المرأة الجاهلة تنتج جيلاً جاهلاً معرقلاً للحداثة والتطور بقلم:د. كاظم ناصر
تاريخ النشر : 2019-06-15
المرأة الجاهلة تنتج جيلاً جاهلاً معرقلاً للحداثة والتطور بقلم:د. كاظم ناصر


لو أنزل آدم وحيدا إلى الأرض وبقيت حواء في الجنة، لكان الوجود البشري قد انتهى بموته، ولما كانت هناك حضارة إنسانيّة مزدهرة غيّرت وجه الكرة لأرضية؛ إنه التفاهم، والشراكة في التفكير والجهد والعمل، والصراع من أجل البقاء، والحب بين آدم وشريكته حواء هو الذي طوّر هذا العالم وأوجد كل هذا التقدّم والرقي الإنساني. وكما تقول الكتب السماوية، الله طردهما من جنات عدن وحرمهما من السعادة الأزليّة، وأنزلهما في عالم صحراوي موحش، قاس، قاحل ليعمرا الكون عقابا لهما لأنهما خالفا أوامره سبحانه وتعالى وأكلا من شجرة التفاح المحرّمة؛ لكنهما صبرا وكافحا هما وذريّتهما من بعدهما ونجحوا في إعمار كرتنا الأرضية.
التخلّف العام في أي مجتمع إنساني ينتج عن جهل وتخلّف أفراد ه من الرجال والنساء الذين ينقلونه عن آبائهم وأجدادهم ويمرّرونه للجيل المعاصر لهم وللأجيال اللاحقة. ولهذا فإنه لا يمكن لأي مجتمع أن يتغيّر ويتطوّر، إلا إذا عمل على تخليص رجاله ونسائه من الجهل والتخلّف بتعليمهم واعطائهم حريتهم، وساوى بينهم في الحقوق والواجبات، وأيقن ان عزل وتهميش دور نصف أعضائه من النساء وتجريدهن من حقوقهن وتجهيلهن لا يمكن أن يؤدي إلى بنائه وازدهاره.
المرأة الجاهلة تزوّد مجتمعها بجيل جاهل متخلف علما وثقافة وتحضرا لا يستطيع أن يساهم في التغيير الاجتماعي؛ ولهذا فإن المجتمع الذي لا يساوي بينها وبين الرجل، ولا يعلمها، ويعزلها، ويحرمها من حقوقها ومن أداء دورها كمواطنة، ويمنعها من المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والتربوية والثقافية والدينية لا يمكن أن يتطور، ويظلّ يعاني من الجهل والتخلف؛ والدليل على ذلك هو أن معظم الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، واليابان، وكندا، ونيوزيلاندا وغيرها من دول القانون الديموقراطية التي ضمنت حرّية المرأة، وعلّمتها، وثقّفتها، وساوت بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات، وفتحت لها المجال للمشاركة في بنائها، حقّقت مكاسب لا يمكن إنكارها وأصبحت من أكثر دول العالم تقدّما وازدهارا ورخاء.
قد يقول قائل إن النساء اللواتي حصلن على حقوقهن ومساواتهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالرجل في الدول المتطوّرة ساهمن في زيادة الانحطاط والانحلال الأخلاقي في مجتمعاتهن! هذه الفرضية ليست صحيحة. إن كل مجتمعات العالم تعاني من وجود شرائح صغيرة من النساء اللواتي ينحرفن ويمارسن نمط عيش غير سوي يتنافى مع أخلاق وعادات مجتمعاتهن. ولهذا فإن هذا التعميم يظلم المراة الحديثة، ويتجاهل دورها الرائد كأم ومربيّة، وربّت بيت، وزوجة، وسياسية، وعالمة، وتاجرة، وعاملة إلخ.
الدراسات العلميّة والأبحاث الميدانيّة وتقارير المنظمات الدولية المهتمة بشؤون المرأة تشير إلى ان نسبة النساء اللواتي ينحرفن هي الأعلى بين النساء غير المتعلّمات؛ وان المرأة الجاهلة أكثر تعرّضا للاستغلال من المرأة المتعلمة العاملة لأن المرأة المتعلمة تتمتّع بشخصيّة قويّة وثقة بالنفس، وبقدرة إدراكية وثقافيّة متقدّمة تمكّنها من حماية نفسها والدفاع عن حقوقها والتعامل مع الآخرين بمهنيّة، ومن النزول إلى سوق العمل لتأمين دخل لها ولأسرتها، أو لتوفير دخل لأبنائها في حالة عجز زوجها عن العمل أو وفاته.
من المؤسف جدا القول ان وضع المرأة العربية ما زال مترديا، وان مشاركتها في شؤون مجتمعها محدودة ودورها مهمشا، حيث تشير أحدث الأرقام التي نشرتها " المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم .. ألسكو " عام 2018 أن معدل الأميّة في الدول العربية ما زال مرتفعا مقارنة بدول العالم النامي، إذ أن 21% من العرب، أي نحو 96 مليون عربي وعربية يعانون من الأمية مقارنة ب 13.6 كمتوسط عالمي، وان نسبة الأميّات العربيات تتجاوز 25% عموما لكنها في بعض الدول العربية تتراوح بين 60/ 80 %، وإن نسبة مشاركتها في سوق العمل محدودة جدا ولا تتجاوز 27 % ومركزة في الزراعة والخدمات، ومشاركتها في السياسة والعلوم والثقافة والصناعة والتجارة ما تزال هامشيّة.
العالم يدرك جيدا ان هناك علاقة وثيقة بين مستوى المرأة العلمي والثقافي وضمان حقوقها والمساواة بينها وبين الرجل ودرجة تقدّم مجتمعها ونجاحه ومكانته بين الأمم، وان الدول التي يوجد فيها أعلى نسبة من النساء الأمياّت ومن ضمنها الدول العربية هي من أكثر دول العالم تخلفا؛ لكنّنا نحن العرب ما زلنا نحاصر المرأة ونمنعها من القيام بدورها كنصف المجتمع.
المجتمع العربي ذكوري المرأة فيه مقيّدة ومهمّشة ومراقبة، ومعرضة للشك وما زالت حبيسة التاريخ وبعض العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية التي تظلمها وتقلّل من أهميّة منزلتها ودورها الاجتماعي، وتعتبرها ضعيفة جسديا وعاطفيا وعرضة " للأعمال الشيطانية المشينة" التي تلوّث شرف العائلة، بينما يتجاهل تصرفات الذكور اللاأخلاقية ولا يعتبرها مخلّة بالشرف والكرامة! ولهذا لا يمكن لوطننا العربي أن يتخلّص من تخلّفه وأمراضه النفسيّة والاجتماعيّة المزمنة ويتقدم ويزدهر ما دام يشجع هيمنة الرجل لاستعلائية على المرأة، ويعاملها ككائن دوني، ويفتي ويحافظ على القوانين التي تنصّ على عزلها وحرمانها من حقوقها والتحكّم بها!

الرجل العربي ما زال محكوما بالذاكرة التاريخية التي تستحضر صورة الغانية لكل المراة خرجت للمجالمرأة في شرفنا ثقيل
العالم العربي يعاني من الجهل والتخلف لأسباب عدة من أهمها ظلمه للمرأة وعدم إعطائها حقوقها؛ المرأة العربية ما زالت ضحية