نهفات السائق أبي بقلم: السفير منجد صالح
تاريخ النشر : 2019-06-17
نهفات السائق أبي بقلم: السفير منجد صالح


نهفات السائق أبي

-         أنتم لا تعرفون أبي في قيادة السيّارة!! إنّه نهفة من نهفات الزمان!! إذا أردت أن تضحك، فإركب مع أبي في السيّارة. وإن أردت أن تبكي، فإركب مع أبي في السيّارة. وإن رغبت أن تغضب، فإركب مع والدي في السيارة. وإن أردت أن "تبوز أعصابك"، فما عليك إلا أن ترافق أبي في نزهة أو "مشوار" بالسيارة. فمن الممكن أنه، ربما، "ربنا يرحمكما الإثنين كلاكما أو أحدكما"، على أقل تقدير. علّق "ساري" على قيادة والده للسيّارة، والضحكة "تفطُّ" من فمه المفتوح على مصراعيه، في جلسة أُنس وسمر مع أصدقائه.

قبل أسبوعين، رافق "ساري" والده الى معرض السيّارت. يُريد أن يشتري سيّارة جديدة. فهو مغرم بالسيّارات الجديدة. يُحبّ أن يركب "ويتفشخر" في ركوب السيّارة الجديدة. وهذه عادة، صفة، لازمته منذ أكثر من ثلاثين عاما، عندما كان يعمل في أبو ظبي.

ومع أن والد ساري قد تجاوز عتبة الستين، إلا أن عشقه ما زال منصبّا على السيارات الجديدة. وأيضا الأحذية اللامعة. في نفس اليوم الذي يشتري فيه سيّارة جديدة، يذهب مباشرة الى معرض للأحذية ويشتري حذاء جديدا لامعا. ويُفضّل أن يكون مطابقا للون السيّارة الجديدة، أو على الأقل، لون قريب من لون السيّارة.

إختار والد ساري سيّارة هونداي سوناتا خمرية اللون. فالبلاد تعجّ بالسيّارات الكورية الجنوبية. أسعارها معقولة. هونداي على رأسها. الى جانب سيارة "الكيا"، طريّة الثمن. لكن والد ساري يفضّل الهونداي على الكيا. قبل سنوات كان يلتبس عليه الأمر بين سيّارة هونداي الكوريّة وسيّارة هوندا اليابانية. لكن مع خبرته المضطردة في شؤون وعالم السيّارات، بدأ يُفرّق بين الهوندا والهونداي، لكنه حتى هذه اللحظة ليس مُتأكّدا من تصنّع من؟؟ كوريا أو اليابان. وعندما يُسأل عن الموضوع، يُجيب:

-         ما أدراني؟؟!! فاليابنيّون عيونهم مشقوقة، والكوريّون عيونهم مشقوقة. وحتى شعار الهوندا مشابه لشعار الهونداي. ربما شعار الهونداي يرقص قليلا وشعار الهوندا ثابت في مكانه!!!

إمتطى والد ساري السيّارة الخمريّة الجديدة. ساري الى جانبه. ساري ودون أن يقول أبوه شيئا كان يعرف الى أين سيتّجه والده مباشرة. الى معرض للأحذية، للبحث عن حذاء خمري اللون. من السهل الحصول على سيّارة خمرية اللون، لكن الحصول على حذاء خمري اللون، لن تكون مهمة سهلة، إذا لم تكن شبه مستحيلة.

دخل ساري ووالده المعرض رقم خمسة بحثا عن الحذاء الخمري. في أربع معارض سابقة لم يجدا أثرا للون خمري. ولا حتى في الخامس. بدأت علامات الضجر والحنق تبدو واضحة على وجه والد ساري، وعلى حركة يدية المرتجفة. "الصفقة" ستبقى ناقصة دون الحذاء!! ينقصها الحذاء الخمري. سيذرع المدينة طولا وعرضا حتى يجد هذا الحذاء "اللعين".

