رواية ثلاث عشرة ساعة سعادة أبو عراق بقلم:رائد الحواري
تاريخ النشر : 2019-07-09
رواية ثلاث عشرة ساعة سعادة أبو عراق  بقلم:رائد الحواري


ثلاث عشرة ساعة
سعادة أبو عراق
ما كان محظورا وممنوعا بالأمس ها هو متاح اليوم، وها هم كتابنا يقدّمون حقيقة واقعنا، حقيقة أن أنظمتنا ما هي إلا بالونات فارغة، عند أول نسمة هواء تأخذها حيث شاءت، وعند أول وخزة تختفي، إذن نحن أمام رواية تكشف واقع الأنظمة من الداخل، طريقة التفكير، طريقة التعامل مع الأزمات، كيفية النظر لعامة شعوبها، والأسس التي تعتمد في الترقية والترفيعات، وبُنية النظام الاجتماعي والاقتصادي، والتفاوت الطبقي وأثره في (زحزحت) الأمن، كل هذا يقدمه لنا "سعادة أبو عراق" في رواية ثلاث عشرة ساعة من أحد أيام مقدم الوزراء.
حدث الرواية الرئيسي يتمحور حول أحداث (شغب) تطال أحد الأحياء الراقية "ضاحية الأندلس" في مدينة عمان، يتم اعتقال "بن مقدم الوزراء" "سائد، مع مجموعة من مثيري الشغب، الذي يرفض أن يفرج عنه إلا بعد ان يتم أطلاق سراح كافة المعتقلين، ويتم فعلا اطلاق سراحهم، كل هذا ومقدم/رئيس الوزراء لا يدري أن ابنه "سائد" كان معتقلا مع المشاغبين، إلى أن يخبره الرائد "فهد حسين" الذي يمثل انتهازية رجال الأمن وتخلفهم، فهو يسعى للتحدث مع مقدم الوزراء ليرفع رتبته ومكانته، وما حديثه مع مقدم الوزراء واخباره بأمر اعتقال ابنه إلا دليل على تخلف وانتهازية هذا الرائد، ومع هذا لا يجد أذنا صاغية من مقدم الوزراء، مما يجعله يفكر بطريقة مجنونة ليرضي - حسب مخيلته وتفكيره ¬- مقدم الوزراء والتي تتمثل بإزالة "حي الكسارات" نهائيا، من خلال حرقة بواسطة صهريج بترول معبأ، ويتم فعلا حرق الحي وقتل من فيه، وهنا تنتهي أحداث الرواية، لكن الراوي يبدأ بأخذنا إلى تساؤلات مثيرة نتوقف عندها متفكرين.
هناك مجموعة من المشاهد جاءت لتؤكد حقيقة النظام الرسمي العربي، والطريقة التي يتعامل بها، من أعلى الهرم إلى قاعدته، (1)بعد الأحداث يجتمع مقدم الوزراء مع طاقمه المصغر فيبدو بهذا الشكل: "فيدخل مقطب الجبين، عابسا، مهموما، نزقا، غير مستعد للمناقشة، وبذلك يجعل وقت الجلسة أقصر، فيقول بها ما يريد، ولا يسمع شيئا ولا يناقش رأيا" ص46، (2) التركيز على المظهر/الشكل هو المهم في النظام الرسمي العربي، كما أنه يرفض نقد الذات أو مواجهة المشاكل/الانتقادات/السلبيات التي يقدم عليها النظام وأدواته، (3)كما نجد النظرة الشخصية هي الأهم والمسيطرة على اهتمام رجال الدولة وليس مصلحة الوطن أو المواطن: "مدير الحرس المدني ما زال يتميز غيظا، فعلى دولة مقدم الوزراء أن يسمح له بحضور الاجتماع الذي عقده، وأن يستمع إلى ما يدور من نقاش ، بل يشارك بفاعلية، وأن يعطي الشخصية الاعتبارية التي للوزراء انفسهم، فوزير الجوانية قرأ التقرير الذي أعده هو، ولو لم يعطه التقرير، لظل صامتا محرجا لا يدري ما يقول" ص59، لا الوزير ولا مدير الحرس ولا قيم الوزراء يتطلعون لحدث، فجل اهتمامهم على من يبرز أكثر، وكأنهم في سباق ركض، وليسوا في حكومة وجدت لخدمة الوطن والشعب، فنظرة الحسابات الشخصية تعد حاجز منيع يحجب الرؤية الشاملة لما يجري، ويدمر بنية البلد، لكن هذا هو واقع النظام الرسمي العربي.
