انتخابـات الكنيسـت: الأسئلــة الملحـة بقلم: ابراهيم عبدالله صرصور
تاريخ النشر : 2019-06-13
انتخابـات الكنيسـت: الأسئلــة الملحـة بقلم: ابراهيم عبدالله صرصور


انتخابــــــــــــات الكنيســــــــــت: الأسئلــــــــــــة الملحــــــــــــة..

بقلم: ابراهيم عبدالله صرصور****

أرجو ان تكون الأحزاب قد تعلمت الدرس من مخاض الانتخابات البرلمانية المنصرمة في شهر نيسان الماضي، والذي يعني بالضرورة اتخاذ القرارات المناسبة لتجاوز تبعات تلك التجربة الكارثية في ملفين أساسيين. الأول، إعادة إحياء القائمة المشتركة في مجاليها الحيويين: التشكيل والبرنامج، والثاني، توجيه بوصلة العمل السياسي في اتجاه الشراكة الحقيقية المرتكزة الى منهجية علمية ومهنية تعزز العمل الوطني في كل ميادينه ومجالاته..

ملف الوحدة مبدئيا فيه الجانب المبدئي – القيمي -الديني – الأخلاقي – الوطني -  القومي، هو البداية والوسط والنهاية، وجانب آخر فني – تقني، وهو الأقل خطورة في رأيي المتواضع، او يجب ألا يكون الصخرة الذي "نذبح" عليها وحدتنا وقضايانا المبدئية والجوهرية.

لقد بذلت الأحزاب العربية وعلى راسها القائمة العربية الموحدة (الذراع السياسية للحركة الإسلامية) عبر العقود الماضية جهودا لا تُنْكَرْ لتحقيق الوحدة شَكَّلَتْ ميراثا سياسيا تراكميا شاءت الأقدار ان ينضج قُبَيْلَ انتخابات الكنيست العشرين (2015) الماضية، حيث ولدت (القائمة المشتركة)، مُفَجِّرَةً معها أمواجًا تحتية وفوقية قوية من التفاؤل والأمل في مستقبل أفضل للجماهير العربية في البلاد على مستوى الحضور والأداء..

لا ننكر أن تجربة "القائمة المشتركة" في دورتها الأولى (2015-2019) لم تكن مثالية، وهذا لم يفاجئني أبدا! لقد تعود المجتمع العربي عموما منذ قيام الدولة على خوض الانتخابات البرلمانية في إطار أحزاب خاضت تنافسا على الصوت العربي، ترك وراءه مساحات من الخراب في علاقات الأحزاب البينية، ومخزونا من "الثارات" السياسية أثرت على المزاج العام، الامر الذي انعكس سلبا على حماسة الناخب العربي واستعداده للمشاركة بكثافة في دعم هذه الأحزاب.. هذا بالإضافة الى أن الأحزاب العربية وأشخاصها لم يخلوا من "ضعف بشري" أدى هو أيضا الى عزوف الناخب العربي بسبب ما يراه من نزاعات وخصومات شخصية تدل على "أطماع" رخيصة، ولا تدل على "نضج" سياسي يرقى الى مستوى التحديات..

ونحن على مسافة قصيرة من جولة جديدة لانتخابات الكنيست في اقل من ستة أشهر، وأمام فرصة ذهبية لم نكن نتصور ان (ليبرمان) الكاره لكل ما هو عربي يمكن ان يقدمها على طبق من ذهب للأحزاب والقوى العربية لتدارك ما فات والاستعداد لما هو آت!.. امام هذا الفرصة التي قد تكون الأخيرة، تشخص أمامنا أسئلة ملحة تبحث عن إجابات شجاعة وسط ركام وحطام ينتظر من يعيد بنائه وتحويله الى بركان يفجر طاقة شعبنا الكامنة، ويملأه املا وتفاؤلا بعدما مُلئ يأسا وإحباطا!...  

