أولاد المختار بقلم:تحسين يقين
تاريخ النشر : 2019-07-20
أولاد المختار بقلم:تحسين يقين


 أولاد المختار

تحسين يقين


الدراما سابقة، اكانت من خلال تخيلنا إياها صوتا وصورا من خلال حكايات أمي (ام جبينة خلي جبينة تروح تلقط معنا دوم) أو ما تخيلناه صورا من خلال الدراما الإذاعية المصرية بشكل خاص، وما صرنا نراه صوتا وصورا في التلفزيون في أواسط السبعينيات، لكن بالنسبة لغيرنا من مجايلينا، ومن سبق، تبعا لمكان الإقامة، فإنهم تعرضوا لأشكال درامية أخرى، كدراما المسرح والسينما، التي وجدت لها دورا في معظم المدن. لكن ما جمع جيلنا، ومن سبق، ومن أتى بعدنا، هو الانشداد السحري للدراما التلفزيونية، التب كانت تبث وفق أسلوب الحلقات بكل ما تحتويه من تشويق وصولا إلى المصير: مصير الأبطال الذين أحببنا أو لم نحب تبعا لتمثيل أدوار الخير والشرّ.

لا نستطيع عزل تأثيرات الدراما التلفزيونية العربية والمصرية بشكل خاص، والتي تبلورت وازدهرت بشكل خاص على يد الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة، والتي كونت، بالنسبة لنا كمشاهدين/ات ثم فيما بعد ككتاب، التطبيق العملي الإبداعي، لانسجام وتكامل عناصر العمل الفني، كتابة واخراجا وتمثيلا، والتي أصبحت جزءا من وجدننا وتكويننا الإنساني.

والمهم هو انه حلقة وراء حلقة، ومسلسل وراء آخر، استطاعت الدراما إحداث وعي خاص، بحيث صرنا ندمج ما بين مصير الأفراد في العمل الفني بالمصير العام، ومن ثم بمصرينا نحن أفرادا وجماعات وشعوبا.

لذلك، فإننا هنا في "أولاد المحتار" لسنا إزاء التشوق لمصير الشخصيات الفردية والجماعية، بقدر استجلاء الأسلوب، لمضمون وحكايتنا التي نعرف فصولها التي ما زلنا نعيشها.

بشكل عام، للمسلسل، له، أكثر ما عليه، ونستطيع أن نزعم أنه حلقة مهمة، سيعود لها المهتمون في التأريخ الفني، لما لذلك من أهمية إنتاج مسلسل في فلسطين، بكوادر فلسطينية.

شعور عام بالارتياح، حيث يعد المسلسل فعلا بداية أخرى قوية للدراما الفلسطينية، التلفزيونية، وشعور بالأمل، وفخر بتوطين الدراما، وبأننا قادرون/ات ليس على سرد الحكايات، بل على الميلودراما.

ولو تتبعت شعوري مثلا أثناء مشاهدة معظم الحلقات، لتذكرت مشجع فريقه الذي يحبه، وعينه على إبداعات الآخرين.

ومع الاحترام لكل من ساهم في هذا العمل الفني، من منظور تكامل عناصر العمل الفني، إلا أنني وجدت نفسي منشدا لعنصر التمثيل، والذي ظل عالقا بنا حتى الآن، وإن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على طاقات الفنانين/ات هنا، لا تقل شأنا عن نجوم فن التمثيل العرب؛ حيث أنهم/ن استطاعوا تدعيم روافع إضافية للمسلسل، تجاوزت كثيرا السياق المحدود في النص، لسبب مهم وهو رغبة طاقم التمثيل بالنجاح، لذلك لاحظنا طاقم متآلف يدعم بعضه بعضا، لنجاح الجميع لا ممثل واحد فقط.

وقلنا التمثيل لأنه موضوعيا وتاريخيا، فإن الخبرات الفنية في التمثيل سابقة على الإخراج التلفزيوني، كونهم/ن مارسوا التمثيل في المسرح والسينما، والتلفزيون بدرجة أقل. أما التفاوت في الأداء، فإنه موضوعيا أيضا، لم يكن نتاج قصور، بل نتاج خبرة، ونزعم أن ملكات الجيل الجديد ستتضاعف مستقبلا.

