نيجرفان برزاني رئيساً بقلم:صالح بوزان
تاريخ النشر : 2019-06-13
سأضع مسألة التوريث جانباً، فالشرق مازال غير قابل للتطور، وكل أناشيد الثورات وشعاراتها والنضال من أجل حقوق الشعوب والديمقراطية والمساواة عبارة عن ثرثرة لا قيمة لها. منذ فترة قرأت مقابلة مع السيد نيجرفان البرزاني والتي أجراها معه موقع المونيتور الامريكي.* كانت المقابلة بمثابة خطوط عريضة لسياسة نيجرفان برزاني بعد أن يصبح رئيساً للإقليم. وكما هو معروف فإن المرشحين للمناصب العليا في دول العالم لا يلتزمون بوعودهم تماماً. والكرد ليسوا استثناء في هذه الخدعة السياسية. ومع ذلك لا بد أخذ تصريحاتهم بعين الاعتبار.
لن أقف عند جميع النقاط التي وردت في أجوبة السيد نيجرفان، وإنما سأقف على ما يتعلق بالعلاقات الكردية-الكردية، ولا سيما بكرد سوريا. هناك تغيير ما في رؤيته مقارنة بالسياسة التي انتهجها عمه السيد مسعود البرزاني. وسأجمل هذا التغييرات بإيجاز في النقاط التالية حسبما وردت على لسانه في المقابلة:
1- "أعتقد أن على كورد سوريا أن يحاولوا إيجاد حل في إطار سوريا الموحدة. يجب أن يشاركوا في الحوار والمفاوضات مع النظام" (يقصد النظام السوري).
2- أسس الكورد قوات لتأمين مناطقهم وقوات اخرى شاركت في محاربة داعش وباتت تسيطر على نحو ثلاثين في المئة من مساحة البلاد، لتكون بذلك ثاني قوة مسيطرة على الأرض بعد الجيش السوري. ويقصد بذلك وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية.
3- أن الولايات المتحدة لم تكن أبدا واضحة بشأن استراتيجيتها وسياستها في سوريا، وربما لا يريد الكورد التعويل كثيراً على الوجود الامريكي الذي هو "مؤقت". وبإمكان روسيا ان تلعب دوراً في هذا المسار.
4- إذا تصالح كورد سوريا مع الأسد، فإنه سيوحد مجددا أكبر منطقتين في البلد الذي مزقته الحرب، وسيترك منطقة واحدة في شمال غرب البلاد في أيدي المعارضة المناوئة للأسد والمدعومة من تركيا.
كيف يمكن أن نفهم هذه النقاط، وماذا يقصد بها السيد نيجرفان برزاني؟ 
يقول أن الحل الأمثل بالنسبة لكرد سوريا ( لم يركز على جهة كردية محددة) هو التفاوض مع النظام ككرد وليس كجزء من الائتلاف. ويقصد بذلك حكماً حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي. وبالتالي نستطيع أن نفهم من كلامه أن الطريق الذي سلكه المجلس الوطني الكردي بالذوبان في المعارضة لم يكن خياراً صحيحاً. ومن المؤكد لاحظ في كل المفاوضات التي جرت بين المعارضة والنظام السوري لم يطرح الموضوع الكردي على طاولة المفاوضات. 
ثانياً- يقر السيد نيجرفان بأن كرد سوريا أسسوا قوات خاصة بهم، ويقصد وحدات حماية الشعب والمرأة YPG وYPJ للدفاع عن مناطقهم، ومن ثم قوات أخرى، يقصد بها قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة داعش. هذا التقييم يعني أنYPG وYPJ هي قوات وطنية دافعت عن المناطق الكردية، وبالتالي فكل التوصيفات الموجهة لها بأنها ميليشيات إرهابية هي تهمة باطلة. وهذا يخالف وجهة نظر المجلس الوطني الكردي الذي سعى أن يقنع العالم بهذه التهمة والتماهي مع وجهة نظر الائتلاف السوري المعارض والحكومة التركية. 
ثالثاً- يقيم السيد نيجرفان استراتيجية أمريكا تجاه سوريا بأنها لم تكن واضحة. وأن كرد سوريا لم يعولوا كثيراً على الوجود الأمريكي. وهو في ذلك محق تماماً، ويتقاطع مع وجهة نظر حزب الاتحاد الديمقراطي. فقد صرح قادة هذا الحزب في مناسبات عدة أنهم لا يعولون على الموقف الأمريكي، وإنما يعتمدون بالدرجة الأولى على الشعب الكردي في سوريا وعلى قوتهم الخاصة وتحالفهم مع شركائهم العرب والسريان والآشوريين. كما هو محق في قوله أن روسيا يمكن أن تلعب دوراً في الوضع الكردي السوري. لكن روسيا غدرت بالكرد في عفرين، وهي مازالت تفضل مصالحها الثنائية مع تركيا أكثر من الاهتمام بمستقبل سوريا وحقوق الشعب الكردي. ومع ذلك لاحظنا أن حزب الاتحاد الديمقراطي لم يعلن العداء ضد روسيا، وطالب ودها باستمرار. وهذا أيضاً تقاطع في وجهتي النظر.
رابعاً - وفي النهاية يشير إلى مسألة مهمة، وهي أن اتفاق الكرد والنظام يوحد أغلب سوريا ولا تبقى إلا المناطق التي تقع بيد المعارضة الموالية لتركيا. يقصد بهذا الكلام الادارة الذاتية والنظام السوري مباشرة دول الائتلاف السوري المعارض كما يقصد أن جبهة النصرة المتهمة بالإرهاب عالمياً والمسيطرة على ادلب هي في خندق واحد مع تركيا والمعارضة السورية. وبالتالي يحق لنا أن نستخلص من كلامه أن المجلس الوطني الكردي الخاضع لاستراتيجية الائتلاف السوري وتركيا يقف في هذا الخندق نفسه. 
هناك نقطتان سلبيتان وردت في أجوبة السيد نيجرفان برزاني. الأولى عندما يقول: إن "مخاوف تركيا الأمنية مشروعة ويجب أن تؤخذ على محمل الجد". والثانية أن كورد سوريا استفزوا تركيا في هذه القضية ورفعوا اعلام حزب العمال الكردستاني.
لا أعتقد أن السيد نيجرفان برزاني بهذه السطحية السياسية لتكرار اكذوبة المخاوف الأمنية التركية، وإنما لا يريد إغضاب أردوغان. فهو يعرف أكثر من الجميع إذا غضب أردوغان على قيادة اقليم كردستان العراق ماذا يستطيع أن يفعل، وأنه قادر على إخضاعهم مثلما فعل بقضية استقلال الاقليم. 
لقد قال أردوغان يوماً أنه كرئيس يرفض الجلوس مع رؤساء العشائر كمسعود البرزاني وجلال الطلباني. كما اعتبر منذ البداية أن الفدرالية الكردية في العراق خطر على الأمن القومي التركي، وأن استقلال كردستان العراق هو الآخر يمس الأمن القومي التركي. بل قال بكل وقاحة قبل فترة أنه لا يريد مستنقعاً كردياً آخر في سوريا مثل المستنقع الكردي في شمال العراق. إن مصطلح الأمن القومي التركي له معنى واحداً لا غير، وهو أن القضية الكردية في الأجزاء الأربعة من كردستان تمس الأمن القومي التركي. لكننا لاحظنا استدراكاً من قبل نيجرفان برزاني عندما يقول أن وجوداً عسكرياً تركياً كبيراً في تلك المنطقة (يقصد كردستان سوريا) لن يوفر أي حلول. وهذا كلام مبطن يعني عدم موافقته على احتلال تركي للمناطق الكردية في سوريا. 
بغض النظر عن تاريخ وتجربة الزعماء الكرد في الكفاح القومي، فثمة حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها. وهي أن سبب تمزق الحركة الكردية في عموم كردستان ووصول أطرافها إلى حروب كردية- كردية كان وراءها بالدرجة الأولى الحكومتان التركية والايرانية ،إلى جانب النزعة الحزبية والشخصية لكافة الأحزاب الكردية وزعمائها على الساحة الكردستانية. 
هناك ثلاث مهام صعبة أمام الرئيس الجديد. الأولى توحيد الادارتين في أربيل والسليمانية، إلى جانب توحيد البيشمركة في جيش وطني يقاد من قبل الحكومة وليس من قبل زعماء الحزبين الكبيرين. الثانية أن السيد نيجرفان البرزاني سيواجه عاجلاً أم آجلاً مهمة تحرير الاقليم من الوصاية التركية والايرانية. ولن يستطيع النجاح في هذه المهمة دون توطيد العلاقة الفدرالية مع بغداد على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري بما يخدم مصلحة الاقليم والحكومة المركزية، فالعدو هو أنقرة وليس بغداد. أما المهمة الثالثة فهي مد الجسور مع الادارة الذاتية في شمال سوريا كإقليم قائم بذاته وليس من خلال الأحزاب والشخصيات الكردية السورية الموالية للاقليم. وبإمكانه إعادة تنظيم المجلس الوطني الكردي ليعود إلى البيت الكردي. كما على الادارة الذاتية بدورها التعامل مع اقليم كردستان العراق ومع الرئيس الجديد بعيداً عن الرؤية الحزبية والنظرة الأيدولوجية. لا يمكن للإدارة الذاتية النجاح في تحقيق أهدافها دون علاقة سليمة مع اقليم كردستان العراق. ولا يمكن لإقليم كردستان العراق أن يجد سنداً قوياً له سوى الادارة الذاتية. فالصراع بينهما هو دمار للطرفين.