إلى ملكة فلسطين غير المتوجة بقلم:سارة عماد الدين ريان
تاريخ النشر : 2019-06-26
الشمس تتوسط السماء معلنةً بداية يوم جديد .. وها هي جودي تستيقظ من نومها على صوت أختها . . في الحقيقة لم تكن أختها التي أيقظتها وإنّما أشعة الشمس التي اخترقت نافذتها لتحطّ على وجهها البرئ المتورد لتزيده توردًأ واحمرارًا وجمالاً أيضًا ... استقيظت جودي وسألت أختها إلى أين ستكون وجهتهم اليوم،كانت جودي وأختها ماري قد قطعتا عهدًا على أنفسهما بزيارة جميع مدن وبلدان  فلسطين.. أختان حالمتان قطعتان عهدًا-تحت تأثير مقطوعة موسيقية لبيتهوفن-لتكونان رحالة..أجابتها أختها بأنهما ستذهبان اليوم إلى ملكة فلسطين "نابلس"وستتناولان الشاي مع قطع من النابلسية التي تشتهر بها هذه المدينة ..حقيقةً عندما سُئِلَت ماري عن وجهتهما شعرت بغصة في قلبها وأجابت أختها قائلةً:فتاتي الصغيرة  نحن لا نستطيع زيارة دمشق الحقيقية ، لكنّا بالتأكيد نستطيع زيارة دمشق الصغرى ، نعم يا صغيرتي سنزور نابلس . . ها قد بدأت الأختان بشق طريقهما نحو نابلس ، إلى ان نامتا من شدة تعبهما واستقيظتا لتجدان أنفسهما أنهما قد وصلتا نابلس حقًا .. هناك شاهدت ماري النساء يلبسن الملاية كتلك التي يلبسنها النساء السورييات التي شاهدتهن ذات مرة في شاشة سينما ما .. سارت ماري تمسك يد أختها جودي إلى أن وصلت إلى سوق نابلس ، هناك شاهدت الصابون والقطع الأثرية والكثير الكثير من حلوى النابلسية .. لم تكن ماري تملك نقود تكفي لشراء هذه الحلوى  .. لكن هناك رجل طيّب ، يُدعى العم صالح عندما وجدهما تسيران بلا هُدى وتنظران إلى النابلسية ، قرر أن يشتري لكل واحدة منهما الكثير منها ، ومن ثم اصطحبهما إلى منزله ، لقد كان العم صالح رجل عجوز في السبعينات من عمره ، متزوج من امرأة لا تنجب أطفالاً . . هناك في منزله بدأ بطرح أسئلته ، من أين أتيتما؟ لماذا تسيران وحدكما ؟ ما اسمكما؟
أجابته ماري بأنهما من قرية صغيرة في عكا  .. وأنهما هربتا من الميتم الذي كُتِب عليهنّ العيش فيه ... تفاجأ العم من هروبهما من الميتم لكنه لم يُظهر هذا في ملامح وجهه ، فطمأنهما وقال لهما بأنهما يستطيعان المبيت هذه الليلة هُنا وغدًا سأجد حلاً ... لكن الأختان لم تكونا تريدان حلاً كل ما تريدانه هو زيارة جميع البلدان والمدن  ، لكن  ولأنهما لم تكونا تملكان ملجأً تبيتان فيه وافقتا على المبيت .. وكعادة كل ليلة قصّت ماري قصة النوم على أختها جودي ثم جلست ماري تحلم بأنها تركب طائرة وتحلق بعيدًا بعيدًا . . .في الصباح استيقظت ماري وجودي على رائحة الشاي الذي أعدّته زوج العم صالح .. لقد كان أطيب شاي تذوقتانه على الإطلاق..تناولتا الفطور ومن ثم استأذنتا العم لتكملان سيرهما وتكتشفان جمال نابلس .. هُناك حيث جامع البيك جلست ماري تتذكر أمها عندما قالت لها بأنها في رحلةٍ ما أتت وزارت هذا المكان . . كانت ماري أكبر سنًا من جودي لذلك هي التي كانت تتذكر كل شئ .. أما جودي فهي لا تتذكر أي شئ
..كانت عينيّ ماري اللامعة تقص على من يشاهدهما رواية تراجيدية..قررت ماري أن تستقر هي وأختها في نابلس لذلك عندما انتهيتا من استكشاف نابلس رجعتا إلى بيت العم صالح.. فرح العم صالح بقرارهما .. لم يفرح فحسب ... بل كان قلبه يرقص فرحًا أخيرًا سيكون له ابنتان يعتني بهما ويمسك بضفائر شعرهما .. توالت الأيام . . كبرت ماري وأصبحت في مرحلة تؤهلها للدراسة الجامعية ، فقررت أن تدرس في معهد الإعلام تريد أن تكون صحفيّة ناجحة .. أجل صحفيّة تنقل أخبار العالم جمعيها ، في يومها الأول في المعهد كانت سعيدة فها هي قد بدأت تحقق واحد من أحلامها اللامتناهية . . أخيرًا سيصبح بإمكانها لبس الزي الصحفي وأن تحمل كاميرا في يديها الناعمتين ، أو أن تقف أمام كاميرا وتنقل الأخبار..بعد أن أنهت ماري دراستها حصلت على وظيفة كمراسلة لدى صحيفة أجنبية مشهورة ، لذلك كان بإمكانها أن تزرو أي مكان في العالم لتنقل أخباره . . زارت ماري دمشق الحقيقية  هناك حيث سوريا ، أدهشها التشابه الكبير بينها وبين نابلس .. زرات سوريا ومِصر والأردن ولبنان والكثير من الدول . . كانت ماري قد حققت حلمها الطفولي بأن تكون رحالة بدون أن تشعر  حتى ... جودي الآن في مرحلتها الثانوية ، جودي سافرت وزارت جميع بلدان العالم لكن ليس برًا ولا بحرًا ولا جوًا وإنما عن طريق كتبها الذي اشتراها العم صالح لها .  . عادت ماري إلى نابلس وجلبت لجودي الكثير من الكتب والصور أيضًا   . . كبرت جودي وأصبحت الروائية الناجحة المعروفة وماري إعلامية ناجحة معروفة أيضًا .. الآن فهمت جودي وماري لِمَ سميت نابلس بملكة فلسطين غير المتوجة،فهي تتوج كل من يزورها وتجعله ملكًا بأفكاره وأحلامه ، نابلس ليست ملكة فلسطين فحسب ، نابلس هي ملكة العالم أجمع.. اجل ملكة العالم أجمع .
-سارة عماد الدين ريان.