الأسرى والانقسام الفلسطيني بقلم:عبد الناصر عوني فروانة
تاريخ النشر : 2019-06-16
الأسرى والانقسام الفلسطيني  بقلم:عبد الناصر عوني فروانة


"الانقلاب"، "الانقسام"، "الحسم العسكري"، "استعادة السيطرة". فأسموه ما شئتم واطلقوا عليه من المصطلحات ما أردتم. ولكن عليكم أن تدركوا أن الخامس عشر من حزيران/يونيو عام 2007 كان يوماً أسودا في تاريخ الشعب الفلسطيني، وأحدث انقساماً حاداً، ما زلنا نعاني من تداعياته وآثاره وندفع ثمن استمراره. ومخطئ من يظن أن هذا "الانقسام" لم يمتد إلى الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، أو أن آثاره المؤلمة والقاسية، وتداعياته الخطيرة التي أنهك شعبهم لم تتسلل إلى صفوفهم ولم تُنهك قواهم وتمزق وحدتهم.

 الأسرى هم جزء وجزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وامتداد طبيعي لتنظيماتهم وللنسيج الوطني والسياسي والاجتماعي الفلسطيني. يؤثرون ويتأثرون. لذا فالانقسام الذي مزقّ الوطن، وفتت وحدة النسيج الاجتماعي، امتد وتخطى الجدار الشاهقة وخدش وحدة الأسرى داخل السجون، وانعكس سلباً على طبيعة العلاقات الداخلية، وأدى الى تراجع مسيرتهم النضالية، وأضعف من قدرتهم-بهذا القدر أو ذاك-  على مواجهة السجان، وتشتت المواقف وتبعثرت الجهود، وما الخطوات الفردية أو الحزبية إلا انعكاس لهذا الواقع المرير. لهذا لم نعد نرى إضراباً شاملاً يخوضه كافة الأسرى بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية، على الرغم من أن الحركة الأسيرة هي أحوج ما تكون لهذه الخطوة في ظل تصاعد الإجراءات القمعية بحقهم من قبل إدارة السجون في السنوات الأخيرة.

ومما لا شك فيه أن إدارة السجون اقتنصت هذه الفرصة ولم تفوتها، فصعّدت من قمعها واجراءاتها التعسفية وأقدمت على اتخاذ خطوات تغذي "الانقسام"، وتمزق وحدة الأسرى وتضعف قوتهم، فاستفردت بهم وعززت من الفصل فيما بينهم وفقاً للسكن تارة، والانتماء الحزبي تارة أخرى، دون أن نرى أو نلمس خطوات أو مطالبات لإنهاء هذا الفصل والعودة للعيش في أقسام موحدة وغرف مشتركة كما كان ذلك في الماضي القريب.

وخارج السجون، وبسبب "الانقسام" وتداعياته، فلم تعد معاناة الأبناء في سجون الاحتلال توحد الآباء والأمهات وأفراد عائلاتهم خارج السجون. كما ولم تعد آلام المحررين توحد توجهاتهم. ورأينا كذلك مؤسسات أغلقت وعراقيل وضعت وأسرى محررين اعتدى عليهم وزج بالبعض منهم في السجون الفلسطينية. وشعرنا في كثير من الأحيان أن قضية الأسرى لم تعد تجمعنا، ولم تكن كما كانت دوما خطاً أحمر. هذه هي الحقيقة المرة التي يجب أن ندركها ونعمل على تجاوزها. ومع ذلك فهذه الصورة لم تكن ثابتة، ومستوى العلاقة كان متذبذباً خلال سنوات "الانقسام".

ان رسالة الأسرى والأسرى المحررين، كانت وما زالت وستبقى دوما هي: "الوحدة الوطنية أولا، والوحدة الوطنية ثانيا، والوحدة الوطنية ثالثا"، وهم من استشعروا الخطر مبكراً، وحذروا مراراً من تداعيات الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني الذي سبق "الانقسام". ولأنهم الطليعة والأكثر قراءة للواقع والحاضر والمستقبل، أصدروا "وثيقة الوفاق الوطني" التي شكلت لاحقاً أساساً قويا للحوار الفلسطيني – الفلسطيني، ومقدمة مهمة لاستعادة الوحدة الوطنية.

واليوم وكما في كل يوم مضى من عمر "الانقسام"، فإن عيون الأسرى والمعتقلين وعوائلهم، وعيوننا جميعا كأسرى محررين ترنو إلى العاصمة المصرية "قاهرة المعز"، ونثق في دور الشقيقة مصر برعايتها للمصالحة، ونتطلع الى مزيد من الجهود المصرية وكثير من التجاوب الفلسطيني بما يضمن إنهاء "الانقسام" وطي صفحته السوداء واستعادة وحدة الشعب الفلسطيني، بما يخدم مسيرته الكفاحية في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن .

فالأسرى ناضلوا وأفنوا زهرات شبابهم وسنوات طويلة من أعمارهم خلف القضبان من أجل وطن واحد، وشعب واحد، وعلم واحد. لا من أجل وطن ممزق يغيب عنه علم الجميع لصالح تعدد الرايات الحزبية، وشعب يتخاصم فيه الإخوة ويتقاتل فيه المقاتلون.

انهاء "الانقسام" واتمام المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية باتت ضرورة وطنية ملحة لمواجهة تحديات المرحلة واسقاط "صفقة القرن"، والمضي قدما نحو تحقيق أهدافنا المشروعة في الحرية والاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.