التوتر الأمريكي - الإيراني..فلسطين بوصلة الحرب الباردة بقلم:معتصم سهيل عدوان
تاريخ النشر : 2019-06-24
التوتر الأمريكي - الإيراني .......فلسطين بوصلة الحرب الباردة :

تسيطر على المنطقة في الشهور الأخيرة حالةٌ من عدم الاستقرار مردّها حالة التوتر التي تشهدها العلاقات الإيرانية-الأمريكية؛ والتي بدأت بعد فرض الأخيرة عقوباتٍ قاسية تمس عصب الاقتصاد الإيراني، ويرجّح أغلب الساسة والمحللين أن تشهد المنطقة مزيدًا من التصعيد بين الطرفين ضمن خطواتٍ تدريجية؛ حيث من المتوقع أن تكثف ايران من ضغوطها العسكرية على دول الخليج الموالية للولايات المتحدة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومن ثمّ الانتقال إلى المساس بتجارة النفط من خلال استهداف ناقلات النفط في مضيق هرمز؛ وذلك بغية الضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن عقوباتها الاقتصادية، وفي حال استمرت العقوبات الأمريكية على إيران أو تم تشديدها فقد تتدحرج الأمور بين الدولتين وصولاً إلى الحرب المفتوحة؛ والتي قد يُشعل فتيلها تحريك إيران أذرعها العسكرية ضد القوات الأمريكية في المنطقة، أو ضد إسرائيل الحليف الاستراتيجي الأبرز للولايات المتحدة، ويتّضح من خلال التسلسل المحتمل للأحداث أن هناك سيناريوهات محددّة  ينحصر فيها مجرى الأحداث المتوقعة، منها ما قد يمثل رافعة للقضية الفلسطينية ومنها ما سيكون وبالاً عليها وقد يمهّد الطريق لتصفية ثوابت قضيتنا. وعليه وجب على فصائل العمل الوطني والعربي وفي مقدمتها حركات المقاومة الفلسطينية العمل على حرف بوصلة التوتر الإيراني - الأمريكي بما يرسخ السيناريوهات التي تخدم الأمة الإسلامية والقضية الفلسطينية مهما كان الثمن، وسنستعرض في هذا التقرير السيناريوهات المحتملة للتصعيد الأمريكي - الإيراني وتداعيات كل منها على الأمة الإسلامية وقضية فلسطين :

السيناريو الأول :

 الحرب المحدودة بالإنابة بين السعودية وجماعة الحوثي: ضمن التدرّج المحتمل للتصعيد بين إيران والولايات المتحدة؛ من المتوقّع أن تتوجه إيران للرد على العقوبات الأمريكية القاسية من خلال زيادة الضغط على الدول الحليفة للولايات المتحدة، وذلك بدفع جماعة الحوثي لتصعيد هجماتها ضد السعودية والإمارات، وهو ما يرسّخ فكرة الحرب بالإنابة بين الولايات المتحدة وإيران بواسطة حلفائهما في منطقة الخليج دون الدخول في حرب مفتوحة ومباشرة بين البلدين، ومن المتوقع أن يؤدي استمرار الصراع السعودي- الحوثي الى وقوع حربٍ سنّية- شيعية يكون طرفا الصراع فيها عربًا أو مسلمين، ولا يخفى على أحد حجم الضرر الذي قد يلحق بالأمتين العربية والإسلامية عموما والقضية الفلسطينية خصوصا في حال اشتعال الحرب الطائفية؛ حيث من المتوقع أن تؤثر تلك الحرب على القضية الفلسطينية سلبًا من أوجهٍ عدة لعل أبرزها :

1-    أن اندلاع حرب سنية شيعية سوف يثير العداء العربي السني نحو إيران، وسيجعلها العدو الأول للشارع العربي، وهو ما يعني حرف بوصلة العداء الشعبي العربي المتراكم نحو إسرائيل باتجاه إيران، وقد يؤدي ذلك إلى تراجع قضية فلسطين، وجعلها في ذيل قضايا الأمة، ويُفقدها حاضنتها الشعبية في الشارعين العربي والإسلامي.