وأتمنى أن يشكل المسلسل هنا مختبرا في التمثيل، وتعليمه وتعلمه، بل يمكن للطاقم العودة لمشاهدة الحلقات، لعمل تقييم موضوعي لأنفسهم ولزملائهم/ن.

كل وطاقته وما خبره، وما يحسنه ويبدعه؛ فلشيخ الفنانين الأستاذ أحمد أبو سلعوم أن يقود شعوريا المشاهد، لحضوره القريب، وقدرته على تمثل الشخصية من الداخل، وللأستاذ حسام أبو عيشة، أن يبدع بالتصوير الداخلي، لشخصية مكروهة، مخادعة، باستخدام معمق لا لشكل الوجه وطريقة إغلاق العين، بل ما هو أعمق، ولربما كان هناك مجال في إدخال الممثل في علاقة اجتماعية، كأن يكون له أسرة مثلا، حيث تظهر مشاعر متعددة.

أما الفنانة ربا بلال، التي عرفناها على خشبة المسرح، فقد أتت بالمسرح، وبأسلوب التركيز في الحركة والتعبير، وردود الفعل تجاه الممثلين الى المسلسل، فكان أداؤها احترافيا رغم محدودية الدور شكلا ومضمونا. ولعل ذلك ينطبق على الفنان حسين نخلة أحد أهم الفنانين العرب في التعبير عن الدور الى اخر مدى. وأظن أن الملاحظة نفسها، تنطبق على سهير فهد وأمجد غانم ونضال مهلوس وسعيد البيطار ونجاح أبو الهيجا، حيث سطت التقليدية في التمثيل لأسباب لها علاقة بالنص وبالإخراج بدرجة أقل، حيث نزعم أننا لمسنا طموحا لدى المخرج، وأبدى قدرة نحترمها في هذا السياق المحدود الموارد، فيكفيه فخرا انه ادار هذه العملية في ظل شحّ الإمكانيات وضيق الوقت..

ولعل ذلك يقودنا بشكل مباشر الى النص، والذي بالطبع يتحمل الكاتب هاشم كفوين، والمخرج بشار النجار مسؤوليته معا؛ حيث أنه كانت هناك فرصة "لفلترة" النص، وتمكينه في آن معا، ولعل تطويل المسلسل الى 30 حلقة كان على حساب تكثيف المشاهد، وحمايتها من أن تصير عادية يمكن للمشاهد تركها لدقائق ثم العودة اليها، خصوصا في الحوارات التي لا تضيف للعمل الفني، بل تقع في محظور التكرار بدون وظيفة. كذلك، لم يكن لا الكاتب ولا المخرج بحاجة للاحتفال بالآني الذي يثير المشاعر، والذي بدلا من جعل المشاهد متأملا في رحلة الشخوص من دواخلهم الضميرية، فإنه راح يلح على الجانب الخطابي -المنبري، لاستعطاف الجمهور للتصفيق مثلا، لسبب وطني-انفعالي.

في عدد من المشاهد الجمعية، كان من الممكن زيادة عدد "الكومبارس" لإقناع المشاهد، كذلك كان من الضروري الانتباه لكيفية تضمين التراث مضمونا، وأدوات وملابس، كون المسلسل يقع زمنيا بين 1948 و1980.

ولعلنا هنا، نميل أيضا، لو ركز المسلسل الأحداث بين حرب 1948 وهزيمة 1967، كي يكمل ذلك في جزء ثان وثالث، حيث تستحق سنوات الخمسينيات والستينيات إفراد الحديث عنهما، لأسباب موضوعية متعددة.

لماذا أولاد المختار وليس أولاد فلان من الناس؟

لعل ذلك يتعلق بالوعي أو اللاوعي حول دور القادة في التعامل مع الإرث التاريخي والنضالي، أكثر منه مجرد، الاحتفاظ بوثائق ملكية الأرض، التي لا تعني الكثير الآن، بالنسبة لقضية لجوء كبيرة، وسرقة عامة للممتلكات العامة والفردية لشعب وليس لقرية واحدة "خربة أم اللوز".

وأخيرا، أعجبنا جميعا المقدمة الغنائية -الموسيقية، والتصميم الجرافيكي، حيث عبر محليا وعصريا، عن المكان والزمان.

[email protected]