دور قوة الإرادة في فوز المنتخب الجزائري بكأس أفريقيا بقلم :حماد صبح
تاريخ النشر : 2019-07-23
دور قوة الإرادة في فوز المنتخب الجزائري بكأس أفريقيا بقلم :حماد صبح
للفوز في مباريات كرة القدم على مختلف تصنيفاتها عوامل كثيرة ، وسأركز حديثي هنا على عامل واحد لا ينال عادة من الاهتمام ما تناله العوامل الأخرى ، وأقصد به عامل قوة الإرادة ، أو الروح المعنوية لدى الفريق اللاعب وقيادتيه الفنية والإدارية . وقوة الإرادة لها أسس فردية تخص اللاعب ذاته ، وأسس مجتمعية تخص المجتمع الذي ينتمي إليه في نظم حياته المتعددة ، ومنها النظام السياسي ديمقراطيا أو مستبدا أو وسطا بين الديمقراطية والاستبداد . وفي تناول قوة الإرادة بالفريق الجزائري نجد له منها النصيب الأوفى على المستوى الفردي وعلى المستوى المجتمعي . والسائد أن يتبع المستوى الفردي المستوى المجتمعي ، ويتأثر به قوة أو ضعفا ، فالانتماء لمجتمع قوي يخلق أفرادا أقوياء ، ويعوض ما لديهم من نقص في القوة فطروا عليه . ووفق هذه الحقيقة يستصدر اللاعب الجزائري قوة إرادته من مجتمع عرف تاريخيا بقوة الإرادة ، وأكبر تجليات هذه القوة الإرادية الإخفاق الفرنسي في محو هويته الوطنية والدينية واللغوية والثقافية في 130 عاما لم يترك خلالها الفرنسيون وسيلة إلا استعانوا بها تحقيقا لهذا المحو الاستعماري الإجرامي . وننظر في أقرب صفحات التاريخ الجزائري ، في خمسينات القرن الماضي ، حين رفض قادة ثورة التحرر الجزائري أي حل وسط مع فرنسا لا يعيد لبلادهم هويتها وكامل سيادتها على ترابها الوطني ، وهو ما حازوه بمليون ونصف مليون من الشهداء البررة . اللاعب الجزائري يستلهم هذه الإرادة الحازمة ، فيحزم أمره في المباراة على الفوز ، أو الخروج منها خروجا لا هوان فيه . واستلهامه لها قد يكون واعيا واضحا ، وقد يكون مستقرا في خفايا نفسه يرسل بإشعاعاته لتوجيه سلوكه ، وفي الحالين يكون له تأثيره الحاسم الفعال في المباريات التي يشترك فيها . ولم يكن بلا خلفية مجتمعية تاريخية ملهمة أن يقول بغداد بونجاح الذي صنع هدف السبق وهدف الفوز لبلاده : " جئت لأقاتل من أجل الجزائر ، لا لشيء آخر " . إنه يعي في وليجة نفسه أنه سليل مقاتلين محاربين أشداء ، وما أبعد وأعمق مطابقة لقب الفريق الجزائري ( محاربو الصحراء ) لشخصيات وأداء لاعبيه ! لقب يتفجر بإيحاءات الإرادة القوية ، والجَلَد العنيد ، والشجاعة المغامرة بحكمة ، والجاهزية الواثقة لمواجهة أي طارىء لا يسر . ووجوه لاعبي الفريق وبنياتهم الجسدية وحركاتهم تفصح إفصاحا قويا ثريا عن قوة نفوسهم وفولاذية إراداتهم ، وكل ما سبق من توصيف لهم أكده فريقهم في النسخة الأخيرة من كأس أفريقيا ، ففاز في ست مباريات ، وتعادل في واحدة ، وختم أداءه البطولي بالفوز بالكأس للمرة الثانية في تاريخه . ومن مظاهر التأثير المجتمعي على قوة إرادة لاعبي الفريق ، ونقترب هنا من البعد السياسي على المستويين المهني والرسمي ، أن لا أحد يهدد اللاعبين بالجلد أو بالطرد من الفريق إذا لم يفوزوا بالكأس ، وهو ما حدث مثلا يوما في العراق ، ونسمع بوجود أشباه له في بعض الدول العربية الآن . اللاعب المهدد الخائف لا يفوز ، وخلال لعبه يسيطر عليه القلق الشديد ، ويرتعب عند أي هدف للفريق الخصم ، أو نذير بهدف ، ويوجع روحه أي تقصير منه أو من أحد زملائه ، وينتهي به كل هذا إلى شلل أو قُربٍ من الشلل ، وفي النهاية تكون خسارته كبرى . الخائفون المرتجفون لا يصنعون أي فوز . الفريق الجزائري لا يخاف ولا يرتجف . ولكون قوة الإرادة حالة سائدة في الفريق الجزائري رأيناها تجتمع مع العوامل الأخرى للفوز في مباريات كرة القدم ، بل قادتها وسادتها ، فاتسعت دائرة الأفضلية بين لاعبيه ، فجاء رايس مبولحي أحسن حارس مرمى ، وإسماعيل بن ناصر أحسن لاعب ، ورياض محرز أحسن مهاجم ، وعدلان قديورة أحسن مدافع ، وجمال بالماضي أحسن مدرب ؛ ضمن القائمة المثالية للاعبي الدورة . قوة الإرادة تصنع أعظم الإنجازات في كل نواحي الحياة .