(4)لهذا نجد النظر إلى الأحداث تتم بطريقة ارتجالية وبعيدا عن التحليل والمسائلة ووضع الحلول: " كان عليكم .. أن توصوا بإزالة هذا الحي، أن تقترحوا ترحيلهم، أو تقدموا أي مشروع آخر،.. لو لم يكن هذا الحي موجودا لما حدث شيء، لا أريد مبررات مطلقا، مفهوم؟؟؟.. قالها ونهض، كدليل على عدم رغبته بالمناقشة، أو سماع الآراء" ص69 و70، إذا كان رأس الهرم يفكر بهذه الطريقة فما بال وسط وقاعدة النظام؟.
والملفت للنظر في النظام الرسمي العربي أنه يخفي المعلومات عن الرؤساء حتى لا (ينزعجوا) أو لكي لا يغضبوا على من هم أدنى منهم:
"ـ هل سائد هو ابني؟
ـ لا .. إنما ذلك تشابه بالأسماء، وأن قوله: لو أنه ابن مقدم وزراء، ما هو إلا من قبيل المبالغة والتشابه في الأسماء" ص 54. فهل يمكن لنظام دولة أن يدار مثل هذه الطريقة؟.
(5)وعندما يتم اصدار بيان من الوزارة على ما جري نجده مقتضبا ولا يعبر عن حقيقة ما جري: "والذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف، أي أن توفير الأمن والغذاء هما الشيئان اللذان من الله بهما على قريش، ولعلهما الشيئان اللذان يتمناهما كل إنسان وكل مجتمع" ص 49،( 6) التركيز على الفكر الديني يبين حقيقة أن الدين يستخدم لتروض الشعب وإبقاءه ساكتا تحت نير الظلم والتخلف، كما أننا نجد في البيان تمنن النظام على حق المواطنين في إيجاد الأمن وتوفيره لهم، وهذا يعكس حقيقة وطبيعة التفكير عنده.

فهد حسين
شخصية الرائد "فهد حسين" تمثل نموذج رجال الأمن في المنطقة العربية، فهم يحسنون التملق واقتناص الفرص، حتى أنهم على استعداد لفعل كل ما هو محرم وممنوع في سبيل ارضاء المسؤول، من هنا نجد التمايز في التعامل بين افراد الشعب، والتي تعد مسألة عادية ومتبعة في النظام الرسمي، وهي سمة عامة فيه، يصف لنا الراوي طريقة تعامل رجل الأمن مع ابن مقدم الوزراء المعتقل: "خذ كرسيك الدوار هذا واجلس سائدا عليه، واشتري له سندويشتين من الهمبرغر، وعلبة بيبسي باردة، وقل له أنها من فهد حسين" ص62،
رغم ان (سائد) لم يطلب أن يكون متميزا بين المعتقلين، لكن انتهازية "فهد حسين" هي التي جعلته يقدم على هذا الأمر، وهذا الرجل يفكر بطريقة رجل الأمن المثالي، حتى أنه يجد في تحقيره من قبل الرؤساء مسألة عادية لا تستدعي الاهتمام أو تترك اثرا عليه: "فقد خلق خادما مطيعا، وبكلمة أكثر دقة، خلق لخدمة الرؤساء، فهو يرى أن التعامل مع الاسياد يستلزم الذل وابتلاع الإهانات، فالرؤساء لا يقال لهم لا، فالموازين ستنقلب إذا كنت على صواب ورئيسك على خطأ"ص64، فالعلاقة هنا شخصية وليست نظامية، بمعنى أن النظام الرسمي يتعامل مع بعضه بطريقة شخصية وليست مهنة، لهذا كل شيء مباح وجائز، ما دام الرئيس راض.