واصل والد ساري رحلة البحث عن الحذاء الخمري. كان يعرف معرضا على طرف مدينة رام الله بإتجاه الطريق المؤدي الى نابلس والشمال. داس على "دعّاسة" بنزين السيارة. تجاوزت السرعة الثمانين كيلومترا داخل المدينة. يبدو أنّه يُفرغ شحنة غضبه وعصبيّته ويحرقها مع أشتعال "بوجيّات" سيارته الجديدة.

تجاوزت عنه مسرعة سيارة فيات بيضاء اللون. حجمها أصغر من حجم سيّارته. وهي بالتأكيد أقدم من سيّارته. بدا أن سائق الفيات قد إقترب من السيّارة الخمريّة حين تجاوزه. جن جنون والد ساري من هذه "الوقاحة". من هذه "الرعونة". كاد يمكن أن "يخشط" السيّارة الجديدة. ضغط والد ساري على "زامور" سيّارته بصورة متواصلة، عصبيّة، جنونيّة، كي يُنبّه سائق الفيات الى خطئه الشنيع. داس على "دعّاسة" بنزين السيّارة. لن يعتق هذا السائق "المارق". تجاوزه و"كسر" بالسيّارة أمامه. أقفل عليه الطريق. أحكم عليه الطوق.

هبط من السيّارة مسرعا كالبرق. ودون أن ينبس ببنت شفة إقتحم "طمبون" سيارته الجديدة الخلفي. إستلّ منه مفتاح "الجك" الجديد. .يبرق من لمعان حداثته، كالسيف يعكس أشعة شمس يوم لاهب. هجم على سيّارة الفيات كي يقتص من السائق المشاغب. ما أن وصل سيّارة الفيات حتى دلف منها أربعة شبّان عمالقة. مفتولي العضلات. أصغر واحد فيهم حجما يفوق حجم والد ساري بثلاثة أضعاف. والد ساري نحيف متوسّط الطول، وزن الريشة. أما الشباب فهم حجم ووزن الدبّابة.

كان الشباب الأربعة، الظرفاء، يبتسمون وهم يرون أمامهم هذا القزم الذي يلوّح بمفتاح "الجك" أمامهم، في وجوههم،  وكأنه بهلوان يقوم بتمثيل وصلة فكاهة في سيرك متحرّك في الشوارع. إقترب منه أحدهم وقال له ملاطفا:

-         لماذا أنت غاضب يا عم؟؟!! نحن جاهزون لما تُريد. قالها وهو يحاول أن يعصر ضحكة تداهم فمه.

-         كدّتم أن تضربوا سيّارتي الجديدة. هذا إستهتار وعار عليكم. أجاب القزم، أقصد والد ساري وهو ما زال يُلوّح بالسلاح الأبيض في يده.

-         نحن نعتذر لك يا عم. لم يكن قصدنا. والحمد لله أنّها جاءت سليمة. "ومبروك السيّارة الجديدة". أردف الشاب بكل تهذيب وهو ما زال يبتسم.

-         طيّب، طيّب. خلص. إذهبوا. روحوا. أصلا أنا مشغول. "لازم ومن كلّ بُدّ" أن أجد هذا الحذاء الخمري.

ساري وخلال كل هذه اللقطات المسرحيّة التي لعبها أبوه بإتقان وإقتدار، كان منكمشا صامتا بجانب السيّارة الخمرية الجديدة، يدعو ربّه أن لا يرفع أحد هؤلاء العمالقة ذراعه ويهوي بها على صدغ والده " الغلباوي" النزق. ولكن ربّنا ستر. هذه المرّة سلمت الجرّة ووقع والده مع شباب حضاريين ظرفاء، تفهّموا وضعه، وإعتبروها طرفة ليس إلّا. ولكن ليس في كل مرّة تسلم الجرّة.  

"الصفقة" لم تكتمل. بقيت ناقصة. ينقصها الحذاء الخمري. بعد البحث والتقصّي والزيارات لأكثر من عشرة معارض أحذية، لم يجد أبو ساري مطلبه، "الحذاء الخمري".

-         إستغفر الله العظيم. ما في حظ!!! قال أبو ساري لإبنه، الذي يشعر بالتعب بعد زيارة كل معارض الأحذية هذه.

