المرأة المتذاكية وحساسية الضلع الأعوج بقلم:د. محمود عبد المجيد عساف
تاريخ النشر : 2019-06-25
المرأة المتذاكية وحساسية الضلع الأعوج بقلم:د. محمود عبد المجيد عساف


المرأة المتذاكية وحساسية الضلع الأعوج

د. محمود عبد المجيد عساف

أعي جيداً أن الكتابة للمرأة أو عنها محكوم بالقصور مهما حاولت توظيف اللغة، وأنه من المستحيل تحويل الصندوق الأسود إلى أبجدية، أو أن تحصر كينونتها في نص أو أن تسور بين فاصلين، أو علامتي تنصيص، فالأمر أشبه بتعبئة البحر في زجاجة.

ولست من هواة التقزيم أو التقليل من تلك التي لا يصلح المجتمع إلا بصلاحها، التي تداوي خدشات الزمن، وتعود لتفوح عطراً من ورد، لكن نفسي أبت إلا أن تكتب عن نوع من النساء لا تحمل من الأنوثة إلا اسمها رغم قناعتي بأن المرأة كائن متناقض بشكل عام، فهي تريد ولا تريد، تحب ولا تحب، تعيش صراعاً ديناميكياً بين العقل والقلب، ولا تضع معياراً للسعادة إلا من منظورها.

وقد ينتاب القارئ للوهلة الأولى – خاصة النساء منهم -، إحساس بأني من المنتقدين دائماً للمرأة أو أني أحاول تشويه صورتها الذهنية، بعد جملة المقالات التي نشرت سابقاً، وفي الحقيقة أني أستنكر عليها أن تكون غير الياسمين، فأحاول أن أصف بعض الممارسات الباعثة على الاستفزاز منها والتي يجب ألا تكون من تلك التي لا تخلط الربيع مع الشتاء، ولا تناقض نفسها بالمشدوه من جسدها المقدس، ولا توهم نفسها بأنها محل اهتمام بغير حق.

لعل مصطلح (المرأة المتذاكية) المعنون به هذا المقال ما أردت به إلا وصفاً لبعض الممارسات التي تحاول بها بعض النساء اللاتي نتعامل معهن بحكم العمل أو الدراسة أو التطوع أو نلتقي بهن في المؤتمرات والأيام الدراسية، والتي تحاول فيها إثبات عكس ما هي عليه، فمن حقها أن تكون مراوغة وأن تسقط من عيون الأنقياء، لكن ليس من حقها أن تزعج الآخرين بقعقة تصنعها، ومن حقها أن تنسج الأفكار على المرايا الدامعة، لكن ليس من حقها أن تمسح الوجوه التي تقابلها بجدائل الوهم .

أعتذر جداً إن عكرت السطور السابقة صفو بعض القارئات، لكني أعتقد أن الشروخ التي قد تنتاب المتعاملين مع مثلها أكبر من الكلمات .

المتذاكية غالباً ما تدعي الفهم والإدراك والوعي لكل شيء، وأنها أكبر من أي توجيه أو إرشاد، وقد تظهر أنها على إطلاع واسع بأي ظاهرة محل النقاش، حتى وإن كان من يحاورها أستاذاً لها، وعلى مستوى الفعل ترى أنها الأقدر، وأن صنعها هو الأجود، ولا أحد يضاهيها، فتظن أنها محنكة، تصطاد أتفه الهفوات لمن ينافسها لتثبت أنها أكثر يقظة منه، لكن في الحقيقة يكون الاحتقار نصيبها بعد كل محاولة، ولا يشفع لها ويحميها من الصفع المباشر لتحجيمها إلا الذوق في التعامل مع جنسها، رغم قناعتي بأن النرجسية أفضل الطرق للتعامل مع مثلها.

وإضافة إلى ما سبق تبالغ في إظهار صورتها النموذجية، رغم قناعتها الداخلية حد الاستسلام أنها محدودة التفكير، وتقتنص الفرص لتثبيت عكس ذلك. وبعيداً عن ملامحها الخارجية، أي كان مستوى جمالها أو أنوثتها، إلا أني أرى أنها لا تقيس الأمور من منظورها، وتقيّم الأشياء حسب أهوائها، وترى في نفسها أنها من العصاميات اللاتي لا يدخرن جهداً للوصول إلى القمة، وهي أكثر ما تفعله هو تقليم أظافرها. لديها نزعة عنصرية تجاه الرجل، وترى فيمن يعارضها منهم عدواً للنجاح، وفي المرأة التي تعرف حقيقتها وكينونة نفسها ونقاط ضعفها حجر عثرة .

قطعة من ثلج هي، تستخدم الدهاء في أتفه الأشياء، ترهق عقلها في التصنع، وتقيم المهرجانات تفخيماً لأي إنجاز تعتقد أنه إبداع لا يكرر، وما هو إلا بعض أعمال غيرها اليومية، فتصف نفسها بالسكر الممزوج بالقهوة الصباحية، وتداوي نقصها بالتصنع خاصة في حضرة الشعراء والأدباء والباحثين، إلى الحد الذي قد تصمم لنفسها جملة من الطقوس لتحبك تزوير نفسها.

بملء اللغة أو أكثر قليلاً، مقالي هذا ليس للتعميم أو التعتيم، بل بملء الوصف الذي يزاحم الكثير من الحناجر ولا تستطيع التعبير عن حالها، وينتابها الاشمئزاز عندما تمارس الدلال في غير موضعه، والغرور لتثبيت ذاتها، في مكان أو مكانة تعرف فيه حق المعرفة أن هناك من هو أحق منها فيه.

أيتها المتذاكية، ما يفيدك الفراغ القائم بين الكلمات؟ ما يفيدك الدخول في دوائر الوهم؟ ما يضرك الوضوح لتكوني كجرح طري، كتجاعيد الوجه التي لا تخفيها عمليات التجميل؟ لم لا تحرري عقلك وقدراتك الحقيقية؟ انظري حولك، وارحمي نفسك، وقارني بموضوعية بين ما تملكين من إمكانات وما يملك غيرك، وتأكدي أن هناك من هو أكثر وعياً وإنجازاً منك، وأهدأ منك روحاً وأكثر تواضعاً وجمالاً.

وقبل أن أنهي مقالي، أرجو أن تعذرني الذكية لما اقترفته بحقها المتذاكية تلك الواضحة النقية التي لطالما كانت بدر القصيدة، ونبض الإحساس الواحد والوجه الواحد، التي  تملك حضور العلماء وتواضع الفقراء، ولا تحيد عن حقيقة ذاتها قيد أنملة.