استراتيجية الخوف الدائم.. بين الواقع والتزييف بقلم:رائف حسين
تاريخ النشر : 2019-06-17
  استراتيجية الخوف الدائم … بين الواقع والتزييف الكاتب والمحلل والمفكر السياسي رائف حسين    

الإرهاب الذهني للبشر، أفراداً وجماعات، عبر زرع شعور الخوف في وعي هؤلاء من شيء ما أو من خطر داهم ، كان ومنذ القدم اهم عناصر خلق وعي النحن من رحم ألانا … استعملت هذه الاستراتيجية في كل الحضارات وفي كل الحقبات الزمنية لجر افلالاً جماهيريه كبيرة وراء قائد أو حاكم او لتثبيت حكم طاغي على شعب أو أمة… استعمل الخوف كاداة جامعة تربط مصير االفرد بالمجموعة.

الحركة الصهيونية ادركت منذ بداياتها أهمية هذه الاستراتيجية وضرورة استعمالها لكي تستطيع ان تتحكم بمجموعات المستعمرين اليهود الذين أتوا من حضارات مختلفه وانحدروا من شعوب ومجتمعات متفاوتة بالثقافة والعلم والتطور… القادة الصهاينة ادركوا ان هذه المجموعات المتنوعة من اليهود لا يربطها ببعضها البعض الا أساطير دينيه ووعود الهيه زائفه ودجل أيدلوجي ملفق … لذا كان لا بد من ايجاد استراتيجية تصهر فلل القادمين الصهاينة إلى فلسطين، افرادا وجماعات، في بوطقة جديدة لصناعة " اليهودي الجديد" كما نظروا له الأيدولوجيون الصهاينة الأوائل.

منذ البدايات تم اكتشاف الخوف كمغناطيس جامع للكل … وسرعان ما اتضح ان الخوف ضمان لصنع النحن ولخلق شعور بالانتماء والترابط عبر مصير مشترك…مصير مبني على الخوف من الآخر… الآخر العربي، هؤلاء اهل البلد الأصليون … وتم تدجين الكل اليهودي على ان يخاف من كل شيء وان لا يأتمن لاحد … تاريخ اليهود وملاحقتهم في أوروبا عبر عشرات السنين وصولا إلى الجرائم النازية الوحشية ضدهم، سهل مهمة الايدولوجيون الصهاينة في بلورة استراتيجية الخوف لبناء "اليهودي الجديد" .

اليوم يراقب المشاهد في اسرائيل ارهاصات هذه الاستراتيجية، استراتيجية الخوف، في كل مكان وبتضخم مبالغ مقصود لا تراه في أي دولة أخرى في العالم… تراه وتراقبه في حمل الجنود للسلاح في الشوارع والأماكن العامة والمواصلات العامة وحمل قطعان المستوطنون السلاح على شاكلية الكاوبوي الأمريكي… وتراه وتراقبه أيضاً بالتفتيش الصوري امام الأماكن العامة والمحلات التجارية والدوائر الحكومية إلخ …

استراتيجية زرع الخوف في نفوس الأفراد لإجبارهم على الذوبان في الكل الأكبر وخلق النحن من رحم ألانا، اصبح فرع اقتصادي كبير في اسرائيل يعمل به عشرات الآلاف من الشباب والشابات… وهنا لا اقصد الأجهزة الأمنية التابعة للدولة… اليوم أصبحت إمكانيات التخلي عن استراتيجية الخوف في اسرائيل صعبة جداً ومرتبطة بالتخلي المباشر عن عشرات الآلاف من العاملين في مجال "الحفاظ إلى الأمن" او بكلمات أخرى ; هؤلاء الذين يعملون على ان يبقى الخوف حاضر في كل مكان.

ترويض المواطن على الخوف لربطه بالمجموعة ( الكوليكتيف ) وتقليل إمكانية تأقلمه مع محيطه وإمكانية ان ينظر إلى واقعة ببراغماتية وتقزيم احتمال ان يبدأ بالتفكير الواقعي حول مكانه ووجوده وحول مستقبله ومصيره وصل في اسرائيل حدود الانفصام الشخصي ( الشيتسوفرينيا).

هذا "الانفصام الشخصي" تراقبه جلياً عندما تزور القرى والمجمعات السكنية اليهودية في الجليل وفي أماكن أخرى في اسرائيل… اذ ان هذه المجمعات السكنية تحاط بسياج عالي ويمكن دخولها فقط عبر بوابة معينه!

بعد اكثر من سبعين عام ما زال المغتصب لا يشعر بالأمان، حتى في "دولته" المدججة بالسلاح والمسلحين… وما زال يستعمل استراتيجية الخوف كمغناطيس لكي لا يتفكك المجتمع إلى اشلاء ويبدأ يطرح أسألة حول واقعه ومستقبله… ظاهرة السياج والبوابة لا تراها في هذه الصورة في أي مكان اخر بالعالم ولا في أي دولة… ترى امر مشابهاً ببعض دول امريكا اللاتينية التي تفصل احياء الأغنياء عن احياء الفقراء … لكن الدافع هناك طبقي اخلاقي وفي اسرائيل الطابع هو استعماري استيطاني اغتصابي… كما كان الحال علية في أفريقيا الجنوبية.

في مراقبة ارهاصات استراتيجية الخوف في اسرائيل بجوانبها المتعددة وأشكالها المختلفة تتذكر قول الكاتب الكبير احمد مطر : أثنان في أوطاننا يرتعدان خوفاً من يقظة النائم : اللص والحاكم !

المفارقة الأخرى التي اثارت انتباهي في هذا السياق هي ان الأكثرية الساحقة من الأقلية الفلسطينيه في الداخل الفلسطيني يسمون هذه القرى والتجمعات السكنية، خصوصاً تلك التي بنيت بعد ثورة يوم الأرض، بالمستوطنات… هذا يحدث باللاوعي … ويستعمل هذا المصطلح، مستوطنات، الشاب والعجوز، العامل والمتعلم، الرجل والمرأة ، الغني والفقير، ابن المدينة وابن القرية… مفارقة لا يجب الاستخفاف بها خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان اللاوعي يعبر في اغلب الأحيان عن مصداقيه النظره والتقييم اكثر من الوعي… الاقليه الفلسطينيه تتعامل مع هذا الواقع حسب المثل الفلاحي الأصلي : عمر العدو ما بصير حبيب.

الجليل 17/6/2019