انهزامي في أرضيةٍ بيضاء بقلم: أسماء مزرق
تاريخ النشر : 2019-06-16
انهزامي في أرضيةٍ بيضاء بقلم: أسماء مزرق


" انهزامي في أرضيةٍ بيضاء "

إنّها ليلةٌ مُعتمة ممتزجة بأوجاعٍ بالية، اضطُرِرتُ فيها الدخول لمهجعٍ دامي، كنتُ أتضرعُ وصباً وألماً إثرَ ذاكَ المكروب المتصبب بدمي الجاري فيه او كما تسمى "جرثومة " خبيثة تسعى لتخريبي تتمركزُ بِيَدي التي لم تَعُد تقوى على الحركة حتى، فقد التهمت الجرثومة جسدي حتى أناملي لم تسلَم.

وأنا هُنالِكَ شاهدتُ الكثيرَ من المناظر المؤلمة نسيتُ وجعي ومَرضي، بكيتُ وجعاً لحالهم ظللتُ أُناظرُ الوجوهَ المتعبة وبذهني تدور عبارة "حقاً كم نحن لقمة سهلة الالتهام!!" شابٌّ يصرخ من هناك لايقوى على الحركة ، وآخَرُ كسرٌ بوجهه سالت عن أثره الدماء ، وأخرى كُسِرَت قدمها تصرخُ صُراخاً مؤلماً تهتزُ
له الأموات تحتَ القبور ، استوقَفَت ناظري أمٌّ حزينةٌ تَنهَمِرُ من عينيها الجميلتيْن دموعاً غزيرة وهي تدخل رُكنَ الاستعجلات حيث أنا، هي وزوجها وابناً لهم ، تبلَّلَتْ عينيَّ بقطراتٍ على حينِ غفلة واشتدَّ حزني، لا أدري لما..!
وما هي إلا لحظاتٌ قليلة حتى صادفتُ في طريقي شابّ عشرينيّ قويُّ البنية شردتُ بهِ ثوانٍ وهم يجرُّونَ سريرَهُ لغرفةٍ مجاورة، كنت أقِفُ عندها، لقد كان شبه عاجز لا يقوى على الحركة، كلّ مكان يتحرك فيه ثغره كان يتكلم ويستأنس ولم يكُن به أي شيء ، وفجأة رأيت ُ الرجلَ الذي كانَ مع تلك الأم الحزينة يدخل إليه
للاطمئنان عليه وهو يناظره بنظراتٍ حانقة حامية ،يخاطبه قائلاً : انظُرْ إلى حالتك هذه ألم احذرك من ركوبِ الدراجة! أَسفي عليك لاتسمع الكلام !
دار بينهم نقاشٌ قصير يُطَمئِنهُ فيهِ عن حاله أنه لايشتكي من شيء، نعم لقد كان والده، لقد رأيتُ الخوفَ بِعَينيه لم تبتعد عيني لحظة عنه كنتُ أرقُبُ كُلَّ الأحاديث بأدمعٍ لا أدريِ سبَب نزولها وما إن مَرَّت ربع ساعة تقريباً حتى جيئ بأمهِ التي كانت تفيض عيناها دمعاً وخوفاً عليه..
ما إن دلفت الرفة حتى ارتمت عليه باكيةً تعانقهُ بوجوم "إنه كبد الأم" ظَلَّتْ دقائقَ عِدة على تلك الحال أخرجها بعدها واضطُرِرتُ أنا بالغياب عنه بضعَ ساعات، كنتُ أُجري الفحوصات وقلبي كله معلقٌ بتلكَ العائلة المسكينة لا أدري لماذا أحسستُ بالوجع وكأنهُ وجعي وأنه يهمني أن أراه بخير ، بعد الفراغ من الفحوصات عدتُ للمكان نفسه أين وجدت تلك العائلة ؟
آه إنهم لايزالون هنا كانت الساعة تشيرُ إلى الثانية بعد منتصف الليل كانَ الهدوءُ يعُمُّ المكان والظلامُ سيِّدُ الجلسة..لم تُشِعّْ سوى أضواء خافتة وقطرات صغيرة كانت تشقُ الطريقَ للنزول ، إنها دموعها، كم تمنيتُ أن أمنعها من النزول كم تمنَّيتُ أن أحضنها وأطبع قُبلَةً على جبينها وأُناشدها أن لا تبكي فدموعها غالية كثيراً وأنها تورق قلبي وتوجعه.. كم أردت أن أمسك يدها وأهدِّئ
من رَوْعها
أماه دمعك غالي
لطفاً بنا لاتذرفي
أماه..
إن دمعك قد أقامَ مأتماً
داخل صدري وجسدي
أماه أقبل قدميكِ
كفاكِ دمعاً وحزناً
أماه لاترمي الثرى
فإني والله لا أحتمل
إنها الصاعقة الكبرى التي لم أتوقع حدوثَها !
وأنا جالسة وَسْط غرفتي وصلني نبأ وفاته كرصاصةٍ اخترقت جسدي، شعرت وكأنني أحتضر ارتميتُ باكيةً والوجعُ ينَهشُ خافقي ووجداني لا أبداً لم يَمُت قلتها رداً وأنا أرتعش، إنكم تكذبون من أخبركم ذلك هو لايزالُ حياً ؟
لا أريد شيئاً منكم دَعُوني وشأني من ترهاتكم
لا أقوى على التصديق، أرجوك أَجِبني قُل لي أنك لم تَمُت، نعم ستجيبني غداً لديّ موعد هناك بطورِ نفسه سأراك أليس كذالك؟ سأراكَ وأنت َ بحالةٍ جيّدة لا نزيف داخلي اُصِبتَ به ولا جنازةً أُقيمَت ببيتك..أنت لاتزال حياً ترزق أليس كذلك؟
رباه ضائعة وغير مصدقة
أيمكن قد جرى ماقيل لي
رباه ضيقٌ اجتاحَني
ووجعٌ التَهمَني
رباه دمعي قد جَفى
من كثر التهاطلي
رباه مصدومة
دُلّني إلى الحقيقة
رباه قلبي لا يحتمل
ياله من واهن متحسس
وإني لأقبل بها
ولو كانت موجعة