الاستعداد لأداء فريضة الحج بقلم:د.تيسير رجب التميمي
تاريخ النشر : 2019-07-17
الاستعداد لأداء فريضة الحج بقلم:د.تيسير رجب التميمي


هذا هو الإسلام

الاستعداد لأداء فريضة الحج

الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس

الحج أشهر معلومات ، وها قد حل علينا أولها وهو شهر ذي القعدة المحرم ، وسمي كذلك لقعود العرب عن القتال فيه كونه أول الأشهر الحرم المتتالية ، ولبدئهم فيه المسير إلى الحج ، والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ، فرضه الله سبحانه وتعالى في السنة التاسعة للهجرة ، فقال عز من قائل { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } آل عمران 97 ، وقال صلى الله عليه وسلم { بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان } رواه البخاري .

يعتبر الاستعداد للحج من أهم الأمور لأداء هذه الفريضة ، فالإعداد والاستعداد برهان صدق إرادة وعزم المؤمن وتصميمه على أداء أي عمل وبالأخص العبادات ، قال سبحانه وتعالى { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } التوبة 46 ، وقال عز وجل أيضاً { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} آل عمران 159 ، ولا ننسى أن حسن الاستعداد هو من باب الأخذ بالأسباب التي تسهم في نجاح العمل وحسن العاقبة وتحقيق ما يصبو إليه المرء من أهداف .

فمن يريد الالتحاق برحلة الحج عليه أن يبدأ قبل كل شيء بمعرفة أعمال الحج قبل دخول موسمه بمدة كافية حتى يمكنه أداؤها على الوجه المطلوب وفق نصوص وأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ، وإلاَّ فقد يبطل حجه بحيث يلزمه إعادته والعودة إلى ديار الحج مرة ثانية لأدائه على الوجه الصحيح ، وهذا قد يكون صعباً جداً في هذه الأيام كما هو معلوم للجميع ، فعلى الحاج إذن أن يتعلم المناسك والشعائر التي تؤدى في مشاعر الحج من أركان وواجبات وسنن وأذكار وأدعية مأثورة ، وأن يتحرى ما يجعل حجه صحيحاً مقبولاً عند الله ومسقطاً للفريضة ، وعلى الحاج أيضاً أن يلم بأحكام السفر وسننه وآدابه ويعرفها ليطبقها ، فإن عبادة الحج كلها أسفار وتنقلات في أرض الله بين البلاد والأقطار .

وعلى الحاج أن يوفر المبالغ التي تمكنه من إتمام حجه دون نقص أو تقصير وبالذات أثناء وجوده في ديار الحج لئلا يقع منه أي إخلال بالفريضة كالهدي وغيره ، وليتمكن من الإنفاق على نفسه أثناء هذه الرحلة ، وتوفير سائر احتياجاته ومنها التنقل داخل المشاعر ، وهذا أحد معاني وصور الاستطاعة في قوله سبحانه { من استطاع إليه سبيلاً } ، فمن لا يملك هذه المبالغ أو من لم يجد من يتبرع له بها فلا يجب عليه الحج أصلاً ، ويجب عليه أيضاً أن يوفر المال اللازم لنفقة أهله وكل من تلزمه نفقتهم طيلة غيابه عنهم حتى يعود إليهم . ولْتعلم المرلأة أن وجود المحرم ومرافقته لها في الحج من صور الاستطاعة كما قرر كثير من العلماء .

ويجب على الحاج أن يحرص على أن يكون المال المدفوع لفريضة الحج حلالاً طيباً ، فلا يحج بمال حرام أو فيه شبهة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم { ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذِّيَ بالحرام فأَنَّي يُسْتَجاب لذلك } رواه مسلم .

وعلى الحاج أن يهيء نفسه لهذه الفريضة بمعرفة المصاعب والمشاق والزحام والتعب ، والتسلح بالصبر والاحتساب والتخلق بالخلق الحسن والترفع عن الفُحْشِ وسوء الأدب أو رد الإساءات للآخرين ، قال صلى الله عليه وسلم { من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه } رواه البخاري ، ومن معاني الرفث الفُحْش في القول والفعل .

ومن تهيئة النفس للحج وإعدادها للخضوع إلى الله الاستزادة من زاد التقوى لله وأداء الفرائض والأركان التي أوجبها الله سبحانه واستحضار الخشوع له فيها وخصوصاً في الصلاة ، ويكون أيضاً بتطهير النفس من كل الذنوب الكبائر منها والصغائر وكل ما يغضب الله عز وجل ، ويكون ذلك بالإقلاع عنها والتوبة والاستغفار منها وبقراءة القرآن ، وينبغي أن يكون ذلك من المؤمن على الدوام ولكنه في الحج آكد .

