صقر قريش بقلم:محمود الجاف
تاريخ النشر : 2019-07-11
صقر قريش بقلم:محمود الجاف


بسم الله الرحمن الرحيم
صقر قريش
محمود الجاف
هو : عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب . كنيته : أبو المطرف وقيل أبا زيد وأبا سليمان . الملقب ( صقر قريش وعبد الرحمن الداخل وفي المصادر الأجنبية عبد الرحمن الأول ) فرَّ من الشام في رحلة استمرت ست سنوات إثر سقوط الدولة الأموية عام 132 هـ وتَتبُع العباسيين لأمرائها وتقتيلهُم ودخل الأندلس وهي تتأجج بالنزاعات القبلية والتمرد على الولاة تاركًا لخلفائه إمارة استمرت نحو ثلاثة قرون . ولد سنة 113 هـ في خلافة جده هشام في بلاد الشام عند قرية تعرف بدير حنا وقيل بالعليا من أعمال تدمر .

عندما أسقط العباسيون الخلافة الأموية بمساعدة الفرس هدفوا إلى تعقبهم والقضاء عليهم خشية أن يحاولوا استرداد مُلكهم . ثم أظهروا الندم وأشاعوا أنهم أمّنوا من بقي منهم حتى اجتمع بضعٌ وسبعونَ رجلاً أحدهم أخٌ لعبد الرحمن فأفنوهُم . وحين بلغهُ ذلك هرب الى قرية على الفرات اختبأ فيها ... وذات يوم دخل عليه ابنه فزعًا وإذا برايات العباسيين في القرية فعمد إلى دنانير تناولها ثم أعلم أختيه وفرَّ مع أخوه . بعدئذ وشى به عبدٌ من عبيده فتعقبوهم فلم يجدا أمامهما إلا عبور النهر . وإذ هما في مُنتصفه أغرتهُما الشرطة أن يرجعا ولهما الأمان فعاد أخوهُ فقتلوهُ بينما نجح هو بالوصول إلى الضفة الأخرى . ثم ألحقت به أخته أم الأصبغ بمال وشيء من الجواهر فتوجه بالموالين صوب إفريقية .

التي استغل واليها سقوط الدولة الأموية ليستقل بحكمها وخشي من ظهور الفارّين من المشرق على ولايته فتتبعهُم وقتل منهُم ابنين للوليد بن يزيد . لذا ظل عبد الرحمن يتنقل من مكان إلى آخر خمس سنين بدءًا من نزوله على أخواله بني نفزة وهُم من بربر طرابلس ثم مكناسة وقيل مغيلة حيث آواه أبو قرّة وانسوس المغيلي لحمايته . ثم منها إلى قوم من زناتة منازلهم قرب البحر في سبتة . وفي عام 136 هـ أرسل إلى موالي بني أمية في الأندلس يطلب عضدهم والتمهيد لدخولها فأجابوه وعرضوا الأمر على الصميل بن حاتم غير أنه خشي على نفوذه لأنها كانت حينئذ تغلي بسبب النزاعات المُتواصلة بين القبائل المضرية واليمانية فوافقت دعوتهُ امنية اليمانية المدفوعين بالرغبة في الثأر لهزيمتهُم أمام الفهرية والقيسية في موقعة شقندة فاحتشدوا لنصرته وأرسل زُعمائهم مركبًا عبر به إلى الأندلس فوصل إلى ثغر المنكب عام 138 هـ .

بعد أن دخلها أتاه أبو عثمان وسار به إلى منزله في حصن طرش الذي أصبح مركزًا لتجمع أنصاره . بلغ خبر وصولهُ وتجمع الناس حولهُ يُوسف الفهري وعدم قدرة عاملهُ على إلبيرة على تفريقهم فنصحه الصميل بوجوب التوجه فورًا لملاقاته فجمع جيشه . علم عبد الرحمن فتحرك بجنوده وأخضع كافة المدن في طريقه حتى إشبيلية التي استولى عليها وبايعه أهلها ثم حاول مُباغتة الفهري ومُهاجمة قرطبة ليستولي عليها وحاول يوسف أن يغريه لينصرف بأن وعدهُ بالمال وأن يزوجهُ إحدى بناته إلا أنهُ رفض . وفي الليل حاول أن يسبق بجنده جيش يوسف خلسة إلى قرطبة . لكنهُ علم بذلك فسار الجيشان بمُحاذاة النهر صوبها إلى أن انحسر الماء عند المصارة يوم الأضحى العاشر من ذي الحجة لعام 138 هـ فعبر جيش عبد الرحمن ودارت المعركة التي انتهت بنصره فدخل قرطبة وأدى الصلاة في مسجدها الجامع وبايعهُ أهلها على الطاعة .