لهذا نجده يفكر بطريقة مجنونة ويحرق منطقة كاملة ويقتل من فيها لأنه يعتقد أن هذا الفعل يرضي ويريده مقدم الوزراء.
وبما أنه رجل أمن في النظام، فإنه يستخدم عين اللغة الدينة التي يستند إليها النظام: ""وجعلنا بعضكم فوق بعض درجات" ص94، بهذا يكون "فهد حسين" رجل النظام الحقيقي ويمثله فكريا وقولا وفعلا.
الوقائع على الأرض
لأن النظام يهتم بالشكل وليس بالجمهور، فإن طبيعة فعله على الأرض شكلية، وتتمحور حول القيام (بالواجب الوظيفي) وليس المهني، فبعد أن يحدث الحريق ويلتهم السوبرماركت تصل الإطفائية، ولكن: "وحينما وصلت الإطفائية لم تجد شيئا تنقذه، فكانت ترش الماء على الرماد" ص56، هذا حال النظام العربي، وهناك العديد من المواقف الحقيقية التي نجدها ونراها في واقعنا.
يحدثنا مقدم الوزراء عن تجربته في الوظيفة والطريقة التي يجب أن تتبع للوصول إلى أعلى المراكز: "لقد شعرت خلال تدرجي الوظيفي أنه كلما ارتقيت وظيفيا، كلما وجدت العمل أكثر سهولة، فهناك من يفكر نيابة عنك، ويسهر على خطته ليالٍ كثيرة، لكي تطلع عليها في ربع ساعة وتضع توقيعك، وتنسبها إليك، إنهم يخلصون بعملهم، ولا يريدون منك سوى الرضا والمباركة... خيرا لك أن تخدم صاحب العمل من أن تخدم العمل ذاته... الإخلاص في العمل يمضي بك أفقيا، والإخلاص للمسؤول عنك يمضي بك رأسيا" ص171، وهنا تكمن مشكلة النظام، كلما تدرج إلى أعلى كلما قل العطاء واتسعت الراحة والاسترخاء، مما يجعل النظام برمته مترهلا بليدا، فليس هناك (منظومة او هيئة محاسبة) بل أشخاص يمكن استمالتهم وتجيّيرهم كيفما نريد، إذا أحسنا التعامل معهم، وأرضيناهم.
ويقدمنا اكثر من التركيبة الاجتماعية للشعب وللنظام والطريقة التي يتم مخاطبة الجمهور بها، والمصطلحات والألفاظ التي تستخدم لإبقائه مخدرا: "أتدري لماذا يكثر في البلاد المتخلفة الكلام عن الوطنية والشعور الوطني؟ لأن هناك شعور بضعف هذا الانتماء، فالفقير ليس له وطن، لأنه لا شيء يجذبه في الوطن، أرأيت قطعة المغناطيس التي نجذب سلسلة من الدبابيس المتقاطرة؟ إن كل دبوس يجذب ما يليه، فماذا لو أزلنا المغناطيس عن الأول، فإن الدبابيس كلها تفقد القدرة على التجاذب مع بعضها، هكذا المواطنون الذين لا يجذبهم وطنهم، فأنهم يعجزون عن التجاذب والتماسك، يصبحون كومة من الكرات في كيس، يندثرون لفتق صغير، ص175، أهمية هذا التحليل تكمن فيه أنه يكشف لعبة "الوطن والوطنية" التي تمارس على المواطن منذ عقود، وفي حقيقة الأمر ما هي إلا وسيلة تخدير وخداع من قِبل المتنفذين في النظام، للحفاظ على مصالحهم ونفوذهم.
حجم الفساد وطبيعة الفساد لا يمكن أن تواجه من النظام، لأنه جزء أساسي من الفساد، وهو يمثل الطبقة الفاسدة، فلكي يزول الفساد يجب أن تكون هناك طبقة أخرى، نقيضة تعمل على إزالته: "فساد بلا مفسدين، إحالات إلى محاكم بلا قضاة، لا أحكام ولا مذنبين، والقضايا وهمية، والفساد مسلسلات يتسلى بها قارئو الصحف ويثرثر بها النواب في البرلمان"ص118، وهذا يشير إلى أن العلاقات الشخصية هي المتبعة في النظام وليس المؤسسات أو الأنظمة والقوانين.


