لعبة الحرب في الإقليم العفري في أثيوبيا!بقلم: ادريس حسن يعيدي
تاريخ النشر : 2019-07-17
لعبة الحرب في الإقليم العفري في اثيوبيا!.
بقلم / ادريس حسن يعيدي!.
----------------------------------
اليوم لا أتحدث في هذا المقال عن خلفيات وأسباب وجذور الصراع العفري العيساوي في ا الإقليم العفري. وكذلك لا أتناول ولا أتحدث عن المراحل التاريخية الذي مر به هذا الصراع على مدى نصف قرن من الزمان حتى وصل الى هذا السيناريو التصادمي المسلح العنيف الذي نراه ونشاهده اليوم في الإقليم العفري في إثيوبيا. لأنني تحدثت في كل هذه المواضيع منذ بداية هذه الأزمة في مقال خاص تحت عنوان "صراع العفر مع المشروع العيساوي الإستيطاني الغاصب"!. لكنني سأختصر حديثي في هذا المقال عما حدث ويحدث في الإقليم العفري في إثيوبيا على مدى ستة أشهر منذ اندلاع الحرب العفرية العيساوية المشؤومة التى فُرضِتْ على العفر رغما عن أنفهم حتى هذه اللحظة التاريخية الذي أكتب فيه هذا الموضوع. من خلال متابعاتي اللصيقة عن قُرب للحرب الدائرة في الإقليم العفري على مدى ستة أشهر، ومعايشاتي لأهم أحداثها وفصولها وسيناريوهاتها المختلفة إكتشفت أننا في لعبة كبيرة ورائها محركون أساسيون ولاعبون كثيرون، وبعد أن إتضحت لي كثير من خيوط هذه اللعبة قررت كتابة هذا المقال وقسمته الى أربعة أجزاء رئيسية سأقوم بنشره تباعا جزء تلو الآخر بإذن الله!.
في البداية سأتحدث في هذا الجزء عن توصيف موجز لطبيعة هذا الحرب الذي يخوضه الشعب العفري العظيم طيلة ستة أشهر في عمق إقليمهم التاريخي. أولا قبل كل شئ لابد أن نضع هذا الصراع في إطاره الكلي حتى تتم قرائته قراءة كلية، وحتى تكون رؤيتنا لهذا الصراع الذي نخوضه يوميا في جميع المجالات رؤية كلية ترى الأمور بكامله في إطاره العام، وليست رؤية جزئية غارقة في التفاصيل الآنية الصغيرة وفي القضايا الهامشية. لأنني أعلم أن هناك أكذوبة كبرى يراد لنا تصديقها، ويتم ترويجها بقصد وبعناية فائقة من الجهات الرسمية وغير الرسمية في إثيوبيا. وهذه الأكذوبة تقول أن الصراع الدموي المسلح العنيف الذي فُرِضَ على الشعب العفري بالقوة رغما عن أنفهم وبغير إرادتهم في عمق جغرافيتنا التاريخية وفي قلب إقليمنا النابض هو عبارة عن صراع بين الرعاة الرُحل الذين يتعاركون ويتخاصمون منذ قديم الزمان على الكلأ والعشب والمياه في المنطقة. وفي نظري تكرار هذه الرواية مقصودة متعمدة وليست بريئة كما يظن البعض, وهم يخفون من ورائها أهداف الفاعلين الحقيقية والأجندات والأطماع الإستراتيجية التى تحرك الصراع وتغذيه لكي يستمر لمدى أطول حتى يحققوا أهدافهم المرجوة. ومما يؤكد أنه توصيف مضلل بعيد جدا عن الحقيقة، وتبسيط مخل للمشكلة، وقراءة جزئية ضيقة مقصودة بدليل أنه لم تتغير قناعاتهم حتى الآن قيد أنملة، رغم أن العفريين على مدى ستة أشهر صدمهم وأغرقهم بالمعلومات الحية الطازجة من ميادين الحرب ومن ساحات المعارك، وأثبتوا للرأي العام أدلة وبراهين كثيرة ومتواترة لا يمكن نكرانها من أي طرف أي كان هذا الطرف. وأنهم أظهروا للجميع بكل الوسائل الإعلامية الأعداد الهائلة