2-    إن اندلاع أي حرب بين الدول الإسلامية في المنطقة يمثّل استنزافًا لمقدّرات الأمة العربية والإسلامية؛ وهو ما يخدم ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة بتكلفةٍ مجانيةٍ لدولة الاحتلال.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن إيران تميل الى إبقاء الحرب بالإنابة بينها وبين الولايات المتحدة محصورةً بالصراع السعودي الحوثي؛ وهو ما يعني حربًا محدودةً تحرك إيران من خلالها أذرعها العسكرية لاستهداف دول الخليج الموالية للولايات المتحدة بهدف دفع الأخيرة للتراجع عن عقوباتها الاقتصادية ضدها، وفي المقابل تتجنب إيران الحرب المفتوحة مع الولايات المتحدة والتي يمكن أن تندلع في حال لجأت إيران للمس المباشر بالقوة الأمريكية في المنطقة، أو الاستهداف المباشر لدولة الاحتلال، وذلك نظرا للتكلفة الباهظة التي قد تتكبدها إيران في حال الدخول في صراع مفتوح مع الامبراطورية الامريكية أو دولة الاحتلال بكل ما تملكه من ترسانة عسكرية، وبناءً عليه فمن المتوقع أن تسعى ايران لتجنب الحرب المفتوحة ما استطاعت الى ذلك سبيلا وطالما لم تتجاوز الولايات المتحدة الخطوط الحمر في إجراءاتها ضدها.

وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تفضل هي الأخرى سيناريو الحرب المحدودة بينها وبين إيران من خلال تحريك حلفائها الخليجين للعمل ضد ايران دون الولوج في حرب مباشرة معها؛ وذلك رغبة منها بتكريس الصراع السني- الشيعي خدمة لإسرائيل، إضافة إلى أن ترسيخ هذا الصراع سيزيد من الطلب على مبيعات السلاح الأمريكي، وسيضع دول الخليج تحت طائلة الابتزاز الأمريكي بدفع الأموال مقابل تقديم الحماية العسكرية، وبناءً على ما تمّ استعراضه ضمن هذا السيناريو يمكن القول: إن المستفيد الأول من هذا السيناريو هو دولة الاحتلال، والمتضرر الأوحد منه هو الأمة الاسلامية وقضية فلسطين، وعليه وجب تكوين وعي عربي- فلسطيني يعمل على منع وقوع هذا السيناريو مهما كانت التكلفة.

       السيناريو الثاني:

الحرب المفتوحة بالإنابة بين إسرائيل وحزب الله: من المتوقع أن ينتقل الصراع الإيراني- الأمريكي إلى مراحل متقدمة في حال بالغت الولايات المتحدة في عقوباتها الاقتصادية علي إيران، أو عملت على تنفيذ عملٍ عسكري مباشر ضد الجمهورية الإيرانية، وهو ما سيدفع إيران إلى محاولة ممارسة أقصى الضغوط على الولايات المتحدة وذلك من خلال إستهداف قواتها العسكرية في المنطقة، أو استهداف الحليف الأول والأبرز لها وهو إسرائيل، وهو ما يعني تجنيب الأمة الإسلامية ويلات الحرب الداخلية الطائفية بين الدول المسلمة وتكبد اسرائيل خسائر مادية وبشرية باهظة قد تفوق قدرتها على التحمل، وذلك خلافا للسيناريو الأول الذي من المتوقع أن يستنزف مقدرات الأمة الإسلامية ويعود بالنفع المطلق على دولة الاحتلال دون أي تكاليف بشرية أو مادية تذكر.

السيناريو الثالث : وفي هذا السيناريو من المتوقع أن يشمل الصراع الأمريكي-الإيراني كلا السيناريوهين ولكن بشكل نسبي؛ بمعنى أن تطول فترة السيناريو الأول وينحصر الصراع لمدة طويلة بين وكلاء إيران وحلفائها من جهة والسعودية وحلفائها من جهة اخرى، ثم يمتد الصراع في مراحله الأخيرة ليشمل إسرائيل وحزب الله.

