بسام الشكعة وداعاً بقلم: رائد محمد الدبعي
تاريخ النشر : 2019-07-23
بسام الشكعة وداعاً بقلم: رائد محمد الدبعي


بسام الشكعة وداعا 

بقلم: رائد محمد الدبعي 

       ترجل بسام الشكعة  تاركا فراغا لا يمكن تعويضه، وتراثا نضاليا خالدا، تماما كما هي قصة فلسطين، كانت سيرة القائد الوطني بسام الشكعة،  مقاومة، وفقد، وألم وثبات على الموقف، أليس الوطن هو المقاومة، وهكذا كانت سيرة أبو نضال، مقاوم للاحتلال، والعنصرية، والظلم، والطغيان، ألم تفقد فلسطين  الجزء الأجمل من الوطن على يد العابرين، وهكذا فقد أبو نضال  قدميه  في محاولة اغتيال جبانة على يد المستوطنين الذين فقدوا القدرة على احتمال رؤية جبل يسير على هيئة رجل، ومناضل يرفض التراجع والنكوص والتطبيع والتعايش مع الاحتلال، فكثيرون أحبوا فلسطين، وقلة من نزفوا حبها لأربعة عقود دون أن يبدلوا تبديلا، أليس الوطن وجع النكبة وصبر الأمهات ووجع  الأسرى في زنازين الاحتلال، وهكذا كانت سيرة بسام، الم وثبات ومواقف مبدئية لا تعرف التغيير، بسام الشكعة أحد أولئك العظماء الذين تخطوا حاجز الإنسان إلى فضاء الإنسانية، وأحد أولئك العمالقة الذين نجحوا في قلب قانون الانتساب، إذ أضحى خيمة ينتسب لها، وشجرة يستظل بفيء نضالها، وبندقية خلق الله أكتاف الرجال لحملها بكل عز، بسام أضحى أحد أسماء نابلس المقاتلة، وتحول من منتسب إلى منتسب إليه، فنابلس تنسب إليه، والمقاومة تنسب إليه، وحب الجماهير والتفافهم خلفه ينسب إليه،  تماما كما تنسب القدس لفلسطين، والبرتقال ليافا، والجمال للياسمين، وجرزيم  وعيبال لنابلس. 

  سيرة بسام الشكعة غير قابلة للحصر، ولعل من المهام المستحيلة جمع تراث هذا القائد العظيم بين سطور كتاب، أو مجموعة من الكتب والمجلدات، لأنها  تتطلب اختراق  ملفات تحقيق الفاشيين الصهاينة، والبحث خلف كل حجر في البلدة القديمة، والتنقيب تحت كل شجرة زيتون من رفح حتى جنين، وتنظيم مقابلات لا تحصى مع كل وردة جورية تفتحت في تربة الوطن، إذ أنه لا شك أنها تعلمت من بسام كيف يكون للثابت قدرة على نشر الشذى في الافاق، والغوص في قلوب أحرار العالم، المناضلين ضد الظلم والعنصرية والفقر والمرض والجهل والطائفية والاستبداد،  الذين في كل منهم قطعة من بسام، وفي قلب بسام جزء من كل واحد منهم،  فبسام الذي حاول العنصريون إخماد صوته في الثاني من حزيران عام 1980 بزرع قنبلة في سيارته فقد على أثرها قدميه، تحول إلى خيمة، وبيرق، ورمز، وقضية، لا زالت رائحة التفجير الإرهابي تملأ سماء نابلس، وجبليها، حتى غدت  مقولاته الشهيرة " لئن استطاعوا بتر أقدامي فلن يبتروا نضالي "، وأصبحت اليوم أكثر التصاقا بالوطن، إنجيلا  يضيئ درب السائرين في دروب الحق. 

بترجل أبو نضال يكون قد حقق حلمه الأكبر بالالتحام بالأرض، ومعانقة التراب، وتحقيق التطابق النهائي بينه وبين الوطن، تماما كما وصف درويش صديقه الراحل غسان كنفاني، وبرحليه اليوم سيرتاح في أحضان فلسطين التي أحب، بعد أن اعتادت أن ترتاح  في أحضانه في كل لحظات الحزن والفقدان والخسارة والانكسار، وكم كانت كثيرة وموجعة في حياة بسام وفلسطين، وبرحيله اليوم سيفقد المناضلون والقوميون وكل أحرار العالم جبلا شامخا، وبيتا دافئا، وضميرا نقيا، وقصيدة ثورية، ونهجا صارما لا يعرف التسوية  والتفريط. 

بفقدان بسام الشكعة لا يكفي أن نعزي عائلته الصغيرة

بل نعزي عيبال وجرزيم

نعزي القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد وعمان والرياض وكاراكاس وهافانا

نعزي أنفسنا ونحزن علينا ونبكي بحرقة