لماذا نحن في أمس الحاجة للقائمة المشتركة من جديد؟

 1 . لأنها جسَّدْتِ الوحدة العربية بصورة مشرفة للمرة الأولى منذ نكبة العام 1948، أي بعد نحو سبعين عاما من مشوار الكفاح الوطني الذي خاضته الجماهير العربية في الداخل. القائمة المشتركة هي تعبير صادق فعلا عن ارادة شعب..

2.  لأنها شَكَّلْتِ النموذج الذي جاء على غير ميعاد وسط منطقة عربية – فلسطينية صاخبة، من أبرز سماتها تفتيت المفتت، وتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ.. قَدَّمَ المجتمع العربي داخل إسرائيل النموذج الذي يستحق ان يكون مثالا يحتذى به فلسطينيا وعربيا.

3.  لأنها حجزَتْ للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني مكانا لهم كقوة ثالثة في الكنيست بعد الحزبين الكبيرين، لأول مرة في تاريخها، الأمر الذي أكسبها زخما فرضت بسببه حضورها اللافت من جهة، وإرادتها على الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، استطاعت من خلاله تحقيق إنجازات تجاوزت إنجازات الأحزاب العربية منفردة كما في الماضي.

4.  لأن من خلالها حاز مجتعمنا العربيِ على احترام حكومات العالم ومؤسساته الدولية التي بدأت تتعامل مع المجتمع العربي كمجوعة قومية ذات تمثيل معتبر يستحق الاحترام ويجب الاصغاء اليه..

5.  لأن القائمة المشتركة قد شكَّلْت حاضنة لكل احزابها ونوابها، وغطاء لكل مجتمعها ونُخَبِهِ ونشاطاته الوطنية، وسندا لمؤسساته الجامعة وهيئاته التمثيلية كلجنة المتابعة واللجنة القطرية للرؤساء، ولجان الطلاب في الجامعات والمعاهد العليا وغيرها.. أصبحوا بك جميعا أكثر قوة، وأعمق تأثيرا، واقوى ثقة بالنفس..

لماذا نرفض العزوف عن ممارسة حق الانتخاب؟

فور صدور القرار بتبكير الانتخابات عَلَتْ – مع الأسف -  الأصوات "المثبطة" و "المُخَذِّلَة" ذاتها لتبدأ معركتها من جديد تشويها للعمل الحزبي العربي، وتعميقا لحالة الشرذمة، وتأجيجا للصراعات الداخلية، وإضعافا للوحدة العربية..

لمصلحة من يحدث كل هذا؟!!  لا شك انه خدمة مجانية للأحزاب الصهيونية التي تنتظر في الزاوية لافتراس الصوت العربي، والسيطرة على المجتمع العربي، والعودة به الى سنوات مضت ضحى مجتمعنا كثيرا من اجل التحرر منها..    

عند الحديث عن عدم المشاركة في ممارسة الحق في التصويت لانتخابات الكنيست، يخلط الكثيرون بين المقاطعة لأسباب أيدلوجية، وعدم المشاركة لأسباب مختلفة كاللامبالاة، عدم الاكتراث وربما غياب الدراية بالأخطار المترتبة على عدم المشاركة.. الخ ...

الحقيقة أن الأغلبية الساحقة من مجتمعنا العربي لا تؤمن بالمقاطعة أبدا، وهي مستعدة للتحرك في اتجاه المشاركة ورفع نسبة التصويت الى الحد الأقصى والذي يعني (18) عضوا عربيا في الكنيست القادمة، إذا ما توفر عدد من العوامل التي يجب ان تهتم الأحزاب العربية بها.. 

لعدم المشاركة في التصويت في الانتخابات البرلمانية في إسرائيل مهما كانت أسبابها (أيديولوجية او إهمالا او لامبالاة  وعدم اكتراث)، مخاطر كثيرة من أهمها:

1.  تنازل طوعي عن حق مكفول قانونا، قد يمهد لتنازلات أخرى.

