الاقتصاد التشغيلي والموازنة العامة بقلم: د.عادل عامر
تاريخ النشر : 2019-07-11
الاقتصاد التشغيلي والموازنة العامة  بقلم: د.عادل عامر


الاقتصاد التشغيلي والموازنة العامة

الدكتور عادل عامر

أن الحكومة تستهدف خفض نسبة العجز الكلي في الموازنة العامة للدولة في العام المالي 2019-2020 إلى 7.2 % مع رفع معدلات النمو إلى 6.1 % بالإضافة إلى تحقيق فائض أولى بالموازنة العامة بنسبة 2% من الناتج المحلى وخفض معدلات الدين وزيادة الإنفاق على ملف الاستثمارات.

وأن مؤشرات الموازنة الجديدة من حيث نسب العجز ومعدلات البطالة والتضخم إيجابية، وشدد على أن مصر تحتاج إلى انطلاق في الاقتصاد التشغيلي في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات والسياحة لإيجاد موارد أكبر وأعظم، وقال إن المرحلة المقبلة هي الأهم والأخطر ولابد من تشريعات تزيل أي عقبات تقف أمام نمو قطاعات السياحة والزراعة والصناعة، أن مصر تحتاج إلى ثورة في الجهاز الإداري للدولة ثورة علمية تحقق عملا وإنتاجا ودخلا كريما يوازى الجهد والإنتاج،

ان المؤشرات الإيجابية في الموازنة الجديدة والمتمثلة في النسب المستهدفة في النمو وتقليل نسب العجز وتحقيق الفائض الأولي، وأن نعترف بأن أرقام الدين تمثل قلقا دائما إلا أنها في الحدود الآمنة وإدارتها تتسم بكفاءة عالية،

أن المستهدفات التي وضعتها الحكومة في ان يصل معدل الدين العام إلى 89 % من الناتج المحلى الإجمالي، وكان في الماضي يتجـاوز 120% و130 % والانخفاض يعتبر مؤشرا جيدا، وللسنة الثانية على التوالي نحقق فائضا أوليا 124 مليار جنيه أي بنسبة 2% باستثناء فوائد الديون باعتبارها تراكمية وهذا شيء طيب

وأهميته تكمن في توليد ايرادات أكثر من الاستخدامات فمعدل نمو الايرادات أقترب من 18% في حين ان معدل نمو المصروفات لم يزد عن 12% وهذه نقطة مهمة للغاية ان نصل بمعدل نمو الايرادات أكبر من المصروفات فتحقيق فائض اولى يساعد على ان تنخفض نسبة العجز في السنوات القادمة وتقل اقساط الديون.

النقطة الاخرى معدل النمو الاقتصادي على مستوى العالم 3%، عندما استهدف 6 % فهذا شيء جيد للغاية فحاليا وصلت لمعدل نمو 5.4% والمستهدف ان نصل الى 6% فهذا معدل جيد وإذا استمررنا عليه لمدة سنتين او ثلاث ووصلنا الى 7% فالمواطن سيشعر بثمار الاصلاح الاقتصادي

دون شك حجم الدين العام لا أستطيع ان أقول إنه تخطى مرحلة الخطر فهو لم يتعدها ومازال لدينا قدرة على سداد أقساط الدين سواء الخارجي أو المحلى وعلاقة وزارة المالية بالبنك المركزي علاقة والاثنين في قمة الدعم والتعاون ولكن دون شك ان وزير مالية او لجنة الخطة والموازنة يشعران بقلق تجاه حجم الدين العام و لكن خلال 3 سنوات الماضية بدأنا ندير الدين العام بكفاءة أعلى نحاول تخفيض تكلفة الدين، والدليل أن مؤشرات الدين في تحسن، فالكفاءة أفضل ولكن نحتاج إلى ان نستمر العمل بكفاءة فرقم الدين العام وصل نحو 5 تريليونات جنيه وزاد نحو 500 مليار جنيه هذا العام، وحتى الان هي في الحدود الأمنة ورقم الدين يزيد كرقم لكن نسبته بالنسبة للناتج المحلى الإجمالي يقل وهذا شيء مهم.

أن الفائض تحقق بعد تحسن أداء هذه القطاعات، منها قطاع البترول الذي سجل فائضا لأول مرة منذ أربع سنوات ووفر للموازنة 5 مليارات دولار بعدما حقق اكتفاء ذاتيا من الغاز، وكذلك ارتفاع الصادرات المصرية إلى دول العالم.

أن مشروع الموازنة العامة الجديدة، يظهر عائدا في الإجراءات الاقتصادية، التي بدأت منذ عامين ونصف العام، وهو واضح في زيادة الفائض الأولي بالموازنة، وزيادة معدل النمو بها، حيث لم يكن هناك فائض من قبل.