وتكون تهيئة النفس أيضاً بإخلاص النية في هذا الحج لله تعالى بعيداً عن طلب السمعة والشهرة والرياء ، قال صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه } رواه البخاري ، فلا يجوز للحاج أن يكون ملتفتاً إلى غير الله جلَّ وعلا أو ناظراً إلى سواه لا حباً ولا خوفاً ولا رجاء ولا طلباً ، بل يكون قلبه فارغاً من كل المخلوقات خالياً منها لا ينظر إليها إلا بنور الله سبحانه ، فبالحق يسمع وبه يبصر وبه يمشي ، يتأمل ويتدبر مواقف الحج ومشاعره وشعائره ويستحضر معانيها وإيحاءاتها ومدلولاتها ، فهي مواقف عظيمة مهيبة لا ينبغي إغفالها أو إغفال الحكمة من وراء تشريعها ، فهي ليست مجرد أعمال عبثية لا طائل من ورائها .

وليعلم الحاج أن جميع مناسك الحج تتطلب منه مجهوداً بدنياً قوياً ، لذا يجب عليه الاستعداد له قبل السفر وتهيئة النفس والجسم لاحتماله من خلال التدريب على التمارين الرياضية ، فالمشي والسير مسافات أكبر وأكبر كلما اقترب موعد السفر يساعد في تقوية العضلات واعتيادها على المجهود البدنى ، ومن الضروري كذلك أخذ التطعيمات اللازمة والأدوية الضرورية في حقيبة الإسعافات الأولية ، وزيارة الطبيب الخاص للحصول على النصائح والتوجيهات الطبية والأدوية التي يحتاجها ولا يستغني عنها ، ومن المفيد إجراء فحص طبي شامل ليكون الحاج على أتم الاستعداد لهذه الرحلة .

فإذا استقر العزم على الحج بدأ الحاج بالتوبة من جميع المعاصي والآثام والخروج من مظالم الناس وحقوقهم ، وبالعمل على قضاء ما أمكنه من ديونه وبردّ الودائع والحقوق إلى أهلها ، وباستحلال كل من بينه وبينه معاملة أو مصاحبة ، وبتوكيل مَن يقضي عنه ما لم يتمكن من قضائه فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر علياً رضي الله عنه ليلة الهجرة بأن يمكث في مكة حتى يرد الودائع إلى أهلها من المشركين ، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب كلها إلا حقوق العباد ، قال صلى الله عليه وسلم { يُغْفَرُ للشهيد كل شيء إلا الدَّيْن } رواه مسلم ، فالجهاد والشهادة وكل أعمال البر التي يؤديها المؤمن طاعة لله وتقرباً منه لا تكفّر حقوق العباد وإنما تكفر حقوق الله تعالى فقط ، وقال بعض العلماء ان الدَّيْنَ إشارة لكل ما يتعلق بذمة الإنسان من حقوق الناس .

وعلى الحاج بعد ذلك أن يجتهد في إرضاء والديه وبرهما وبالخص في حال حياتهما ، وأن يجتهد أيضاً في إرضاء مَن يتوجب عليه برُّه وطاعته كالمرأة مثلاً تجتهد في إرضاء زوجها واسترضائه بعد استئذانه للخروج .

ويستحب للحاج كتابة وصيته والإشْهاد عليها فهذا من سنن السفر عموماً ، ويستحب له أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وأن يستودعهم الله ، فقد قال صلى الله عليه وسلم { إن الله إذا استُودِعَ شيئاً حفظه } رواه ابن حبان وصححه الألباني ، وروى الإمام أحمد رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله { ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إذا أردت سفراً تقول : أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك } .

ويسن للحاج أيضاً أن يصلي ركعتين قبل الخروج من منزله للسفر أو لغيره من الغايات ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد السفر } رواه ابن أبي شيبة ، وقال أيضاً { إذا خرجت مِن مَنْزِلك فَصَلّ ركعتين يمنعانك مِن مخرج السوء ، وإذا دخلت إلى مَنْزِلك فَصَلّ ركعتين يمنعانك مِن مدخل السوء } رواه البيهقي وصححه الألباني .

ثم لْيحرصْ الحاج على صحبة رفيق موافق صالح يعرف الحج ، وإن أمكن أن يصحب أحد العلماء العاملين فليمسك به فإنه يعينه على مبارّ الحج ومكارم الأخلاق ، وحيث إنه لا يد اليوم للحاج في اختيار صحبته كما هو معلوم ؛ بل الإجراءات الرسمية وشركات الحج والعمرة هي التي تحدد ركاب الحافلات الذين هم رفقاء السفر فعلى الحاج أن يحرص على حسن المعاملة معهم وحسن الصحبة لهم والاستفادة من عالِمِهم ، قال تعالى { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا } النساء 36 ، فالصاحب بالجنب هو رفيق السفر كما قرر كثير من العلماء .