توفي صقر قريش في 24 ربيع الآخر عام 172 هـ وترك أحد عشر ولدًا أكبرهم سلمان وهشام والمنذر ويحيى وسعيد وعبد الله وكليب ومن البنات تسع . ودفن في قصر قرطبة بعد أن صلى عليه ولده عبد الله . وخلفه من بعده ولده هشام رغم أن أخاه سليمان كان أسن منه . اتبع عبد الرحمن الداخل سنة أسلافه من الأمويين في نظام الحكم فاتخذ حُجّابًا ولم يتخذ وزراء . واحتفظ دومًا بمجموعة من المُستشارين أغلبهُم ممن استقبلوهُ وناصروهُ في بداية عهده وقاتلوا معهُ . وقد اهتم بجيشه الذي كان الدعامة التي ساعدتهُ على السيطرة على مقاليد الأمر طوال حكمه فبلغ مائة ألف جندي من المُتطوعين والمُرتزقة . إضافة إلى حرسه الخاص الذي بلغ أربعين ألفًا . كما أنشأ في أواخر عهده عددًا من قواعد بناء السفن في طركونة وطرطوشة وقرطاجنة وإشبيلية .

بنى قصر الرصافة وأحاطهُ بالحدائق الزاهرة التي جلب لها الغروس والزروع والنوى التي لم تكن من قبل في الأندلس من الشام وإفريقية . وفي عام 150 هـ أقام سور قرطبة الكبير الذي حصّنها . وفي عام 170 هـ أسس المسجد الجامع وأنفق على بنائه 100 ألف دينار . وكان المُسلمون قد شاطروا أهلها كنيستهُم العُظمى فابتنوا فيها مسجدًا . ولما كثرت عمارتها ضاق على مُرتاديه فابتاع الداخل الشطر الثاني من النصارى بمائة ألف دينار فأسس عليها الجامع وتمت أسوارهُ في عام وأمر ببنائه على طراز المسجد الأموي في دمشق . وقد بلغت المساجد في عهده 490 . كما أنشأ دارًا لسك العملة تضرب فيها النقود بحسب ما كانت في عهد بني أمية وزنًا ونقشًا . أما فيما يتعلق بعلاقاته الخارجية فبعد أن فشلت حملة شارلمان على شرق الأندلس وهزيمة جيشه في معركة باب الشرزي . دعاهُ إلى السلم وتوطيد العلاقة بين الدولتين فأجابه .

قال عنه ابن حيان القرطبي ( كان كثير الكرم عظيم السياسة يلبس البياض ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويصلي بالناس في الجمعة والأعياد ويخطب بنفسه ) نقش خاتمه ( عبد الرحمن بقضاء الله راض ) وقيل ( بالله يثق عبد الرحمن وبه يعتصم ) كان وافر العزم والدهاء والحزم والصرامة شديد الحذر قليل الطمأنينة . يقعد للعامة ويستمع منهم وينظر بنفسه فيما بينهم . ومن عاداته أن يأكل معهُ من أصحابه من أدرك وقت طعامه او من وافق ذلك من طلاب الحوائج . كما كان لين الجانب مع النصارى وجعل لهُم رئيسًا يُسمى القُمص يقيم إلى جواره في قُرطبة ويستشيرهُ في كثير من الأمور وكان له شعرا مشهورا منهُ هذه الأبيات التي تُعبر عن شوقه لربوع الشام التي نشأ فيها حيث قال :

أيها الراكبُ المُيمِمُ أرضي
أقري من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرض
وفُؤادي ومالكيه بأرض
قُدر البين بيننا فافترقنا
وطوى البين عن جفوني غَمضي
قد قضى الله بالفراق علينا
فعسى باجتماعنا سوف يَقضي!...

قادة كثيرون فارقوا أرضهم وطاردهم الفرس كما حصل مع عبد الرحمن الداخل بالضبط والذي أعاد هيبة ملكه وعز دولته . من الذي سيُعيد الامة الى ماكانت عليه ويُصبح مثلهُ صقرا جديدا يُعزُ الاسلام والمُسلمين . افعلوا كما فعل وحاولوا الوصول لما وصل وسيمدكُم الله بعون منهُ عز وجل . إذا توفر الإيمان والإخلاص والأمل في إعلاء دينه وكلمته وانقاذ البلاد والعباد بالجُهد والجهاد الحقيقي والبناء والعلم والعمل .