نتائج الثانوية العامة واصلاح التعليم بقلم:عبد الكريم عاشور
تاريخ النشر : 2019-07-21
نتائج الثانوية العامة واصلاح التعليم

في بداية الثمانينات من القرن الماضي اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية الى اجراء تقييم لبعض المساقات التعليمة لديها عندما شعرت بتقدم اليابان عليها بعشرات السنوات في مجالات علمية تحاكي العصر والتطور التقني فقد تفوقت اليابان عليها في مناهج الرياضيات وعلم الحاسوب والأعمتة واستخدامات الانسان الالي في العمليات الصناعية

نتيجة التقييم الذي أجرته في حينه أسفر عن اتخاذ قرار بتغيير جذري في المساقات العلمية سابقة الذكر وخصوصا منهج الرياضيات الذي يعتبر الأساس لاي تطور علمي او تكنولوجي، بعد مرور عشرون عام على هذا التغيير بالمناهج التعليمية استطاعت امريكا ان تجسر الفجوة بينها وبين اليابان ومن ثم تفوقت عليها في العلوم المذكورة وأصبحت الأولي على المستوي العالم مرة اخري في هذه المجالات حيث نري اليوم أن شركة أبل قد تخطي رأس مالها ترليون دولار وهذه سابقة لم تحدث من قبل.

في نفس الفترة تقريبا اعتلى مهاتير محمد سدة الحكم في ماليزيا ذلك البلد الزراعي الذي يرزح تحت وطأة التخلف وتدهور أوضاعه الاقتصادية والصحية، وكانت بداية برنامجه تطوير النظام التعليمي في بلاده بحيث يستجيب لمتطلبات العصر واحتيجات البلاد حيث استعان بخبرات وتجارب العديد من البلدان بما فيها بريطانيا التي استعمرت ماليزيا لفترة طويلة.

بدأ بوضع نظام تعليمي ذو خصائص ماليزية وفي نفس الوقت بدأ بتهيئة بيئة ملائمة تستجيب لمخرجات النظام التعليمي الجديد  فقد خصص أكثر من ربع ميزانية الدولة لتطوير هذا النظام وهكذا أصبحت ماليزيا بعد عشرون عاما من أفضل البلاد المتقدمة علميا وتكنولوجيا في دول جنوب شرق اسيا وارتفع مستوي دخل الفرد فيها من الف ومائتا دولار امريكي  الي تسعة الاف دولار باحتياطي نقدي تجاوز  ثلاثمائة مليار دولار بعد ان كان لا يتعدى  ثلاثة مليار دولار أذكر هده التجارب للتدليل علي ان التعليم هو نقطة الارتكاز لاي تطور في بنية أي مجتمع , 

أعود هنا الي نظامنا التعليمي الذي لايمكن أن يكون محفز لاي تطور او تقدم وأبدأ:

1- رياض الأطفال التي لاتخضع لاي نظام رقابي أو متابعة فهي متروكة لمن يشاء ان يعبث بعقول أطفالنا وتشكيل وعيهم كيفما يريد في مرحلة مبكرة من أعمارهم هي الأهم في تكوين شخصيتهم الذي سيحملونها في سنوات عمرهم القادمة.

2- مراحل التعليم الأخري والتي تتوج بما يسمي بشهادة الثانوية العامة والتي تعتمد بمجملها علي تأسيس عقل ساكن لطالب  يعتمد علي التلقين والحفظ ليس له علاقة بأسس البحث العالمي والتحليل المنهجي ولو بالحد الأدنى والتي لا تنتج عقلية مبدعة بحيث أصبحت شهادة الثانوية العامة وكأنها خلاصة الاثني عشر عاما من التعليم  وهي الحكم النهائي علي كفاءة الطالب مع أن هذا الاسلوب قد عفا عليه الزمن في كل نظم التعليم في العالم المتطور , فقد أصبحت نتيجة الثانوية العامة احد  المؤشرات التي يتم الاستناد اليها في تحديد تفوق الطالب وقبوله في الجامعة التي ستقوم هي بتحديد الشروط المطلوبة للتأكد من أهلية الطالب للالتحاف بالكلية التي يريد 

من هنا تكمن اهمية العمل على تفكيك ما يسمي بشهادة الثانوية العامة وجعلها شهادة عاديه أسوة بسنوات التعليم المختلفة ورفع حالة القدسية والرهبة التي تتمتع بها.

3- التعليم الجامعي: في دراسة كنت قد أشرفت عليها قبل عدة أشهر ولم تنشر بعد قام بها متخصصون بمجالات علمية مختلفة حول أسباب البطالة في أوساط الخريجين الجامعيين في غزة كنموذج أشير هناك لبعض المؤشرات والارقام التي وردت في الدراسة.

• تخرج الجامعات المحلية سنويا حوالي ثمانية عشر ألف خريج.

• 90% من الخريجين درسوا في مجال العلوم الانسانية.

• 10% من الخريجين درسوا في مجالات حرفية ومهنية (علما بأن النسبة يجب ان تكون عكس ذلك).

• نصيب التعليم من ميزانية السلطة الفلسطينية تتراوح ما بين (20-13%) موجه بالأساس للمرتبات والمصاريف الجارية.

• يتنافس على كل وظيفة معلن عنها ما يقارب 300 خريج.

• عدم تقدير أو احترام لتعليم المهني في أوساط المجتمع.

• وجود سبعة وعشرون مؤسسة تخضع للتعليم العالي دون حد أدني للتنسيق بينها.

• مساقات التعليم بالجامعات لا تواكب التطور العلمي (تتنافس كل من الجامعة الاسلامية وجامعة الأزهر على وضع مساقات دينية أكثر من الأخرى كي ثثبت انها أكثر تدينا).

• تنافس حاد بين الجامعات على استقطاب أكبر عدد من الطلاب بهدف تمويل ميزانياتها التي تعاني من عجز دائم حيث يتم تخفيض مستويات القبول للكليات العلمية بحيث وصل الى 65% لكلية الهندسة في بعض الجامعات.

• ضعف الكادر التدريسي والأكاديمي في العديد من الجامعات.

• عدم استجامة التعليم لاحتياجات السوق (مع العلم ان علم الادارة الحديث يبدا في البحث عن تسويق السلعة أي كانت قبل عملية الإنتاج).

هذا قليل من الاستنتاجات الاولية التي توصلت اليها الدراسة ولم أشر الي التفصيل 

كل ذلك يؤكد الي عدم وجود خطة تعليم جامعي تستجيب الي متطلبات المجتمع والامر متروك الي الفوضى والفهلوة والنتيجة وجود ما يقارب 350 ألف خريج جامعي عاطلين عن العمل في مستويات عليمة مختلفة من حملة شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه لم يستوعبهم سوق العمل ولن يستوعبهم لا اليوم ولا مستقبلا، وهذا ما يحثنا على التوقف عن هذا العبث والتدمير الجاري لمجتمعنا والسعي لوضع خطة تستند الي اصلاح جذري لنظامنا التعليمي