الفكر الديني
التابوهات الثلاث الدين، السياسة، الجنس، فالدين يعد اهم الوسائل لتخدير الشعب وجعله مخدرا، خانعا، مستكينا، راضيا بما كتبه الله، من هنا نجد النظام ورجاله يستخدمون اللغة الدينية في أقوالهم، محاولين ان يؤثروا على العامة بهذه الثقافة، مقنعين أنفسهم والشعب أنهم مؤمنون بالله وبالدين، فهم تقاة، ولا يقربون المحرمات، هناك أكثر من موقف جاء فيه الخطاب الديني، منه البيان الوزاري، وأيضا في حديث مقدم الوزراء أمام مجلسه المصغر يتحدث باللغة الدينية: "" فلقد وعدت البرلمان أن سيكون هذا البلد واحة أمن واطمئنان، أو كما قال عمر بن الخطاب رضي لله عنه: لا يخشى فيها المسافر إلى العراق إلا الذئب على غنمه" ص68، تجذير اللغة الدينية يعد أهم وسيلة يستخدمها النظام ـ حتى دون أن يعي ذاك ـ لإقناع الذات والآخرين بأنهم يسيرون على نهج الدين الحق.
لكن ـ اعتقد ـ أن الراوي وقع هو ايضا في نفس الخطأ عندما استخدم اللغة الدينية في سرد الأحداث، فبدا وكأنه لغته تجاري لغة النظام: "أم جعلته يموت ببطء جزاء وفاقا" ص213.
الطرح الطبقي
عندما طرح ماركس مسألة الصراع الطبقي تم مواجهتها من النظام الرسمي على أنها فكرة إلحادية وليس فكرة عدالة اجتماعية اقتصادية، الراوي في "ثلاث عشرة ساعة" يقدم مجتمعين متناقضين، الأول مرفه وغارق في النعم، والآخر يئن تحت وطأة الفقر وضيق المكان وزحمة السكان، بداية تشكيل حي الكسارات كانت بهذا الشكل: "الأزقة ضيقة بعرض نصف متر أو أقل، البيوت متقاربة لدرجة أنك تسمع سعال جارك، بل تأوهات امرأة في الفراش، البناء ارتجالي والإقامة مؤقتة، لا ماء ولا كهرباء ولا إنارة ولا مجاري للصرف صحي، فأحدهم لم يفكر بذلك إلا حينما أصبح الصباح ولم يجدوا ماء يشربونه أو يغسلون به وجوههم أو يتوضؤون، لم يجدوا مكانا يبولون به أو يتغوطون، أين يرمون نفاياتهم ومن أين يشترون الخبز؟ وفي أي مواصلات يذهبون إلى أعمالهم؟ أين المدارس التي سوف يرسلون إليها أبناءهم، بل أين يدفنون موتاهم؟" ص 87، طبعا هذا الأمر يحسب على النظام، الذي لا يهمه هؤلاء الناس، ولم يؤمّن لهم مكانا للسكن، فالمشكلة ليست بالمكان المجرد، بل بما يتركه من أثر نفسي واجتماعي وأخلاقي على ساكنيه، يقدم لنا الراوي صورة عن معاناة سكان حي الكسارات: ""حينما يتسللون وهم يعلمون أن الأولاد والبنات ما زالوا يقظين، يتابعون كل حركة، ينصتون إلى صوت القبلة واللهاث والتأوهات بل ويعرفون ما حصل من هذا الاستحمام المبكر بالماء البارد في الصباح قبل الخروج إلى سوق العمل" ص120، فالحديث عن هؤلاء الناس وتقديم معاناتهم يسحب للراوي الذي قرع الجدار فخرق حاجز الصمت وكشف لنا صورتهم، وكأنه يدعوهم ليتمردوا على واقعهم، فهم بهذا الحال لا يمكن ان يبقوا هادئين/ساكنين/راضين بحالهم.