2.  تفريغ الساحة البرلمانية والساحات ذات الصلة محليا وإقليميا ودوليا من الصوت العربي المنغص والمؤثر، وهذا ما يتمناه اليمين الإسرائيلي المتطرف.

3.  الدفع بالمجتمع العربي إلى أحضان الأحزاب الصهيونية من جديد بعدما نجحت جماهيرنا بعد جهود وجهود من تحرير الصوت العربي من احتلال الاحزاب الصهيونية ، مما نعتبره إنجازا وطنيا من الدرجة الأولى.

4.  تعزيز قوة الأحزاب الصهيونية الكبرى، فمن الثابت عمليا وبناء على دراسة قانون الانتخابات الإسرائيلية، إن عدم المشاركة في التصويت لا يعني إلغاء الصوت، وإنما وفي إطار الحساب النهائي للأصوات، فإن عدم المشاركة يخدم الأحزاب الصهيونية الكبرى.

5. انهاء الوجود العربي في الكنيست، وهو ذات الموقف الذي تتبناه احزاب اليمين الصهيوني التي لا تريد ان ترى العرب في البرلمان ...

لماذا تحتاج المشتركة الى مزيد من التعزيز؟

ينبع إصرار الحركة الإسلامية على ضرورة تعزيز القائمة المشتركة وعدم التفريط بها مهما كانت الأسباب، من رؤيتها الأيديولوجية لمسألة الصراع الوجودي بيننا كأقلية قومية فلسطينية عربية وبين المشروع الصهيوني الذي ما زال يرى فينا أعداء يجب التضييق عليهم بكل الوسائل تمهيدا لتنفيذ مخطط "التطهير العرقي" الذي بدأوه عام 1948.. من اهم ملامح هذا المشروع المستند الى القرآن والسنة، السعي الحثيث لجمع شتات الشعب، والتوحيد بين قواه المختلفة، والتركيز على المشترك بعيدا عن كل ما يفرق ويشتت.. 

تنفيذا لهذا الرؤية الاستراتيجية حرصت الحركة الإسلامية بعد قرارها خوض الانتخابات البرلمانية عام 1996 الا تخوضها منفردة.. كان هذا جزءا لا يتجزأ من قرارها الذي أقرته مؤسساتها العليا (مجلس الشورة والمؤتمر العام).. لذلك رفضت كل الدعوات والتي جاءت من داخل الصف الحركي ومن خارجه، لخوض الانتخابات منفردة. سبب ذلك ان الحركة الإسلامية لم ترغب في ان تزيد المشهد العربي المنقسم أصلا انقساما جديدا.. تحققت الوحدة وإن جزئيا باتفاق مبارك بين الحركة الإسلامية مع الحزب الديموقراطي العربي قدم للمجتمع العربي تجربة جميلة حظيت بالاحترام والتقدير والدعم، كما ظلت صامدة لحين تشكل القائمة المشتركة التي أصبحت الإطار الجامع الجديد لأطياف المجتمع العربي في أغلبه الساحق..  

ظلت الحركة الإسلامية وفية لخطها الوحدوي التي تبنته بقوة خدمة لأجندة شعبنا العربي الفلسطيني في الداخل والتي تتحدد في ملفين رئيسيين. الأول، الملف المطلبي (وجود، هوية وحقوق). والثاني، الملف الوطني والقومي محليا، إقليميا ودوليا..

مهما قيل في أسباب ميلاد "المشتركة"، فلا شك ان ميلادها جاء تعبيرا عن أشواق وأحلام لطالما راودت مجتمعنا العربي وشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية.. أعنى بذلك "الوحدة" بكل معانيها وبكل مستوياتها.. لذلك لا نبالغ إذا قلنا إن "المشتركة" جاءت كرد طبيعي على حالة التمزق والانحطاط الذي تعيشه منطقتنا بشكل عام، أعطت الأمل أن تغييرا جذريا في هذا الواقع ممكنٌ إذا ما "أراد الشعب"..

**** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني