هل يستوعب الجيش الإسرائيلي الدروس المستفادة من العمليات العسكرية؟ بقلم: رامي أبو زبيدة
تاريخ النشر : 2019-06-17
هل يستوعب الجيش الإسرائيلي الدروس المستفادة من العمليات العسكرية؟ بقلم: رامي أبو زبيدة


هل يستوعب الجيش الإسرائيلي الدروس المستفادة من العمليات العسكرية؟

الكاتب والباحث بالشأن العسكري

رامي أبو زبيدة

فوجئَ الجيشُ الإسرائيليُّ مرارًا وتكرارًا خلال مواجهته فصائل المقاومة، وكانت المفاجأةُ بسبب الفرق بين المعرفة والفهم، وصعوبة استيعاب أهمِّيَّة التَّهديد، وعدم استعداده لذلك، ونلحظ بعد كل عمل عسكري يخوضه الجيش الصهيوني يعلق العسكريون بالجيش "لقد تم دراسة العملية واستخلاص الدروس المستفادة منها ونعمل الآن على تنفيذها" .

في هذا المقال، من خلال متابعتي للتَّقارير العسكريَّة الإسرائيليَّة وتحليلات المختصّين العسكريّين الإسرائيليّين، أحاول دراسة طرق وأدوات الجيش الإسرائيلي في إدارة الدروس المستفادة من المعارك مع المقاومة، خاصة بعد الكثير من الانتقادات العلنية للجيش، وهل يتعلم الجيش الإسرائيلي حقا من الدروس؟ وهل الدروس التي يستخلصها صحيحة؟ وهل إذا تصرف الجيش وفقًا للدروس المستفادة وتم تنفيذها فسوف يستعد للحرب القادمة؟

بعد كل عملية عسكرية يبدأ الجيش في تحديد الدروس المستفادة سواء كانت هذه العملية محدودة أو موسّعة، مباشرة أو غير مباشرة، وبالتالي لا يمكن الجزم بأن الدروس المستفادة منها قابلة للتطبيق في الحرب القادمة.

يقول اللفتنانيت كولونيل دوتن دورك مرشد أكاديمي لدورة القيادة والأركان: "عدم قدرتنا على مراعاة المنظور التاريخي والمستقبلي بشأن القضايا يقودنا إلى مواجهة التحديات دون استجابة مناسبة ولذلك نتفاجأ في كل مرة، كما حدث بالتحدي المتمثل في التعامل مع الأنفاق في إطار المواجهة المستمرة في قطاع غزة، وحرب لبنان الثانية، وعملية الرصاص المصبوب، وعملية الجرف الصامد، والتحدي المتمثل بتنظيم وتطوير قدرات القوات البرية. صحيح أن عملية التعلم واستخلاص الدروس وتنفيذها تتم بطريقة تمكننا من تقليل المفاجآت لقواتنا في الحرب وزيادة الفعالية التشغيلية للقوات".

بمراجعة سريعة لعدد من المعارك التي خاضها الكيان الصهيوني، نلحظ العديد من الحالات التي فاجَأت الجيش الإسرائيلي على الرغم من معرفته بها، فخلال الحروب والمواجهات التي خاضها الجيش الإسرائيلي منذ إنشائه حتى الآن صُدِم بعددٍ لا بأس به من المفاجآت مختلفة الأنواع، منها اندلاع الحرب بشكل مفاجئ كما حدث في حرب أكتوبر 73، ومنها ضرب صاروخ C-802 على البارجة البحريَّة في حرب لبنان الثانية 2006، وكذلك استخدام الأنفاق في حرب غزة 2014م، ويرى الإسرائيليّون أنَّ المفاجأة لا تحدث سهوًا لدى الاستخبارات لديهم، فالكثير من حالات التَّحقيق بالتَّهديدات كانت معروفةً لدى استخبارات العدوِّ ولدى القادةِ الميدانيّين والقيادة السِّياسيَّةِ العليا، ولعلَّ أكثر مثلٍ يضربُه الاحتلال الإسرائيليُّ هو تهديد الأنفاق الهجوميَّة من قطاع غزَّة التي استُخدِمت خلال حرب غزة 2014م، وتوضِّح هذه الحالة وغيرها من الحالات حجم الفجوة الكبيرة بين الاعتراف بالتهديد وفهمه واستيعابه أثناء القتال، فهناك فجوةٌ بين النَّظرة السّائدة والواقع في ميدان القتال، وهناك منافسةٌ بالتَّعلُّم واستخلاص الدروس المستفادة، وتقدير الموقف، وأخذ العبر بين الجيش الإسرائيلي وقوى المقاومة، وكجزءٍ من هذه المنافسَة يحاول الاحتلال الإسرائيلي تعديل عقيدته القتاليَّة على المستوى التَّكتيكيّ، ويتمُّ التغيير المنهجيُّ في هويَّة (العدوِّ) وطابعه العسكريّ، ويسعى لضبط تصوُّر الردّ على هذا التَّغيير، ووفقًا لقيادة العدوّ العسكريَّة فإنَّهُم نجحوا بالفعل في الجزء الأكبر من المهمّة، وتمَّ تحديد التغيُّر في البيئة، غير أنّه ما زال هناك تأخُّرٌ في فهم الفرق بين التغيير ونماذج استخدامها، وبعبارةٍ أخرى هناك فجوةٌ بين التغيّر في طبيعة البيئة الاستراتيجيَّة والنَّهج النظاميّ المستخدم في الجيش الإسرائيليّ.