-         يا بابا. أنا بأقول إنّه ربما في يوم آخر تجد هذا الحذاء. لقد تعبنا من كثرة ما دخلنا وخرجنا من معارض الأحذية. يبدو أنه يوم أغبر من جهة الحذاء الخمري. لقد إنشقّت الأرض وبلعت اللون الخمري!!! أجاب ساري متذمّرا متبرّما.

-         طيّب، طيّيب. فلنذهب للبيت بنصف صيد. صدنا السيّارة الخمريّة، وبقي الحذاء الخمري طليقا. لم نعثر عليه، في أنحاء رام الله. أعتقد أنه يتوجب علينا البحث عنه في نابلس أو الخليل. أردف الأب بنبرة تفاؤل.

-         أو ربما توصي على حذاء خمري تفصيل في أحد المشاغل في الخليل. قال ساري وكأنه وجد الحل.

-         لكنني أفضّل الأحذية الإيطالية أو الإسبانية. أجاب والد ساري بنوع من الحزم.

والد ساري يُحبُّ أن "يتفشخر" ليس فقط بسيّارته الجديدة، ولكن أيضا بحذائه الجديد المطابق للون السيّارة. لكنه هذه المرّة لن يستطيع فعل ذلك. فموضوع الحذاء الخمري بقي معلّقا الى إشعار آخر.

بعد حوالي الشهرين من شراء سيّارة الهونداي سوناتا الخمرية، ذهب ساري، بصحبة عائلته، لزيارة عمّته التي تسكن في قرية الّلبن. والد ساري يقود السيّارة بالطبع. ومن غيره يمكن أن يقود السوناتا الخمرية؟؟!! لا أحد يتجرّأ على مجرّد طلب قيادتها. فهذا الطلب "خط خمري"، أقصد خط أحمر. لا يسمح أبو ساري لأحد تجاوزه. ولا حتى في منامه وأحلامه.

كان الطقس ماطرا. مطر خفيف أقرب الى الرذاذ. لكن الطريق مبتلّة. بعض المقاطع من الطريق مبتلّة تماما، وبعضها شبه جافة. ربما بحسب السحب الماطرة التي ظللت هذا المقطع أو ذاك من الطريق. سبحان مسيّر الغيوم.

كان والد ساري، والحالة هذه، يقود السيّارة الخمرية بسرعة معتدلة، لا تتعدّى الثمانين كيلومترا في الساعة. ربما بسبب الطريق المبتلّة، وحرصه على عدم السرعة والإنزلاق على الطريق. وربما بسبب توجيهات إم ساري التي كانت بجانبه. تُنبهه من حين لآخر أن خفف السرعة.

تُثرثر معه منذ أن خرجوا من البيت. أم ساري في حديثها معه لا تضع ولا تحب النقاط، أو الفواصل. تتكلّم بإستمرار وكأنها رشاش 500 ذو مخزن لا ينضب. أُذن أبي ساري اليمنى المحاذية لقذف رشاشها بدأت تلسعه. بدأت تُؤلمه. ربما بدأ يسمع فيها أقل. ودّ لو أنّه يستطيع نقل إم ساري الى جهة اليسار. يحذفها الى يساره. أي الى خارج السيّارة.

لكنّه لا يستطيع. فإم ساري لها نصيب الأسد في السيّارة. لقد دفعت أكثر من 70% من ثمنها، من مالها الخاص. ورثت ورثة محترمة عن أبيها. لكن إم ساري لا تُجيد القيادة. لهذ فإن أبا ساري، من هذه الناحية، يُسيطر على السيارة وتحركاتها سيطرة تامة، إلّا اذا غضبت منه "المدام". وقتها يمكن أن تحتجز مفاتيح السيّارة عدة أيّام حتى ترضى.

أدركتهم حافلة مسرعة، من نوع مرسيدس. تعدّت السيّارة الخمريّة كأنها سهم إنطلق من قوس مشدود. "طرطشت" جانب السيارة الخمريّة من جهة اليسار. من جهة السائق. السائق أبو ساري. دخل بعض من رذاذ المطر المتسخ بذرات الطين عن الطريق، من شق الزجاج المحاذي لأبي ساري. ودهن خدُّه الأيسر بحبيبات الطين.