في المقابل هناك ترف وعالم آخر تعيشه طبقة مرفهة، وكأنها في كوكب آخر: ".. وأن أرصفتها مبلطة بالرخام، وأن الحليب الطازج يصلهم بالحنفيات، كالماء تماما لكي لا تمسه يد أحد، وأن الزبالين يلبسون الملابس الرسمية، ويحلقون ذقونهم يوميا، ولهم درجاتهم في الدولة، ...ضاحية الاندلس، ضاحية الكيبوتس، ذاك أن الكيبوتسات اليهودية يراعي بها حينما تبنى النواحي الأمنية، فتبنى حولها الأسوار والبوابات والحراس وها هي ضاحية الاندلس منطقة محظورة على غير أهلها" ص88، ما يحسب للراوي أنه تحدث عن المكان أولا قبل أن ينتقل للسكان، وكأنه يريد أن يقول: أن للمكان أثر على طريقة تفكير وتصرف الأفراد، لأنه ينعكس سلبا أو إيجابا على الأفراد/الناس، من هنا نجد ساكني "ضاحة الأندلس" هم مجتمع لا يمت إلى "حي الكسارات" بصلة، وكأنهما من عالمين مختلفين، لهذا نجد يتعاملون بفوقيه مع العالم الثاني/حي الكسارات: "فهل يعقل أن يعتقل ابن مقدم الوزراء؟ ويوضع بين مجرمين ومشتبهين، وينام في غرفة التوقيف؟ هل هذه ديمقراطية؟ هل هذا عمل دعائي لمقدم الوزراء وللديمقراطية والعدل الذي يتحدثون عنه؟" ص58، الهوة بين الطبقيتين كبيرة جدا، لهاذا نجد طريقة التفكير متناقضة، فهناك صراع طبقي حقيقي بينهما، فالمرأة التي تكلمت للصحفي تجد أن المساواة بين المواطنين تعد خرقا وتجاوزا.
الراوي يقدمنا أكثر عن طبيعية مجتمع "ضاحية الأندلس" وكيف تتصرف امرأة أمام الكاميرا: "...وهي تصفف شعرها، وتأخذ زينتها ومكياجها، ومساحيقها وإكسسوارتها وفساتينها، وتغير ديكور الصالون، ليبدو مناسبا مع فستانها، ويكون خلفية متناغمة معه، التماثل بين اهتمام النظام بالشكل واهتمام سكان ضاحية الأندلس يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى أنهما متحدين معا، ويعملان معا، ومن هنا تكمن أهمية فكرة التوحد بين النظام وضاحية الأندلس، فكلاها نقيض لحي الكسارات، ولا يمكن أن يكون هناك لقاء بينهما، هذا ما قالته المرأة في المقابلة الصحفية: ـ شيء فظيع، همجية القرن العشرين، لا أصدق أن أناسا متخلفين ما زالوا بيننا، كان على الحكومة أن لا تسمح لهم بالعيش هنا.. كيف تسمح أمانة العاصمة بمثل هذا الاسكان؟ أما كان عليها أن تحملهم إلى الصحراء.. أما كان عليها أن تؤهلهم لكي يعيشوا كبقية البشر؟ .. انهم يرمون فتياتهم طعما إلى بعض المراهقين الاثرياء، .. للوقيعة والابتزاز" ص 123و124، اعتقد أن أهمية ما قالته المرأة يمكن في كشف حقيقة التناقض الطبقي في المجتمع، فعندما يكون هناك هوة كبيرة في المكان وبين السكان، لا بد أن نجد مثل هذه الأفكار، وعلى المجتمع/النظام أن يعالج هذا الأمر ويزيل الهوة بين أفراد المجتمع، إن أراد أن يستمر في الوجود.