يرى المحللون العسكريون الاسرائيلية أن بناء القوة العسكرية والاستعداد هي مسألة قرار حول السيناريو الذي سيتم فيه بناء القوة العسكرية من خلال: قيود الموارد، والقيود المادية والبشرية، وقدرات التكنولوجيا في (إسرائيل)، يرتبط ذلك أيضًا بالعلاقات التجارية العسكرية مع الدول الأخرى ، وخاصة الولايات المتحدة.

بناء القوة العسكرية، إذن هي نوع من التسوية بين ما هو مطلوب من أجل بناء القوة العسكرية للتعامل مع جميع التهديدات المحتملة، والقدرة الفعلية على الحفاظ على هذه القوة، وبالتالي في أي وقت يتم إدارة المخاطر لذلك ، حيث يتم بناء القوة العسكرية في ضوء السيناريو المرجعي الذي يحدده رئيس الأركان، في ضوء توجيهات المستوى السياسي .

على سبيل المثال، سيناريو بناء القوة للقتال على الجبهة اللبنانية، ذلك يتشكل من خلال طبيعة حزب الله وقدراته العسكرية وبنيته التحتية القتالية والأسلحة التي يمتلكها وطبيعة الأرض اللبنانية وما إلى ذلك من الأسس الذي تستند إليها مبادئ بناء القوة العسكرية، لذلك ، فإن استخدام القوة العسكرية التي تم إنشاؤها للقتال في لبنان سيتطلب تعديلات معينة إذا ما حدثت مواجهة في غزة او الضفة الغربية، حيث تتميز غزة والضفة الغربية بعدو مختلف وبنية تحتية مختلفة وخصائص أخرى للأرض غير التي تم فيها بناء السيناريو للقتال على الجبة اللبنانية.

كما أن تعزيز القوة سيكون مختلفًا إذا كانت خطط الحرب تدور حول عملية لتدمير الأنفاق بالقرب من الحدود، كما حدث في حرب غزة 2014 ، أو أنها سوف تحتوي على مناورة ارضية واسعة النطاق مثل تلك التي تم تنفيذها في حرب الأيام الستة.

يقول اللفتنانيت كولونيل دكتور دوتن دورك في دراسة اعدها حول عملية استخلاص الدروس من العمليات العسكرية، أنه من خلال عمليات التفتيش المختلفة التي تقوم بها هيئات الرقابة الداخلية والخارجية، يظهر العديد من أوجه القصور في استعداد الجيش لأداء مهامه المختلفة، بسبب التوصيات التي تمت في بناء القوة العسكرية، وكذلك في إدارة المخاطر وفقا للتوترات المختلفة، على سبيل المثال، مراقب الدولة، القاضي يوسف حاييم شابيرا، الذي علق في تقريره حول عملية "الجرف الصامد" بأن الفجوة في استعداد القوات للتعامل مع تهديد الانفاق كانت معروفة للجيش ونشرت في تقرير سابق منذ عام 2007. ومع ذلك ، أشير إلى وجود عيوب وتقصيرات خطرة في استعداد الأجهزة الأمنية للتعامل مع هذا التهديد في الأعوام التي سبقت عملية "الجرف الصامد" العسكرية التي قام الجيش الإسرائيلي بشنها في قطاع غزة في صيف 2014 وخلال العملية .

ويضيف دوتن دورك: "إن الاحتكاك الشديد في ساحة المعركة والالتقاء بالتحديات التي كانت معروفة من قبل و القدرة على التعامل معها تزيد من حدة الفجوات وطرق المواجهة المفترض العمل بها، فالحروب والمعارك تكشف الكثير من الفجوات والتحديات بين الوضع المرغوب واستعداد القوات والوضع الحالي فقد كانت حرب لبنان الثانية نموذجا لذلك، حيث دخلت القوات البرية الحرب بفجوات على جميع المستويات: من قادة الألوية والطائرات بدون طيار والافتقار إلى الخبرة ومشغلي الأسلحة في القيادة والسيطرة على الوحدات القتالية وحجم الثغرات في المناورات الارضية .

باعتقادي هناك عدَّة أسبابٍ لفشل العدوِّ في التَّنبُّؤ بساحة المعركة المستقبليَّة:

منها الإِخفاقات الاستخباراتيَّة، والفشل في اتّخاذ القرار، وإخفاقات الجندي نفسه، ويتمُّ التَّعبير عن إخفاقات الجنديّ في عدم فهمه للتَّعليمات وما يترتَّبُ على ذلكَ مِن تَرجمةٍ خاطئةٍ على أرضِ الميدان، والتحيز المحتمل لدى القائمين على عملية استخلاص الدروس بحيث يميلون إلى استخلاص الدروس التي تكمن وراء تفكيرهم، وتعزيز الاتجاهات التي يعملون فيها، وبالتالي، لا يوجد اختراق جدي ونوعي، ولكن تحسن تكتيكي في الأداء.

كما يرى عدد من الخبراء العسكريون، أن الافتراض بوجود ثغرات معروفة بإدارة المخاطر في بناء القوة والقدرة يؤدي مع اندلاع الأعمال العسكرية، أن تحاول الاجهزة الرقابية بتحديد الدروس المستفادة بسرعة لبناء القوة والاستعداد، من أجل الحصول على الموارد اللازمة من خلال الميزانيات المفتوحة، هذه الخطوة صحيحة من ناحية، وتمكّن من زيادة سريعة نسبياً في مستوى تأهب القوات ، ولكن من ناحية أخرى يوجد خطران مهمان:

1 من المحتمل أن تأخذ هذه الخطوة الموارد التي كان من المناسب أن تستثمر في قضية أخرى مهمة وأكثر نفوذاً في بناء القوة للحرب القادمة.

2. قد يكون الدرس المستفاد غير مكتمل بسبب عدم وجود عملية احترافية وكاملة لدراسة الموضوع والتحقيق فيه.

في سياق القتال يرى المختصون العسكريون أنه ينبغي قصر قرارات بناء القوة فقط لأغراض القتال المستمر، والتي قد تتطور على المدى القريب، وتجنب اتخاذ القرارات بشأن الدروس المستفادة من بناء القوة على المدى المتوسط والطويل، وأنه سيكون من الصواب انتظار إجراء تحقيق مهني في عملية القتال، وتقييم التوصيات المختلفة للدروس، ودراسة الموارد، والتأكد من أن سيناريو بناء القوة محدّث، وبعد ذلك فقط يتم تنفيذ التوصيات اللازمة لبناء القوة.

يقول العميد ساعر تسور، قائد فرقة الاحتياط 252 "من الممكن القول إن هناك فجوات كبيرة في الطريقة التي يتم بها تخطيط وإدارة الدروس المستفادة من الحروب والعمليات في الجيش الإسرائيلي بشكل عام وفي القوات البرية بشكل خاص، وان هناك فجوة في استيعاب الدروس وإخفاقات ميزت عملية التعلم من الدروس المستفادة خلال المعارك العسكرية، بالإضافة لمسألة ثقة القادة وضباط الأركان بالدروس المستفادة ويظهر صعوبة لدى القادة في استيعاب هذه الدروس".

اللفتنانيت كولونيل دوتن دورك في دراسته التي اعدها حول عملية استخلاص الدروس من العمليات العسكرية وضع عدد من التوصيات يرى انها ستسهم في تحسين ادارة عملية استخلاص الدروس من أهمها : 

• إنشاء هيئات متخصصة تتابع سير القتال أثناء الحرب وتنفيذ القوات لأدوارها أثناء المعارك بحيث يمكنها ان تغيير طرق التعلم والتدريب في ضواء مستجدات القتال الفعلي .