جُنّ جنونه. بدأ يشتم سائق الحافلة "من تحت الزنّار". داس على دعّاسة البنزين. على "الصاجة". يُريد أن يّدرك الباص اللعين. لكن هذا من المستحيل. فباص المرسيدس كاد أن يختفي. سائق السيّارة الخمرية مصمم على اللحاق بالحافلة "المتّهمة"، مهما كلّف الثمن.

بدا لأبي ساري طريقا متفرّعا جانبيا أمامه على يمينه. قدّر، ولا أحد يعرف لماذا وكيف؟؟!! أن هذا الطريق الجانبي سيؤدّي به الى طريق مختصر يقطع بواسطته مساحة أطول تُتيح له أن يسبق حافلة المرسيدس، وأن ينتظرها حتى تصله كي يوقع على سائقها العقاب والثبور. لكنه بدل ذلك، وبعد أن قطع حوالي ثلاث كيلومترات، وجد نفسه، تماما، في مدخل مستوطنة. ورشاشات اربعة من الجنود المتأهبين المتحفّزين مصوبة نحو رأسه ورؤوس مرافقيه.

تحدّث معهم، بصوت مرتجف، باللغة الإنجليزية. وأفهمهم أنّه لا يعرف المنطقة. حاول أن يسلك طريقا مختصرا، لكنه تاه. الجنود وبحكم أن المركبة مليئة بأفراد العائلة صدّقوا روايته. ودلّوه على الطريق كي يخرج من هذا المأزق الموحل الذي سار إليه برجليه. وهذه المرّة أيضا سلمت الجرّة. لكن ليس في كل مرّة تسلم الجرّة.

سلمت الجرّة مع الجنود المدججين بالسلاح، لكن ليس مع أم ساري المدججة بلسان بأربعة شُعب. صبّت جام غضبها عليه، وهددته بأنها "ستسلخ " منه المفاتيح، مفاتيح السيّارة أسبوعا كاملا. ستحرمه أن يهُزّ مؤخرته على كرسي السيّارة. وربما قد يصل بها الأمر أن تسلخ جلده هو نفسه.

لم تغضب أم ساري وحدها، بل أن ساري شاطر أُمّه غضبها وإستهجانها لما فعله أبوه، الذي كاد أن "يؤدي بهم في شربة ماء"، لولا ستر الله، وتفهّم الجنود الذين تحدّثوا قبل أن يُطلقوا النار. في حالات أخرى مشابهة، يُطلقون النار، ثمّ يتحدّثوا.

ساري إتّخذ موقفا متطرّفا، فبعد الإنتهاء من زيارتهم لعمّته، "حلف يمين" أنّه لن يعود راكبا مع أبيه، حتى لو كلّفه الأمر أن يعود للبيت ويقطع عشرات الكيلومترات مشيا على الأقدام. وهكذا كان، رغم توسّلات أمّه ووعدها له بأنّها ستتخذ الإجراءات الضرورية الصارمة ضد والده، لتردعه عن تكرار مثل هذه "النهفات".

بعد حوالي أسبوعين من تلك الرحلة "المحسودة"، صدم أبو ساري السيّارة الخمرية في عامود كهرباء. هو يُفسّر ذلك الحادث بأنه كان "سائرا في أمان الله"، وفجأة قفز العامود اللعين أمامه، فصدمه. لم يجد لا الوقت ولا المسافة كي يتفاداه. فإحتضنت المركبة الخمرية عامود الكهرباء بشغف وقوّة. فتهشّمت واجهتها الأماميّة، وتضرر المحرّك.

أدخل أبو ساري السيّارة الى "الكراج" للتصليح. لتصليح "البودي" وتصليح "الموتور". ستمكث في كراج التصليح على الأقل عشرة أيام، حسب رأي الميكانيكي المختص، الذي عاينها. عشرة أيام مدة طويلة، دون أن يستطيع أبو ساري من "حكّ" مؤخّرته في كرسي السيّاره. لن يستطيع الصبر، الى جانب أن "وراءه مشاوير" عدّة؟؟!!

