شجرة الليمون الحزينة بقلم: أسماء علي
تاريخ النشر : 2019-07-16
"شجرة الليمون  الحزينة "

قصة قصيرة : أسماء علي

 هي طفلة صغيرة لم تتجاوز العاشرة من عمرها كانت ذكية فطنة  تعشق الخيال العلمي تزور في كل صباح   المكتبة في مدرستها كي  تقرأ حكايات وقصصا حول الطبيعة و عن الفصول الأربعة كانت صديقتنا تميل إلى  القراءة القصص علمية والحكايات الأسطورية  ، وأحيانا كانت تقضي أوقات فراغها في الرسم للطبعة الخلابة ، وفي رحلتها الاستكشافية مع أمها ذات يوم لمستودع البيت  وجدت قطعة خشبية ليست قديمه قد دفن  نصفها في الأرض وكانت قطرات ماء تتساقط عليها من أرضية السطح ما  جعل أركانها تزهر بنباتات وأزهار غريبة عجيبة ،لم ترى  مثلها  في حياتها  وكأنها تروي حكاية الولادة الأولى لأي كائن حي  على الأرض ومراحل حياته ونموه  ومثل هذا كان ظهور براعم  تلك الزهور من الجذع الميت في أرض المستودع ،

 في ذلك اليوم قالت لها أمها أن النجار قال لها  بآن أغصان ذلك الجذع التي  كادت تموت من ساقه النحيل بعد سقوط أوراقها وجفافها  ولم يمكنه أن تصلح لشيء كبير، وحتى  لم تصلح إلا لصناعة سريرٍ خشبي لطفل.

منذ ذلك المشهد والحوار مع الأم بقيت الطفلة تفكر في الأشجار كيف تموت واقفة وكيف تتعرى أوراقها وبقيت كذلك إلى أن حل الربيع وذات يوم من أيام الربيع في بلادنا الرائعة الجمال بطبيعتها  وتحديدا في بدايات الربيع  الجميلة استيقظت الطفلة مع أسرتها فرحين ليستمتعوا بأجوائه  الطبيعية الساحرة وهم يستنشقون عبير الأزهار البرية والروائح العطرية من الأعشاب والحشائش الربيعية  ، وأكثر ما لفت نظر طفلتنا الصغيرة ذلك اليوم في البستان المجاور لمنزل أهلها  شجرة الليمون  التي كانت عارية دون براعمها المعتادة ودون  الأزهار  والأوراق على غير عادتها  فاقتربت منها وتأملتها تشاركها أحزانها لفقدانها رونقها في هذا اليوم الجميل  واستغربت ما حل بها من حزن وتعري وموت بطيء فقد  كانت كل صباح ربيعي  تزدان بالأوراق الوارفة الظلال جميلة المظهر على غير طبيعتها  يانعة مخضرة مزهرة و يخرج منها ثمراً ذور عطر خاص ولكنها أصبحت جرداء فقد سقطت أوراقها  في الخريف قبل ان يكتمل فرحها بالأزهار والثمار لهذا كانت  تبكي في كل خريف بحزن كي تعود لها الحياة وتنعش المكان بجمالها ،،

وكانت  شجرة الليمون لا تبرح البستان إلا تبقى باكية تسأل  كل شجرة لوز، أو شجرة زيتون أو الرمان وتكرر السؤال عما فاتها حتى جعلها  عارية الأوراق وتحولت إلى عوداً يابساً وحيداً لكن الجواب لم يأتها إلا حين رأت أنسانا يفرغ نفاياته قربها فعرفت بنفسها سبب ذلك وحزنت وبكت أكثر لأن الإنسان سببا لدمار الطبيعة وموت الأشجار  فشاركت الشجرة حزنها وقررت أن تحاول حمايتها من تلوث الناس.

 وبقيت الطفلة عاشقة الطبيعة تزور البستان و تحتفظ بكل أسماء الأشجار التي تمر عليها من أجل التعرف على ثمارها، وهي تراقب الأشجار كانت تلاحظ أنه في كل سنة ينقص من تلك القائمة أسم، حتى تبقى لها أسم واحد هو أسم شجرة الليمون العارية الأوراق التي هي كل ما تريده، موقنة بأنها  ستضحي من اجلها وتعيد لها الحياة  لأن  ذلك الاسم الليمون هو  من سيجعلها تشعر أن من غرسها هاهنا على الأرض كان من اجل ذلك الحياة والحب كي نحافظ عليهما مع الطبيعة لنحيا  .

وذات صباح حدثت المفاجئة حين حل  الشتاءٍ البارد فقد هزلت شجرة الليمون وضعفت ولم تعد تستطيع المقاومة فقد  سقطت ميتة بعد أن فقدت أي أمل بالحياة  وكان صوت ارتطامها على الأرض ليس إلا  للبشر ليحافظوا على الطبيعة ونداءً للنجارين  لكسب النقود  ليحولوا أغصان الأشجار إلى أثاث منزلي لكن صوت أنين شجرة الليمون وهي تموت كان بالنسبة للأرض كان صوتاً مدوياً كان صراخاً  وألما الأمر الذي لم تستطع تحمله تلك الطفلة  فقد  تجمد  الدمع في عينيها  وأدركت أن الإنسان لم يحترم الطبيعة  وما  أدرك ما حدث لأغصانها، وأهمل الأشجار المفيدة له  ظنا أنها  ممالا يحتاجه بحياته فأدركت أن مسؤوليتنا كبيرة جميعا اتجاه الطبيعة وعلينا أن نعمل مع تعليم  كل الأطفال منذ الصغار الحفاظ على الأشجار كي نتجنب ما حدث لشجرة الليمون بعد تعلقي بها وبعد فقدانها التي تركت أثرا بنفسي و ربما هذا كان سر تعلقي بشجرة الليمون  التي بقيت أرسمها على الورق في كل مراحلها و لم أكف أبدا عن رسم ثمارها وأوراقها وحتى تساقطها بعد أن جفت أغصانها.

انتهت