي عاشها ، كيف سيحتمل أن يمضي حياته وكأن شيئًا لم يكن .. لقد نسي سامي منزله وأصبح الآن كل همه هو هذا العجوز ، لا بدّ أن يكون له قصة أخفتها الأيام .. بدأ يبحث في كل مكان في الكوخ ، علّه يجد شيئًا يفسر ما حدث . . ولكن لا شئ غير ورقة مهترئة مكتوب عليها عنوان مكان ما..ترددّ كثيرًا قبل أن يعزم على الذهاب إلى ذلك العنوان ، عندما وصل المكان ، وجد منزل طبيب تحدث مع الطبيب ، فعرف أن ذلك العجوز كان يخاف الناس ويحب الوحدة ، أي كان مثله تمامًا . . سأله الطبيب إذا كان كل شئ على ما يرام ، " لا شئ على ما يرام أجل لا شئ "
"اهدأ أرجوك وأخبرني ما الذي حصل " . . فأخبره سامي بكل شئ  . ."ليس لك ذنب ، لقد انتهى أجله ، لكنّي بدأت ألاحظ أنك أيضًا تعاني  من نفس مشكلة ذاك العجوز "  . .
 "للأسف" . .
 أخبره الطبيب بألاّ يقلق سيساعده في التغلب على مشكلته . . أخبره بأنه يجب أن يمتلك إرادة حديدية حتى لا تكون نهايته كذلك العجوز  . ."لكن أين ذهب منزلي " . .
"منزلك ؟"
"أجل منزلي ، خرجت لأحضر بطاقة ذاكرة وعندما عدت لم أجده!"
"أنت تمزح بالتأكيد ، بالتأكيد لن يهرب منزلك !"
"كنت أتمنى لو كان ذلك مزاحًا ، جاك ساعدني أرجوك ، لا أريد أن أكون كذلك الرجل..أرجوك."
"لا تقلق سأساعدك ، بداية يجب أن تعِ شيئًا واحدًا -لا شئ مستحيل-اتفقنا؟"
"أجل "
على مدى أربع سنوات ، أصبح سامي كل يوم يتوجه إلى جاك الطبيب ، إنه لم يأخذ أي دواء ، كانت الكلمات التي تخرج من فم جاك وتلامس قلب سامي كفيلة بأن تجعله يشفى شيئًا فشيئًا . . سامي الذي بدأت معاناته بسبب كلمات خرجت من فم قريب له ، الآن يشفى بسبب كلمات تحفيزية من طبيب لا بسبب دواء . . كيف يمكن لثماني وعشرين حرفًا أن تشكل كلمات صغيرة  يمكنها أن تقتل أو تحيي إنسان . . سامي أصبح متحدث تحفيزي اليوم ، يلقي كلماته أمام جمهور عظيم من الناس . . سامي الذي كان يخاف التحدث مع إنسان واحد فقط .  . لا بد وأن سامي وقع في حب الحروف أجل لا بد له من ذلك . .
- سارة عماد الدين ريان .