بعد أسبوع ظهر أمر طاريء لأبي ساري يتوجّب أن يقضيه في مدينة نابلس. واحد من "مشاويره". لم يُريد أن يذهب بالمواصلات العامة. "بريستيجه" لا يسمح له بذلك. طلب من أخيه أبي العبد أن يُسلّفه سيّارته بضع ساعات. أبو العبد كان قد إشترى سيارة "غولف" رصاصية اللون بعد شراء شقيقه السيّارة الخمرية بحوالي الشهر. أي أن سيّارة الغولف الرصاصية بالكاد كانت قد فُضّت بكارتها. ما زالت جديدة تلمع لمعانا.

-         أنا سأُعطيك السيّارة. لكن أرجوك أن تُحافظ عليها. فأنت منذ أسبوع قد هشّمت سيّارتك. قال أبو العبد مخاطبا شقيقه.

-         ولوّ!! لا تخاف. سأحافظ عليها. وسأرجعها لك كما أخذتها. ثق بي. أجاب أبو ساري شقيقه "بطنّ" من الثقة.

فعلا. ذهب أبو ساري الى نابلس وعاد بالسيّارة الرصاصية "عال العال". لم يتسبب إليها بأيّ مكروه. قادها الى بيت شقيقه. نادى عليه كي يشكره ويُرجع إليه السيارة كاملة غير منقوصة، ولا "مخطوشة". شقيقه لم يكن بالبيت. خرج إبن شقيقه الشاب وقال له:

-         عمّي. الوالد غير موجود. لكن بمكنك أن تُسلّمني السيارة. شكرا. وأنا سأدخلها في الكراج.

-         لا والله. أنا سأدخلها في الكراج بنفسي. أجاب "العم السائق الماهر".

-         لكن يا عمّي مدخل الكراج صعب. المسافة قصيرة أمامه. وأنت لست متعوّدا عليه. حاول الشاب إفهام عمّه.

-         باطل!!! والله أنا من سيدخلها الكراج. "هيّ طيّارة ولّا سيّارة"؟؟ أجاب أبو ساري باصرار شديد.

رجع "السائق" النزق قليلا الى الوراء. ثمّ إنحرف الى اليمين كي يُدخل السيّارة الرصاصيّة مباشرة في الكراج دون توسيع "اللفة". إصطدمت السيارة من منتصف جانبها الأيمن في جدار الكراج البارز وإلتصقت به. أبو ساري بدل أن يوقف المركبة ويعطيها لإبن شقيقه كي يتصرّف بمعرفته. أو حتى أن يتوقف ويرجع للوراء شيئا فشيئا حتى لا يتضرر الباب الخلفي. بدل ذلك، داس على دعّاسة البنزين كي يُدخل السيارة للكراج بالقوّة، ليس بالعقل والمنطق. "ففطّ" الباب الخلفي الأيمن، وأنسلخ عن السيّارة.

بعد قليل وصل شقيقه الى البيت. لا يعرف شيئا عن ما حدث. أبو ساري كان في أنتظاره. وقبل أن يسأل أو يقول شيئا، بادره أبو ساري قائلا:

-         سأقول لك شيئا، لكن أرجوك أن لا تغضب. قالها بصوت خفيض حزين.

-         لا تقل لي شيئا. قال أبو العبد مباشرة. أكيد أنّك "ضربت" السيّارة.

-         أنا آسف يا أخي. أنا مستعدّ لتصليح السيّارة.

-         لا تُصلّحها ولا ما يحزنون. لكن حذار أن تطلبها منّي مرة أخرى. حتى لو إنطبقت السماء على الأرض!!! أردف أبو العبد بغضب يكاد أن يُفجّره.

طأطأ أبو ساري رأسه. مشى بخطوات بطيئة متثاقله. بدأ يبتعد عن موقع السيّارة الرصاصية، الرابضة قسرا في الكراج بثلاثة أبواب فقط. تمتم وهو مستمر في الإبتعاد:

-         يا إلهي. ما هذا النحس؟؟!! السيّارة الرصاصية ستدخل الكراج للتصليح. وسيّارتي الخمرية في الكراج، في التصليح. بعد أن أستعيد سيّارتي معافاة، فإن أول شيء سأقوم بفعله. أن أُعاود البحث عن الحذاء خمري اللون!!!