الصحافة العربية: الجهل المطبق بما تكتبه!بقلم:آصال أبسال
تاريخ النشر : 2019-07-22
الصحافة العربية: الجهل المطبق بما تكتبه!بقلم:آصال أبسال


الصحافة العربية: الجهل المطبق بما تكتبه!

آصال أبسال

عن تصاعد حدة الخلاف الإعلامي الذي حصل مؤخرا بين هيئة تحرير الصحيفة البريطانية الشهيرة The Guardian وبين الرسام الكاريكاتوري السياسي الإنكليزي ستيف بيل.. التصاعد حول رفض هذه الصحيفة نشر لوحته الكاريكاتورية السياسية الأخيرة متحسبة من قلقها ومدعية بأن هذه اللوحة قد تعرضها لـ«تحديات قانونية» فيما يتعلق بالموقف العنصري تجاه «العبرانيين» الذي يسمونه عادة بـ«اللاسامية» Antisemitism.. وهو الموقف العنصري المقابل للموقف العنصري تجاه العرب الذي أشار إليه الجاحظ أول من أشار إليه بـ«الشعوبية» في كتابه الشهير «البيان والتبيين».. تكتب أسرة تحرير الصحيفة العربية المشهورة «القدس العربي» في افتتاحيتها الأخيرة التي تحمل العنوان «الصحافة تسمح بتراجع حريات العالم أمام إسرائيل؟» من صدور يوم أمس 19 تموز/يوليو 2019، ما يلي..

/تظهر اللوحة نتنياهو مع لعبتين يسميهما «ترمبي ومبي» و«بوزي وزي»، وهو ما يشير عمليا إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية البريطاني السابق، والمرشح الأكبر حظا في تولي منصب رئاسة الوزراء، بوريس جونسون، فيما يظهر نائب رئيس حزب العمال توم واتسون يقول وهو يتراجع: «آسف. اعتقدت أنكما عضوان في حزب العمال»/.. 

هذا مثال شديد الوضوح على نوع الصحافة العربية وعلى مدى الجهل بما تكتبه هذه الصحافة بأغلبيتها الساحقة.. مثال تمثله خير تمثيل أسرة تحرير صحيفة عربية مشهورة مثل «القدس العربي».. خاصة وأنها تدعي بأنها /صحيفة عربية يومية مستقلة.. وهي من أكثر الصحف العربية انتشارا.. وأنها اكتسبت سمعة عربية ودولية طيبة، كونها منبرا متنوعا يؤمن بالتعددية وينشر الأخبار الدقيقة.. وأنها تلتزم بالمعايير المهنية والموضوعية، من خلال تغطيتها للأحداث، وتقديم التحليلات العميقة للقضايا العربية والعالمية/.. إلى ما هنالك من شكلي التطبيل والتزمير الإعلاميين الذاتيين الأجوفين، ودون أية حاجة إلى عناء التعليق حتى على ركاكة النص الإنكليزي الذي تنشره هذه الصحيفة في مقابل تطبيلها وتزميرها هذين على العلن..

كتبتُ وقتها تعليقي اللازم على المقتطف المذكور أعلاه ورفضت مقصات رقابة الصحيفة «المخابراتية» بامتياز أن تنشر هذا التعليق كعادتها لأنه ببساطة شديدة يفضحها على حقيقتها «المخابراتية» على العلن أيضا.. رفضت أن تنشره حتى في حقلها المخصص للتعليقات، وهو الحقل الذي يحفل بكل أشكال السخف والتفاهة والهراء اليومي تنشرها دون أي تحفظ أو تحسب.. كتبتُ بدوري في ذلك التعليق ما يلي..
 
يا سلام يا سلام على شرح أسرة تحرير صحيفة «القدس العربي».. يا سلام على تنويرها للقراء والقارئات العرب وجعلهم تماما مثل «الطرشان بالزفّة» الذين لا يعلمون أي شيء عن القصد من وراء النحتين الاسميين كما يظهران في اللوحة «ترمبي ومبي» و«بوزي وزي».. آه لو كانت أسرة تحرير هذه الصحيفة تعلم أن هذين الاسمين المنحوتين «ترمبي ومبي» و«بوزي وزي» هما اسمان منحوتان عمدا من طرف الرسام الكاريكاتوري السياسي المذكور على إيقاع الاسم الإنكليزي الهزلي المشهور Humpty Dumpty.. وهو اسم الشخصية الإنكليزية المشهورة في أناشيد الأطفال منذ نهاية القرن الثامن عشر حتى أيامنا هذه، حيث تصورها هذه الأناشيد كرجل سمين جدا وقصير جدا على هيئة بيضة ضخمة سقط ذات يوم من على الجدار الذي اعتاد أن يجلس عليه، وانكسر بالتالي كما تنكسر البيضة ولم تعد كل قوى الإنس والجن تستطيع رأبه كما كان على حاله..

وهناك في اللغة العربية العامية في اللهجة الفراتية تحديدا، كما تعلمتُ من أستاذي الكريم غياث المرزوق، العديد من الأسماء المنحوتة بشكل هزلي لكي تدل على هكذا شخصية سمينة وقصيرة من مثل «البُخُم» و«التِّيخُو» و«البَطْحِيش» إلخ.. وهناك أيضا العديد مما يقابلها في اللغة العربية الفصحى من ألفاظ يكاد أن يطويها النسيان الجمعي العربي من مثل «البُؤْبُ» و«الإِزْبُ» و«الحُظُبُّ» إلخ.. !!

ما تكتبه جريدة «القدس العربي» من خلال الكثير من افتتاحياتها.. وهذه بداية المطاف بالحتم.. وما تنشره كذلك من خلال الكثير من مقالات كتابها وكاتباتها الذين تتباهى بإمكانياتهم وبمستوياتهم تباهيا نرجسيا بالطبع.. إنما هو أصدق دليل على ما قاله السياسي الأمريكي توماس جفرسون في قوله التهكمي الساخر بما معناه.. /من لا يقرأ أي شيء على الإطلاق.. إنما هو أكثر ثقافة بكثير ممن لا يقرأ سوى الجرائد/ .. !!

***

آصال أبسال – كوبنهاغن 

-----------
تعريف بالكاتبة
ولدت في مدينة باجة بتونس من أب تونسي وأم دنماركية.. وحصلت على الليسانس والماجستير في علوم وآداب اللغة الفرنسية من جامعة قرطاج بتونس.. وحصلت بعدها على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من جامعة كوبنهاغن بالدنمارك.. وتتمحور أطروحة الدكتوراه التي قدمتها حول موضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة الغربية» بشكل عام.. ومنذ ذلك الحين وأنا مهتمة أيضا بموضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة العربية» بشكل خاص..