أن العام الماضي كان الفائض الأولي نحو 4 مليارات فقط، والآن أكثر من ذلك، وكذلك معدل النمو أفضل، ونسبة العجز بالموازنة أقل، وكلها أمور تدل وتؤكد على أننا نسير في الطريق الصحيح. ان قوة الاقتصاد المصري يؤكدها أيضا ارتفاع الاحتياطيات الدولية بشكل كبير لتحقق نحو 42.6 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي، وهو ما تزامن مع انخفاض معدلات التضخم السنوية والشهرية مؤخرا. فإن موازنة 2019-2020 تستهدف إيرادات إجمالية قدرها 1.134 تريليون جنيه، بزيادة 17 بالمئة عن الإيرادات المتوقعة في الميزانية السابقة التي بلغت 969 مليار جنيه.

إن مصر مرت في فترات مختلفة بتجارب من المديونية أو العجز في الموازنة العامة أبرزها عجز الموازنة في السنوات الأخيرة لحكم محمد علي باشا والذي بلغ نحو 14 مليون قرش صاغ. (كان تعداد مصر وقتها 4.5 مليون مواطن)

ثانيا مديونية حكومة الخديوي إسماعيل التي انتقصت من سيادتها على بعض إيراداتها وقبولها بتعيين مفتشين من بريطانيا وفرنسا في وزارة المالية.

ثالثا: مديونية مصر سنة 1969 للولايات المتحدة وبلغت 290 مليون دولار. فعرفت مصر ولأول مرة مصطلح "إعادة الجدولة".

رابعا: عندما قررت قمة الخرطوم العربية في أغسطس 1967 قد قررت دعم قدرات مصر بمبلغ يصل لنحو 100 مليون جنيها إسترلينيا. كانت تزيد على إيرادات قناة السويس في تلك الفترة.

خامسا: حينما ساندت دول الخليج قدرات مصر بوسائل شتي منها ودائع في البنوك المصرية. وإنشاء صندوق للتنمية في مصر برأس مال 2200 مليون دولار. وذلك دعما لانتصار مصر التاريخي في حرب أكتوبر سنة 1973

أن مصر توسعت في الاقتراض الخارجي في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وعندما بلغت المديونية العامة نحو 52 مليار دولار، طلبت مصر مساندة صندوق النقد الدولي. طلبت مصر اجتماع نادي باريس للدول الدائنة للنظر في إعادة جدولة الديون. أنه يجب التذكير دائما بأن المجتمع الدولي قدر وزن مصر ووفر لها أفضل اتفاق لتخفيف المديونية بشطب 50% منها. فهبطت إلى أقل من 26 مليار دولار. بينما أسقطت الدول العربية كامل المديونية عن مصر (100%) فيما بلغ أكثر من 11 مليار دولار. أنه في أعقاب حرب تحرير الكويت (‏1990‏/1993) تكونت مجموعة دول إعلان دمشق (مصر وسوريا ودول الخليج الستة) وقدمت منحا لمصر بلغت 4.6 مليار دولار، ووصلت قيمتها بنهاية 2011 إلى 9.2 مليار.

أنه يجب ملاحظة أن الدول العربية البترولية لديها فوائض مالية كبيرة، لكنها ليست بالغني الذي يمكن أن يلبي كل طلبات مصر. فإجمالي الناتج القومي للدول العربية مجتمعة (355 مليون نسمة) في عام 2010 بلغ 2027 مليار دولار بمتوسط ناتج للفرد العربي 5708 دولار في السنة. وهو ناتج يقل عن إجمالي ناتج دولة أوربية واحدة كبريطانيا (61 مليون نسمة) والذي يبلغ 2230 مليار دولار. وللفرد 43.785 دولار. وهذا حتى لا يرتفع سقف المطالب من الدول العربية ذات الفوائض. وإنما يجب أن يرتفع سقف التقدير والعرفان.

يبقى الإنفاق العام عبر الموازنة العامة للدولة من أهم أدوات التدخل الاقتصادي التي تملكها الحكومة. لكنه سيف ذو حدين، فإما أن يكون أداة لتحسين الوضع الاقتصادي ومواجهة الأزمات ودعم الطبقات الأكثر احتياجًا، أو أداة تزيد الطين بلة بأن يضغط أكثر على الفقراء وتغرق البلاد في الديون.

يبقى الإنفاق العام عبر الموازنة العامة للدولة من أهم أدوات التدخل الاقتصادي التي تملكها الحكومة. لكنه سيف ذو حدين، فإما أن يكون أداة لتحسين الوضع الاقتصادي ومواجهة الأزمات ودعم الطبقات الأكثر احتياجًا، أو أداة تزيد الطين بلة بأن يضغط أكثر على الفقراء وتغرق البلاد في الديون.