وتجدر الإشارة إلى أن دولة الاحتلال ستسعى ومن خلال استخدام ثقلها السياسي وقدرتها على التأثير على صناع القرار في الادارة الأمريكية إلى حصر الصراع في المواجهة القائمة بين الحوثيين والسعودية إلى أقصى مدى ممكن، بل وستسعى إلى تأجيجه باتجاه الوصول لصراع مباشر بين السعودية وإيران دون أن تكون إسرائيل طرفا مباشرا فيه، وستسعى كذلك الى استدراج إيران للبقاء في هذه الدائرة من الصراع إلى أطول مدى ممكن. وعليه وجب علي قيادة العمل الوطني الفلسطيني والعربي السعي إلى التأثير على مجرى الأحداث، والدفع نحو الانتقال من السيناريو الأول الى سيناريو المواجهة المباشرة والمفتوحة بين إيران والولايات المتحدة "حزب الله – اسرائيل"، ويمكن لقيادة العمل الوطني التأثير على مجرى الأحداث ونقل المواجهة المباشرة مع إسرائيل من خلال وسائل عدة لعل أبرزها :

أولا : تحريك جبهة غزة : يمكن لقيادة حماس أن تدفع نحو مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله من خلال تحريك جبهة القطاع للدخول في موجة تصعيد مفتوحة مع دولة الاحتلال، وهو ما يضع قيادة العدو أمام خيارين أحلاهما مر؛ فإما تجنب المواجهة مع قطاع غزة مقابل رفع الحصار، أو الدخول في أتون حرب شاملة على القطاع تنتهي بتدخل حزب الله بإيعاز من إيران وذلك لعدة أسباب:

1-    لا يمكن أن تسمح إيران بسقوط جبهة غزة والتي تمثل عصا إيران التي تلوح بها ما بينا الفينة والأخرى لإشغال الجيش الاسرائيلي في الجبهة الجنوبية وعليه فإن سقوط غزة يعني تفرغ اسرائيل الكامل لملاحقة النفوذ الإيراني في المنطقة والعمل ضده وهو ما لا يمكن أن تسمح به إيران.

2-     دخول العدو في حرب مفتوحة ضد قطاع غزة سيؤدي غالبا إلى سقوط آلاف الشهداء وهو ما يعني حالة تعاطف واسعة جدا لدى الشارع العربي والإسلامي مع قطاع غزة وهو ما قد يدفع إيران إلى استغلال الفرصة، واعتلاء موجة التعاطف لكسب الشارع العربي؛ من خلال دفع حزب الله لدخول الحرب دفاعا عن قطاع غزة، وبذلك تكون إيران قد وجهت ضربت استباقية، وبدأت الحرب المزمع أن تُشن ضدها بمدخل تكسب من خلاله تأييد والتفاف الشارع العربي والإسلامي.

وبناء على ما سبق يمكن القول: إن التحرك العسكري من قبل قطاع غزة قد يساعد بشكل فاعل في حرف بوصلة التوتر الأمريكي – الإيراني باتجاه إسرائيل، وهو ما يعد مكسبا استراتيجيا مهما كانت حجم التكلفة المترتبة على ذلك.

ثانيا: جبهتي سوريا ولبنان: من المتوقع أن تشهد المنطقة حالة من التوتر الشديد خلال الأشهر القليلة القادمة، ومن الجدير ذكره أنه وفي حالة زيادة التوتر العسكري فإن من الممكن لأي عمل مهما كان بسيطا أن يؤثر بشكل فاعل في إخراج الأحداث عن النص، ومن المرجح أن تشهد جبهتي سوريا ولبنان مناوشات عسكرية ضمن رسائل الضغط المتبادلة بين ايران والولايات المتحدة، ومن الممكن أن يؤدي أي عمل مفتعل على الحدود اللبنانية السورية – الإسرائيلية خلال المناوشات العسكرية بين الطرفين إلى انفلات الأمور من عقالها، ودخول الطرفين في موجة تصعيد لا تٌعرف نهايتها، وهو ما يمكن لحماس القيام به من خلال مجموعات تابعة لها سواء في لبنان، أو سوريا، وبذلك يتم الانتقال من السيناريو الأول بكل تبعياته الكارثية إلى السيناريو الثاني بما يحتويه من مكاسب جوهرية للقضية الفلسطينية.

وبناء علي ما تقدم يتضح أن الأمة الإسلامية وقضاياها الجوهرية أمام مفترق طرق مصيري، وعليه وجب على كل النخب السياسية والقوى العربية الفاعلة العمل بشتى الطرق والوسائل للدفع نحو اختيار الوجهة الصحيحة والتي توجه بوصلة العداء الاسلامي- العربي نحو اسرائيل وعدم السماح بحرفها باتجاه العداء الاسلامي الداخلي.