سائد
من جمالية الراوية انها قدمت لنا الشباب بطريقة إيجابية، فهم المستقبل وفيهم الأمل، "سائد" يتمرد على واقعه الطبقي والاجتماعي والسياسي، فرغم كونه ابن مقدم الوزراء، إلا أنه متواضع سلوكا وفعلا: فنجده يذهب إلى الجامعة بهذا الشكل: "لا يقتني سيارة ولا يريد ذلك، يذهب إلى الجامعة بسيارة السرفيس، لا يطلب من والده أكثر من مما يأخذ طالب عادي من والده الموظف البسيط، أجرة التنقل وثمن السندويشة من الكافتيريا، وعلبة الشراب.. أنه ينكر على نفسه أن يكون ابن مقدم الوزراء، رغم أنه فخور بوالده، لا يريد أن يتكئ عليه في شيء" ص136، السير عكس التيار هو التميز عند سائد، فهو يتجاوز كل المغيرات التي يستطيع أن يمارسها ويستخدمها بطريقة طبيعية وعادية، ويفضل أن يكون إنسانا عاديا، كبقية أفراد العامة وليس "ضاحية الأندلس" لهذا هو شخص متميز، لكن تميزه لم يتوقف عند سلوكه (العادي)، بل نجده يضحي ويتقدم من الخطر في سبيل الآخرين، أخوة صبحية الذين تم اعتقالهم: "..ورأى هذه المعركة، ادرك بذكائه ما يدور وما يحدث ودوافعه وتفصيلاته عرف بحدسه أن الموقوفين سيكونون أخوة صبيحة وأن سيارة البوكس لا بد أن تكون مقلة لهم، لا ادري كيف تشكلت الفكرة في ذهنه، كيف بادر إلى ضرب حجر على زجاج شرفة بينهم، وكسره عمدا، لأبصره وأقوم باعتقاله ... أراد أن يواجه أهالي صبحية، وأن يبرئ ذلك الفتى الذي يمكن أن يكون معتقلا، والذي ساقته الأقدار إلى هذه المصادفة، ص139، فمثل هذا النبل وإثار الآخرين يؤكد على أن الخير في الشباب، بصرف النظر عن بيئتهم أو منبتهم، ولا اعتقد أن الراوي يطرح (الانسلاخ الطبقي) بقدر طرحه فكرة الأمل والخير والمستقبل للشباب وليس للشيوخ الكهلة، لهذا نقول أن الرواية بهذه النظرة قدمت دفعة إلى الأمام، متجاوزة حالة اليأس والقنوط التي يطرحها بعضهم.
أم سائد زوجة مقدم الوزراء
والإيجابية الثانية في الرواية كانت أم سائد، التي تعرضت للضرب من زوجها بعد ان أعلنت تأييدها للعلاقة بين "سائد وصبحية"، تتصل بزوجها مقدم الوزراء فيكون بينهما هذا الحوار:
"ـ تذهب أليهم لا كمقدم الوزراء،ـ بل أب لأحد الشباب المشاركين في المشكلة، تذهب لوحدك بلا حرس ولا مرافقين، قل لهم حقكم عندي، إن كان ابني قد أخطأ في حقكم، فحقكم عندي.
ـ ما هذا الكلام، أنه قلب للعرف السياسي.
ـ ليس العرف وحده بحاجة إلى قلب، بل السياسة كلها
ـ اذهب إليهم، واعتذر منهم، وطيب خاطرهم، بل اطلب منهم يد البنت لسائد" ص 167، هذا المشهد يشير إلى دعوة ـ غير مباشرة ـ لتأخذ المرأة دورها في التغيير، والتقدم إلى المستقبل، برؤية متحررة من المفاهيم المتخلفة، وبعقل جديد منفتح على المستقبل، وهذه ميزة أخرى تحسب لرواية " ثلاث عشرة ساعة".
لغة الرواية سهلة وسلسة بعيدة عن اللغة المعجمة، وقد نجح الراوي في امتاع القارئ بها، رغم أحداثها الدامية، من هنا نقول أن الرواية ناجحة في استمالة القارئ، وحققت أهدافها في إيصال فكرتها عن النظام وطبيعته، وأيضا رسخت فكرة الأمل في الشباب، وأكدت على أن للمرأة دور في عملية التغيير لا يقل أهمية عن دور الشباب.
الرواية من منشورات مثابة المشعر الأدبي، عمان الأردن، الطبعة الأولى 2019