صدور كتاب "المرأة وتطوير السرد العربي" للباحث المغربي محمد معتصم
تاريخ النشر : 2019-07-14
صدور كتاب "المرأة وتطوير السرد العربي" للباحث المغربي محمد معتصم


"المرأة وتطوير السرد العربي: النسائية، النسوية، الأنوثة " –
جديد الباحث المغربي محمد معتصم

عمّان-

ربما بقيت الهيمنة شبه كاملة للرجل في مجال الأدب والفنون في العالم العربي منذ بداية القرن العشرين، وحتى منتصفه تقريبا، حتى برزت مجموعة من الأسماء النسوية، ولمعت في سماء الكتابة الإبداعية. وإذا ما كانت قضايا المرأة مهملة أو ينظر إليها من منظور الرجل، إلا أنها أصبحت حاضرة بقوة في أقلام الكاتبات من الدولة العربية العديدة، في النصف الثاني من القرن العشرين، ولم تتميز إسهامات المرأة في مجال السرد الأدبي بإثارة المواضيع التي تهم المرأة وتخصها، بل وتعدى ذلك إلى تطوير أساليب السرد ذاته، والتفوق في ذلك في أحيان كثيرة.

هذا الموضوع يعود إليه الناقد العربي المغربي محمد معتصم في كتابه الجديد " المرأة وتطوير السرد العربي: النسائية، النسوية، الأنوثة" الصادر مؤخرا عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان- الأردن.

يقول الكاتب: "لقد اهتمت الكتابة النسائية بالقضايا النسوية ذاتها، لكن مع تغليب الجانب الأدبي والجمالي والفنّي للسرد، أو أنها كتابة جمعت بين قضايا المرأة وقضايا السرد، فتناولت الموضوعات الأثيرة ذاتها، المرتبطة بمعاناة المرأة اجتماعيًا وتأثير النظرة القصيرة نحوها ونحو كينونتها المختلفة، والنظرة الموروثة والراسخة في الفكر الشعبي المستند إلى الخرافة والأسطورة والمبتعد عن النظرة التحليلية العلمية، وبالتالي طرحت القضايا بصور مختلفة، أي بصور أدبية، في سياق المتخيّل الأدبي، فعالجت من القضايا الآتي: الرجل والمرأة معًا ضحايا للأفكار والتمثّلات الذهنية الخاطئة، من الجنس إلى الجسد". ومن خصائص السرد النسوي العربي وفق الكاتب الحياكة أو الحبكة المتقنة وبناء الشخصية، والتدفق اللغوي أو اللغة الشعرية.

ويشير الكاتب إلى ملمح آخر في السرد النسوي العرب، هو توسع دائرة كتابة السيرة الذاتية، بل تفجيرها لتحتويَ عددًا كبيرًا من أشكال كتابة الذات، إثر التحوّل الاجتماعي والسياسي في العالم العربي بعد استقلال العديد من بلدانه. ويميز  الكاتب في هذا السياق بين مظهرين متناقضين في نماذج السيرة؛ الأول يبيّنُ الصعوبة في كتابة سيرة ذاتية نسائية تقوم على الخصائص النوعية والمميِّزة كما بينها عند جورج صاند، وهي: التلقائية والوفرة والسرعة والحلم والتدفق السردي. ويعتبر الكاتب مطلع الثمانينيات بداية مرحلة النضج الفنّي للسيرة النسائية العربية؛ إذ بدأ ظهور نماذج من السير النسائية التي تنطبق عليها إلى حدٍّ كبير شروط السيرة الذاتية كفنٍّ ونوعٍ أدبيّ...»، ويؤكد على أن المرأة العربية الحديثة والمعاصرة أظهرت قدرتها الفائقة على تتبع القضايا الكبرى لبلدانها العربية وأسهمت في بلورتها بالنقاش والاعتقال والتضحية الشخصية من خلال دراسة روائيّات من بلدان عربية متنوّعة كعلوية صبح وهدى بركات من لبنان، وليلى الأطرش وسميحة خريس من الأردن، وفوزية شويش السالم وليلى العثمان من الكويت، وهدية حسين من العراق، وزينب حفني من المملكة العربية السعودية، وسهير المصادفة من مصر، ثم سحر خليفة ودينا سليم من فلسطين، كلّهنّ برعنَ في تحليل أوضاع بلدانهنّ سياسيًّا وثقافيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا، بل التعبير عن الرغبة في فكِّ الأغلال التي تقيد اللغة والسرد والذات لأجل الانطلاق وبناء الخصوصية المميزة للكتابة عند المرأة، وأقصد هنا الكتابة النسائية، أمّا الكتابة النسوية، فقد تفوّقت باختيارها مجال التعبير بعيدًا عن الاشتغال على الملامح الفنية والأسلوبية إلا فيما ندر.