من المجاميع والمقاتليين الذين يفوق عددهم بعدد الرعاة العيساويون الرحل المعروفين في المنطقة بآلآف المرات، وأظهروا الأسلحة التكتيكية الهجومية والدفاعية والثقيلة الذي يمتلكونهم، وأظهروا القوة التنظيمية والتكتيكية الشبه النظامية التى لديهم، وأظهروا اللوجستيات الحربية الضخمة التى يحملونهم، وكذلك أظهروا الأعلام الخارجية والرايات الغريبة والشاحنات المدنية والسيارات العسكرية وناقلات الجند التي تحمل اللوحات الأجنبية. لكن رغم ذلك كل هذه الأمور لم تغير قناعاتهم، وما زلنا نراهم يكررون تفسيرات واهية وتبريرات غير مقنعة، من قبيل أن هذه الأمور سببها الأيادي الخارجية وتدخلاتها، وليس بسبب العيسىاويون ويقولون هم ما زالوا يحبون العيش معكم في إقليمكم تحت سلطتكم. وهاؤلاء غافلين عن حقيقة علمية مهمة الذي أكدتها الكثير من الدراسات والأبحاث العلمية وهي أن الأيادي الخارجية وتدخلاتها لا تؤثر الإ إذا وجدت الإستقبال والقابلية من الداخل. ولا شك الأيادي الخارجية والطامعين في الجغرافية العفرية وجدوا في داخل الإقليم العفريى العيساويون الذين يكنون للعفر عداوة وجودية تستهدف كينونة الشعب العفري وهويتهم وأرضهم. وبالتالي خطرهم كبير وتهديدهم وجودي بالنسبة لنا ولا خيار لنا أمام هاؤلاء الإ مواجهتهم وطردهم من أرضنا حتى نسلم ونأمن على أنفسنا. لذلك المطلوب منا جميعا الإبتعاد بقدر الإمكان عن هذه القراءات الضيقة، والإهتمام بدراسة جميع أبعاد المشكلة ونقاشها بمضوعية من كل جوانبها وزواياها المختلفة أي بمعنى النظر الى الحرب العفرية العيساوية في إطارها الكلي وبصورته المركبة والمعقدة. ومن المهم للغاية أن ندرك تمام الإدراك أن الفهم النموذجي للصراع أولا أن نخرج من التفكير الآني للأحداث وننظر للأمور بالرؤية المستقبلية. وثانيا أن نكون على قدر التحديات التى تواجهنا اليوم في واقعنا العملي سواء من حيث الرؤيا والفهم الصحيح للامور أو من حيث السلوك والتطبيق العملي الواقعي للأمور. وإن لم نكن على قدر التحدي في الرؤيا والفهم فلا نسطيع أن نواجه ونستجيب إستجابة صحيحة لتحديات عصرنا الصعبة والمعقدة والمركبة. لأن السلوك البشري يكون على قدر الرؤية والفهم أي بمعنى حسب رؤيتك وفهمك يكون سلوكك وعملك في الحياة العملية. ولكي تكون رؤيتنا وفهمنا للأمور على قدر تحدياتنا يجب أن نفهم ونعي تماما أننا نحن العفر كأمة وكجغرافية نعيش داخل خمسة دوائر متفاعلة ومتداخلة بعضها على بعض. وأبدأ من الدائرة الأعلى ثم الذي تليها حتى أعود تنازليا الى دائرة الصراع العفري العيساوي التى تؤثر عليه كل هذه الدائر سلبا أو إيجابا.
• أولا: تذكروا نحن كشعب وكجغرافية تكمن إشكاليتنا الأولى أننا واقعين في بؤرة الصراع الجيوبولوتيكي العالمي بسبب قيمة موقعنا الإستراتيجي وأهميته وحيويته الكبيرة بالنسبة للعالم. وكل يوم تزداد قيمة وأهمية منطقتنا، وكل يوم يتطور الصراع الجيوبولوتيكي الدولى عليها، وبالتالي نرى اليوم تنافس دولى محتدم على السيطرة عليها، بل كل دولة من دول العالم نراها تسعى لضم منطقتنا في نفوذها أو نرى الجميع يسعى لكي يمتلك فيها رقعة صغيرة.
