مصالح الأنظمة واستشراق المستقبل في واقع النظام العالمي الجديد بقلم:د. رائد عواشرة
تاريخ النشر : 2019-07-20
مصالح الأنظمة واستشراق المستقبل في واقع النظام العالمي الجديد

د. رائد عواشرة

بانت ماهية وطبيعة النظام العالمي الجديد (new world order) والتي يمكن توضيحها بما يلي.  يقوم النظام العالمي الجديد بشكل رئيس على مصالح القوة الرئيسية والاولي في العالم وهي الولايات المتحدة الامريكية ممثلة بحكوماتها. فالإدارة الامريكية تتصرف وفق مصالحها بعديدة عما يعرف بالقانون الدولي. اذن لا تعول الإدارة الامريكية على القانون الدولي ولا اجماع مجلس الامن فهي تتصرف منفردة ولا تهتم يهمها موقف مؤسسة الأمم المتحدة.

كما ومن أحد اهم معالم النظام العالمي الجديد هو الانغلاق والتوجه نحو الداخل لكون مصالح الأنظمة التي تقيدها تدقعها للتركيز على الصوت الذي يأتي من الداخل سواء كان هذا الصوت انتخابيا او مصلحيا. فقد سقطت الأقنعة والشعارات التي ينادي بها حول حقوق الانسان بموقف الدول الغربية من موضوعات اللاجئين وحقوقهم والمواقف من المهاجرين. هذا الانغلاق يتبين أيضا من خلال ازدياد ظواهر العنصرية واستفحالها وازدياد التوجه نجو التطرف اليميني في جميع الدول وعلى امتداد القارات بما فيها الامريكيتين وأوروبا والدول العربية واسيا. 

 لقد خلصت الكثير من الدراسات الى ان الولايات المتحدة هي المهيمنة على النظام العالمي الجديد بحكم قوتها وسطوتها في كافة الجوانب العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والعلمية؛ وعلى ضوء هذه الخلاصات تولدت قناعات لدى كثير من الأنظمة السير في ركب الإدارة الامريكية بل وضمن هذه الصيرورة للمستقبل تم بناء توجهات وسياسات علوم استشراق المستقبل. صحيح ان علوم استشراق المستقبل مفيدة للبشرية من تعليم وتكنولوجيا وصحة وسفر وغيرها فهذا لا اختلاف عليه او خلاف فيه ولكن المشكلة تكمن بكفية فهم علوم الاستشراق من قبل الأنظمة وتطويعها لما يخدم صيرورة النظام العالمي الجديد الامر الذي يحيل العلم من ادادة لخدمة المجتمع الى أداة لهيمنة التفرد والسيطرة في العالم.

واقليما فالكثير من الدول تسعى للوصول الى مصالح أنظمتها من خلال الوقوف مع حكومة الاحتلال. فمثلا تعتمد بعض المشاريع الاستراتيجية لدول المنطقة كالمشاريع السياحية والنقل والطاقة النووية ومشاريع الفضاء والتكنولوجيا ومشاريع تصنيع وتجميع على الحصول على موافقات من قبل القوة الرئيسية وهي الولايات المتحدة وبالتالي ترى أنظمة الحكومات الإقليمية ضرورة الدخول في فلك الإدارة الامريكية وسياساتها الخارجية والتناغم والتساوق معها فيما يتعلف بالمواقف وتوجهات حكومة الاحتلال الإسرائيلي.     فقد جرى التأكد من كسب ود الولايات المتحدة من خلال تنفعها اقتصاديا واعطائها عناصر قوة إضافية تضاف لها في مكامن النظام العالمي الجديد. تعمل بعض او كثير من الدول مثل الاسيوية والعربية والاسلامية على كسب ود إسرائيل لغرضين الاندماج في النظام العالمي الجديد والحصول على افضليات من الطرفين الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الامريكية.   كما وهناك قناعة عند الكثير من الأنظمة الإقليمية ان الاحتلال الإسرائيلي ليس له مطمعا في احتلال دولها لكونه لا يتشارك بحدود جغرافية معها. وترى الأنظمة ان الخطر والتهديد الحقيقي يأتي من دول الجوار التي تشترك معها بالدين أو / واللغة. 

وتدشينا لهذا التوجه فقد برزت الحاجة الي تعديل الفضاء الثقافي لكي ينسجم ويتناسق مع البنية التحتية الاقتصادية الملائمة لبنى العولمة وتوجهات الأنظمة، فبرزت كثير من التطلعات والمبادرات التي تطالب بنبذ الكراهية وتسويق التسامح وتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي وفي المقابل اغلاقها مع الجيران وذو القربى اللذين ينطقون بنفس اللغة، ولم يتوقف العمل وتعزيز تطلعات الانسلاخ والانفصال على الإقليم والقومية. فمثلا تعمل كثير من الدول على تكريس الانغلاق والانفصال من خلال التركيز على الهوية الوطنية (وكان الهوية الوطنية في حالة حرب ونقيض مع القومية) وتكريس ثقافة من يكسبني مالا كنت له صديقا. فقد تم تجيير الدين والتعامل معه بمكيالين، فالدين برأي الأنظمة هو شرا حين ينادي بتقديم مصالح الامة ويتم مهاجمته ونعته بالتخلف والتعصب. ونفس مفهوم الدين يتم الاستعانة به للتعامل مع الساحة الداخلية وتكريس ثقافة ولي الامر الفرد عبر قاعدة العامة ملزمون بطاعة ولي الامر.

ولعل من المفيد التنويه الى بعض طرق التفكير الاستراتيجي لعدد من الدول العربية والاسيوية المرتبطة باستشراق المستقبل التي خلصت الى ضرورة اخذ دور وفق طبيعة وما يتماشى مع النظام العالمي الجديد. وهذا ما يفسر ممارسات وسياسات عدد من الدول الصغيرة في تمتين العلاقات مع عدد من الدول القوية التي تصنف في درجة القوى بعد الولايات المتحدة الامريكية مثل روسيا والصين والهند وغيرها من دول أوروبا.    كما وبسبب طبيعة النظام العالمي الجديد الذي دفع باتجاه قيام تحالفات على أساس الحالة والموضوع وفقا لمصالح الأنظمة المرتبطة بها.  

كخلاصة فأن النظام العالمي الجديد يقوم على التوحش والانغلاق والمصالح الضيقة بعيدا عن القانون الدولي وان التحالفات التي يتم نسجها تعتمد على مصالح الأنظمة وفقا للحالة والموضوع يستثنى منها علاقة الولايات المتحدة الامريكية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب خصوصية وتلاحم العلاقة بينهما والتي يمكن وصفها دولة الاحتلال الإسرائيلي ولاية من الولايات المتحدة الامريكية.  وبهذا تكون تعامل الأنظمة مع علوم استشراق المستقبل بتناعم مع هذا النظام وتوجهاته، تحاول السير في فلكه والاستفادة منه ورسم الاستراتيجيات ضمن محاوره وتأخذ مواقف سياسية مجرورة بقطار المنافع وتعيد تشكيل الفضاء الثقافي للمجتمعات ليلائم والنظام العالمي الجديد ومصالح الأنظمة.