• تقرير المعلومات بعد الحرب، ويتم فيه مناقشة يرأسها قادة الاجهزة والوحدات في حوار مشترك ، من أجل استنفاد عمليات التعلم والتحقيق التي تتبع العمليات. وسيتم تحديد استخلاص المعلومات في ضوء توصية العاملين والقادة فيما يتعلق بالقدرة على استخلاص الدروس وتحسين قدرة الجيش على خوض الحرب المقبلة.

• تقارير العمل الميداني، هذه التقارير تتطلب واقعية من خلال الأحداث التي جرت بالوحدة القتالية خلال العملية، بحيث يجب على القائد الميداني، أن يوصي بالدروس التي يجب استخلاصها من قتال وحدته وحتى القتال بشكل عام. من المهم أن تكتب هذه التقارير في أقرب وقت ممكن بعد انتهاء القتال حتى لا تتأثر بالمزاج السائد بعد العمليات والحروب، بحيث يتم كتابة التقرير وفقًا لشكل ثابت - وهو الأمر الذي يحدث في الجيش الإسرائيلي منذ عدة سنوات حتى الآن ، منذ حرب لبنان الثانية.

• استخلاص المعلومات بعد العملية، من خلال الإجابة على الاسئلة المنصوص عليها في مدى ملاءمة بعض العوامل بالحرب الحالية والقادمة، على أساس أن (العدو) المقاومة هي أيضا في عملية استخلاص للدروس والتعلم محاور هذه الاسئلة هي :

1. أساليب القتال.

2. الأسلحة المستخدمة.

3. تنظيم وطبيعة القوات.

4. التدريب والاستعداد والجاهزية قبل الحرب

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري دراسة ما إذا كان ينبغي إجراء تغييرات في مجال القوى العاملة (العادية ، قوات الاحتياط ، التدريب ، تطوير القادة ، وما إلى ذلك) في ضوء الحرب التي جرت، من أجل الاستعداد للحرب القادمة.

• تحديد فرق التحقيق وتعيين قادة الفرق في ضوء خبرة الضباط، هذا أمر بديهي ، لكن من المهم أن نلاحظ أنه في العديد من الحالات يتم تعيين أعضاء الفريق التحقيق بناءً على طلبات الهيئة المرسلة، وكذلك الأمر بالنسبة للضباط في أدوار الضابط المناوب ، عملية استخلاص المعلومات بعد الحرب ليست مهمة هامشية تتداخل مع العمل اليومي للعاملين، ولكنها المهمة الأكثر أهمية لضمان استعداد الجيش للحرب القادمة لذلك ، من المهم أن يوافق رئيس فريق البحث شخصيًا على أعضاء الفريق، وإذا لزم الأمر، يستبعد ويطلب أن تقوم الجهة المرسل (المقر ، رئيس الوحدة ، إلخ) بدور مناسب.

من الفحص والمتابعة لمدى استيعاب الجيش الإسرائيلي لاستنتاجات الحروب والمعارك وخاصة دروس الأرض يدل ذلك لوجود العديد من الثغرات والفجوات في عملية التعلم والاستجواب واستخلاص الدروس وتطبيقها، هذه الفجوات لدى العدوِّ ليست موجودةً على المُستوى الاستراتيجيِّ فقط، ولكن أيضًا في العمليّات التَّكتيكيَّة،

وعلى ذلك فإنَّه قد تكون هناك عمليات تكتيكية للمقاومة في الحروبِ التي تقع في الوقت الحالي، وقد تكون هناك أحداثٌ استراتيجيّةٌ هامة، وهذا ما كان في حالة اختطاف جلعاد شاليط، فقد تحوَّل الأمرُ من تهديدٍ تكتيكيٍّ إلى مشكلةٍ استراتيجيَّةٍ في ساحة المعركة، تحوِّلُ المفاجأة بالعملَ التكتيكيَّ إلى عملٍ ذي أهميَّةٍ استراتيجيَّةٍ في القتال، فالقتال بحدِّ ذاتهِ يشملُ قدرًا كبيرًا من المعلومات حول العوامل المسبّبة للمفاجأة، حيث يتمُّ تضمينه الأسلحة المبتكرة والتقنيّات القتاليَّة، يتبيَّن من التَّجربة أنَّهُ وعلى مرِّ التاريخ تفاجأ الجيش الإسرائيلي باستراتيجيات وتكتيكات عسكرية جديدة يستخدمها خصمه، وفي كثيرٍ من الحالات أدَّت المفاجأة التكتيكية والاستراتيجية إلى ضرورة إيجاد حُلول فوريَّة أثناء القتال عجزت القوات الاسرائيلية على التعامل معها ميدانياً.