• ثانيا: تذكروا نحن كشعب وكجغرافية تكمن إشكاليتنا الثانية أننا بشكل عام واقعين أرضا وشعبا تحت طموحات المشاريع القومية الإستراتيجية لكبرى القوميات في القرن الإفريقي، مثلا القومية الصومالية منذ تأسيسها وضعت الخريطة العفرية تحت إطار مشروعها وطموحاتها القومية. ولا يخفى عليكم القومية الأمهرية منذ قديم الزمان عيونها مسمرة على البحر الأحمر، وخاصة حينما أسس ملوكهم إثيوبيا الحديثة قالوا بشكل رسمي أن مملكتنا وسلطانها يمتد الى البحر الأحمر. لكن قومية تقراي تقرينية تضيف أن البحر الأحمر منذ أيام دولة الأكسوم التارخية قبل الميلاد ملك تاريخي لهم. وهاكذا أيضا تقول قومية الأرومو بملكية الجغرافية العفرية الى حدود البحر الأحمر.
• ثالثا: تذكروا نحن كشعب وكجغرافية تكمن إشكاليتنا الثالثة أننا نعيش في المنطقة تحت تأثيرات الهواجس الأمنية التى تثيرها النظرة التقليدية التى ترى العفر كشعب مصدر تهديد في القرن الإفريقي. وهذه النظرة رسختها قيادات السياسية المسيحية ونخبها الدينية والثقافية المتعاقبة على عرش الحبشة عبر قرون طويلة، ولا زالت مؤثرة وموجودة بقوة في المنطقة، ولازال سكان الهضبة الإثيوبية يطلقون على العفر إسم عدال، وهو إسم محفور في ذاكرتهم الجمعية والمقتبس من الإسم التاريخي لمملكة عدال الإسلامية التى كادت أن تقضي على المسيحية في الهضبة الإثيوبية في عهد المجاهد العفري العظيم الإمام احمد ابراهيم قرى في القرن السادس عشر لولا تدخل البرتقاليين بأسلحتهم التكتيكية الفتاكة الغير معروفة عند العفر في تلك الفترة. ويبدو أنها لا تتغير بتغير الأنظمة وتغير الحكومات من عرقيات الى أخرى. بل ومن الملاحظ أن الدول الثلاثة التي يتواجد فيها العفر في القرن الإفريقي طورت تلك النظرة التقليدية الى إعتبارات ترقى بتوصيف العفر عدو داخلي لكل دولة. وبالتالي نجدهم دائما يختلفون في كل شئ لكنهم يتفقون على العفر.
• رابعا: تذكروا نحن كشعب وكجغرافية تكمن إشكاليتنا الرايعة أننا اليوم نعيش في زمن التحولات السياسية الكبرى في المنطقة وأننا نقف في منعطف تاريخي تتناقض فيها أهداف ومصالح قوى رئيسية في المنطقة سواء في داخل إثيوبيا أو في خارجها. هنا نرى في داخل إثيوبيا تغيرات دريماتكية عميقة الأثر نرى سقوط تجراي من عرش إثيوبيا وصعود ارومو إليها. ونرى في المنطقة قوى سياسية يكاد أن يختفى دورها كالنظام الإرتري والنظام الجيبوتي. أما القوة السياسية الجديدة التي صعدت الى عرش إثيوبيا نراها قوة متسرعة عديمة الخبرة وكل همها كسب المزيذ من النفوذ السياسي على حساب الآخرين، وكل هواياتها خنق خصومهم السياسين ومحاصرتهم بأساليب فجة وبطرق ممجوجة حتى لو تطلب الأمر بإستخذام مؤسسات الفدرالية فلا يستحون في إستخذامها. وأما القوة السياسية التى سقطت من عرش إثيوبيا نراها أخذت وضعية الدولة العميقة كل همها خلط الأوراق واثارة الفوضى من الداخل لكي تهيئ المناخ المناسب للثورة المضادة. وهي قوة ذات الخبرة، وتملك الكادر المؤهل، ولديها معرفة بالشعوب الإثيوبية، وكل تحركاتها السياسية هدفها هدم المعبد على رأس الحُكَّام الجدد في أديس أبابا بأي وسيلة. وهناك بجانب الإقلبم العفري في إثيوبيا إقليم الصومال الإثيوبي المجاور. للأسف الشديد تنظر قيادة الإقليم الصومالي الى الإقليم العفري المجاور لإقليمها بنظرة عقلية الجنرال محمد سياد بري التقليدية وما زالت قيادة الإقليم الصومالي تذقذق عواطفها مقولات وأحلام الجنرال البائد ومازالوا يحلمون السيطرة على الطريق العام الرابط اديس ابابا بالبحر الأحمر ونهر هواش دائم الجريان على مدار العام، وبالتالي نراهم يتحينون الفرص للإنقضاض علينا بأي فرصة ممكنة، وفوق هذا نراهم كذلك قيادات متعجرفة تحت الطلب لتنفيذ أي أجندة من أي كانت ولا يستحون أن يقول القول وضده في آن واحد.
