اقــتــصـاد الـريـع فـي الـمـغـرب الجزء الأخير بقلم: عمر دغوغي
تاريخ النشر : 2019-07-23
اقــتــصـاد الـريـع فـي الـمـغـرب الجزء الأخير بقلم: عمر دغوغي


اقــتــصـاد الـريـع فـي الـمـغـرب الجزء الأخير

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.                                  [email protected]                                                                                                  
لا يمكن تفسير ذلك سوى بالقرب من السلطة والتعاون معها في الكثير من المجالات، ولا أحد منا قد ينسى ما جاء في اعترافات عميل المخابرات السابق البخاري كيف كانت رخص بيع الخمور والحانات والمواخير تمنح للمتعاملين مع هذه المخابرات كقتلة المهدي بنبركة مثلا وكيف كانت هذه المواخير نفسها تمول عمليات المخابرات،لقد كانت اعترافات عابرة لكنها ستضل شاهدة على الاستعمالات المختلفة للريع الناجم عن تسليم الرخص.

وان البحث في طبيعة الشخصيات التي تحصل على هذه الرخص وانتماءاتها الاجتماعية ومواقع نفوذها، فإنها تكشف مكونات التحالف الطبقي الحاكم، وعلاقات النفوذ والسلطة التي تجمع بينهم وحقيقة البرجوازية المحلية.

تطور اقتصاد الريع بعد عقد الثمانينات

لقد أدى الاستنزاف الهائل والمكثف للريوع من مختلف الأنواع عبر تدخل الدولة واتساع القطاع العام إلى ظاهرتين اثنتين في نهاية عقد السبعينات، 
فمن جهة، رآكم العديد من الأشخاص الذين كانوا متواجدين في مراكز القرار أو في مواقع قريبة من السلطة ثروات هائلة مكنتهم من تأسيس مقاولات تجارية وصناعية استفادت من الصفقات التي تعقدها الدولة لإنجاز مشاريعها العمومية، والتي مكنتهم من ريوع إضافية.

من جهة أخرى، أدى الاستنزاف الهائل للريوع المستخلصة من الدور ألتدخلي للدولة والحجم الهائل للقطاع العمومي إلى إرهاق كاهل الدولة بالمديونية الخارجية إلى درجة عجزت عن الوفاء بهذه الديون ابتداء من أواخر السبعينات، فبدأت المؤسسات المالية الدولية تبعث بخبرائها الى المغرب للتعرف على أسباب العجز عن سداد استحقاقات المديونية، وصياغة برامج إصلاحية للاقتصاد المغربي.

ونظرا لانغراس ثقافة اقتصاد الريع في في وجدان التحالف الطبقي الحاكم، فإن وصفات الإصلاح المفروضة من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ، سيتم معالجتها في ظل برامج التقويم الهيكلي لكي تصبح متطابقة مع مصالح البرجوازية المغربية الصاعدة وحاجتها إلى استمرار اقتصاد الريع الذي يمكنها من التعويض عن الخسارة التي تنجم عن المنافسة الرأسمالية وتعمق الأزمة الرأسمالية.

فعمليات الخوصصة تم انجازها لصالح نفس اللوبيات التي تسببت في إفلاس القطاع العمومي المعروض للبيع، ولعل فضيحة كومناف الأخيرة تشكل مثالا صارخا عن كيفية التفاف أصحاب النفوذ على المقاولات العمومية الناجحة لكي تدفعها نحو الخسارة وبالتالي تعمل على شرائها بثمن بخس.

فاقتصاد الريع هنا متداخل أشد التداخل مع الفساد المستشري داخل مربع السلطة.

إن تسارع عمليات الخوصصة سارت بشكل متوازي مع تعمق ظاهرة الفساد ونهب المال العام، فمختلف المؤسسات العمومية ظهرت بها عمليات نهب هائلة لم يكشف لحد الآن عن هول فضائحها، فيكفي الحديث عن المبالغ الهائلة المنهوبة من صندوق الضمان الاجتماعي والقرض الفلاحي ووكالة المغرب العربي للأنباء والقرض العقاري والفندقي ، للتأكد أن اقتصاد الريع ظل لصيقا بممارسة الحكم في المغرب قديما وحديثا. 