وقد انطلق الكاتب من مرتكزين أساسيين لفهم التجربة الإبداعية النسائية في الكتابات السردية، وذلك للتدليل على أن المرأة العربية الكاتبة قد أسهمت بدور فعال في تطوير وتثوير المتن السردي العربي الحديث والمعاصر، والمنطلقان هما؛ الأول، أن الرواية خطاب متنوّع ومتعدّد ينهض على تركيب (نسيج نصّي) مميز، غير بسيط. وقد أفاد من شخصية شهرزاد في الأدب العربي (شخصية السارد والشخصية المشاركة) في نسج الحكايات وتركيبها. وشخصية بنيلوب المشهورة كما هي في أوديسية هوميروس، التي تشتغل على مادة واحدة عبر عملية نسج النص وتفكيكه إلى ما لا نهاية.

والثاني، أن الثورة التقنية والسيولة المعرفية وانفتاح الكاتبات المعاصرات على عوالم افتراضية واسعة الآفاق، مكنتها من نقل تجاربها وخبراتها إلى أبعد نقطة ممكنة، للتواصل متجاوزة الحصر والحظر اللذين كانت تضربهما عليها الكتابة الورقية ووسائل الاتصال والتواصل المحدودة والمراقبة.

 ويخلص المؤلف إلى نتيجة مفادها أن مسيرة الكتابة النسائية لم تكن سهلة، بل كانت تواجه عراقيل عدة، فقد بدأت في المرحلة الأولى المبكرة الرائدات بكتابة المجتمع انطلاقًا ممّا يفرضه المناخ العام والمحافظ داخل المجتمعات العربية وحركات التحرّر والاستقلال، وهنا كانت الكتابة النسائية لا تجرؤ على كتابة الذات، أو الجهر بالخصوصية الأنثوية، فلجأت الكاتبات إلى الأسماء المستعارة أو إلى الكتابة الصحافية، والأنواع النصية التوجيهية والوعظية، أي أن المرأة كانت تكتب في غياب الذات، أو في غياب الوعي بالخصوصية النوعية والجنسية (الجنوسة)، هنا لا يمكن الحديث عن إضافات نوعية في السرد، إنها اللحظة الصفر في الكتابة عند المرأة.

وأن السرد قد مر كما مرت المرأة وقضاياها ونضالاتها بمراحل متعددة متنامية ومطردة في التصاعد والارتقاء نحو الإبداع والكتابة النسائية حيث تبدع المرأة بندية، بل بتفوق ودون مركب نقص أو خوف من الاسم العلم، والنسب، وذكورة المجتمع وسلطة الرجل سوى سلطة الإبداع والخلق الفني والجمالي. ولم تنف كتابات المرأة بعضها، بل أسهمت إلى جوار بعضها لإبراز مختلف جوانب المرأة في نضالها من أجل إثبات الذات والدفاع عن الحق في المواطنة الكاملة وغير المشروطة، والمساهمة الفعلية في تنمية المجتمع وتطويره والمشاركة في تخليق الحياة العامة والتدبير وتسيير الشؤون العامة والتخلّص من كل أشكال ومظاهر الميز الجنسي والجسدي.

يذكر أن محمد معتصم  ناقد أدبي مغربي معروف،  وهو عضو اتحاد كتاب المغرب. له من المؤلفات: الشخصية والقول والحكي (1995)، والرؤية الفجائعية: الأدب العربي في نهاية القرن وبداية الألفية الثالثة (2003)، والمرأة والسرد (2004)، والصيغ والمقومات في الخطاب الروائي العربي (2004)، والرؤية الفجائعية: الرواية العربية في نهاية القرن (2004)، والذاكرة القصوى.. دراسات في الرواية المغربية المعاصرة (2006)، والقصة القصيرة المغربية في السبعينيات (2006). وله عدد من الكتب الإلكترونية، وشارك في عدد من المؤلفات الجماعية، وله العديد من الدراسات  والمقالات المنشورة بالجرائد والمجلات المغربية والعربية.