ولا تنسو كذلك دور القيادة الجيبوتية والإرترية التى تملك حساسية مفرطة تجاه العفر وترى نفسها غارقة لا محالة وعاجزة عن مواكبة التغيرات السريعة في المنطقة ونراها تحاول عبثا إيقاف عجلة التغيير وتعمل بكل ما أوتيت من قوة لتأجيج الصراعات وإشعال الفتن في داخل إثيوبيا.وهي في الأصل قيادات عجوزة متهالكة تبحث أي دور يبقيها حية ويمكنها أن تلعب بأي ورقة حتى لو تذبح بها نفسها من الوريد الى الوريد.
خامسا: تذكروا أن إشكالية العيساويون في الإقليم العفري في إثيوبيا ليست إشكالية قائمة بذاتها. وإنما هي مجرد أداة خبيثة تملك كراهية وعداوة وجودية للشعب العفري تحركها أطماع وطموحات القومية الصومالية وخاصة قيادات الإقليم الصومالي الإثيوبي وبالأخص نظام الجيبوتي بقيادة إسماعيل عمر جيلة بالدرجة الأولى. وبالدرجة الثانية أداة بيد مؤججي الصراعات في المنطقة بهدف خلط الأوراق وإثارة النعرات وإثارة الفوضى العارمة في إثيوبيا حتى يتوقف التغيير وتتهيأ الأجواء المناسبة للثورة المضادة.
إذن كل الدوائر الأربعة السابقة تلقى بظلالها الكثيفة على الحرب العدوانية العيساوية ضد العفر في داخل الإقليم العفري في إثيوبيا منذ بدايتها كالمبادرة العيساوية المفتعلة للحرب وإستغلالهم البشع للإضطرابات الداخلية في الإقليم العفري والظروف الغير مستقرة في المركز عند الحكومة الفدرالية، ومرورا بمراحل الحرب المهمة ومنعطفاته الحادة، ووصولا الى هذا اليوم.
وفي الختام أقول بإختصار الشديد العيساويون في داخل الإقليم العفري في إثيوبيا عبارة عن معول هدم للعفر من الداخل لتثبيت واقع جغرافي جديد في داخل الجغرافية العفرية، بهدف خلق كيان سياسي معادي في وسط العفر المتجانس. سيكون هذا الكيان السياسي الجديد المعادي للعفر والمزروع في وسط العفر وفي قلب جغرافيتها عبارة عن مشروع إستفزازي للشعب العفري تستخدمه الأطراف الطامعة في المواقع الإستراتيجية الذي تملكها العفر في القرن الإفريقي بشكل عام. وبشكل خاص تستخدمهم أطراف الصومالية والنظام الجيبوتي كخطوة أولية للوصول الى الطريق العام الرابط بين البحر الأحمر وحواضر الهضبة الإثيوبية بما فيه عاصمتها أديس ابابا من جهة، ومن جهة أخرى الوصول الى نهر هواش دائم الجريان على مدار العام.
وبهذا نكون قد انتهينا من الجزء الأول من المقال، وبإذن الله في الجزء الثاني القادم سأتناول: أحداث الحرب وفصوله المهة!.