كما أن العمليات البنكية ومنح القروض ظلت ترتبط بالريوع من مختلف الأنواع، ثم إن سندات الخزينة وما تنتجه من ريوع طويلة المدى يتم الاستحواذ عليها من طرف عدد محدود من المقاولات القريبة من مربع السلطة.

الاعتراف باقتصاد الريع وأطروحات المواجهة

لقد أطلت علينا حكومة بنكيران نصف الملتحية مؤخرا بإعلانها عن لائحة الحائزين على رخص النقل عبر الحافلات والتي اكتشفنا من خلالها عن عدد من المحظوظين واللوبيات المتخفية التي تخدم أجندة التحالف الطبقي الحاكم السياسية.

 كما تم الكشف عن عدد رخص مقالع الرمال الموزعة لكن العملية توقفت واستبدلت بلغة أخرى تتمثل في إعادة تقنين منح الرخص من اجل شفافية اكبر وبناء على دفتر تحملات واضح.

 لكن كل ما تم لحد الآن هو مجرد إعلان نوايا ولم تقترن بأفعال ملموسة.

بدلا من الخاتمة

يؤكد تتبع تطور اقتصاد الريع في بلادنا عن علاقته العضوية بممارسة السلطة والتي قامت منذ الفتح الإسلامي على القهر والاستغلال ونهب الريوع غير المستحقة جعلت المغرب ينقسم لمدى خمسة قرون إلى ما يسمى ببلاد المخزن حيث السلطة المركزية بيد السلطان وما يسمى ببلاد السيبة حيث استوطنت القبائل الامازيغية الثائرة على الاستبداد والنهب الاقتصادي عبر الضرائب الفاحشة.

منذ دخول الاستعمار الفرنسي إلى المغرب سنة 1912، حاول التوفيق بين جدلية السلطة والريع من خلال إدخال نمط الإنتاج الرأسمالي، فكان ذلك بمثابة لقاح جديد لقحت به الممارسة السياسية والاقتصادية ببلادنا. حيث بدأ عهد جديد من اقتصاد الريع قائم على هذه المقومات الثلاثة وعلى النهب والتبذير الهائلين وتكوين رؤوس أموال هائلة في زمن قياسي انطلاقا من التواجد في مربع السلطة أو القرب منها، وحيث لا زالت الطبقة العاملة هي التي تدفع فاتورتها الباهظة.

وإذا كانت التنظيمات السياسية الإصلاحية تبرر محاربتها لاقتصاد الريع بعدد من الحجج من بينها أن هذه الظاهرة غير اقتصادية، ولا تنسجم مع الاقتصاد الرأسمالي وتعمل على تشويه الديمقراطية البرجوازية.

فإن التنظيمات السياسية الجذرية تعتبر أن اقتصاد الريع يشكل جزءا من الاقتصاد البرجوازي المهيمن والذي لا زال في مرحلة تراكمه البدائي حيث يختلط بالنهب والفساد والقمع، وان هذا الاقتصاد يتطور مع تطور النظام الرأسمالي نفسه في بلادنا ويعتمد في كل مرحلة على وسائل جديدة مبتكرة وقد شاهدنا ذلك منذ اعتماد سياسة التقويم الهيكلي سنة 1983، لذلك فإن القضاء على هذا الاقتصاد لا يمكن أن يتم بمعزل عن القضاء على النظام الرأسمالي نفسه.

إن القضاء على اقتصاد الريع لن يكون إلا مؤلما، لأنه لن يقتلع إلا بالقوة نظرا لجذوره الاجتماعية الثقافية العميقة، والأمثلة التي شاهدناها في بلدان ما يعرف بالربيع العربي تؤكد أن فطام التحالف الطبقي الحاكم عن الثروات التي يذرها اقتصاد الريع لن يتم بسلاسة.