لصوص العسل بقلم:عبد السلام عبيد
تاريخ النشر : 2019-06-12
لصوص العسل بقلم:عبد السلام عبيد


لصوص العسل...

عبد السلام عبيد

قررت أن أكتب مقالي الأول دون قواعد حرفية فلا يجب استخدام كل المقادير لتجهيز وليمة والمهم إيصال الفكرة والمعلومة لعلنا نوقظ عقلاَ ميتاَ أو ننبه ضميراً غافلاَ...

فما أبشعه من سلوك حين تقطف ثماراَ لا حق لك فيها تحرم أصحاب الحق من حقوقهم وجهودهم ،تدعي ما ليس لك به حق ليصبح من نصيبك ظلماَ وعدوانا ،تعيش على ظهور الأخرين وأنت إمعه منعدم الضمير ،أولئك الذين يسرقون جهود الآخرين
إليهم، بل هي سرقة وامتهان علني للآخرين في وضح النهار مع سبق الإصرار والترصد بلغة أهل الحقوق والقانون ،

فكلمة لص لا تقتصر فقط على الأشياء المادية فالسرقة أشكال وألوان وتمتد الى الأشياء المعنوية وما أخطرها وأشد ضررها على الفرد والمجتمع ،فهناك من سرق آمال الشعوب ،وأفكار العقول ،وابتكارات المبدعين ،وحس الأدباء ،وجهد
البسطاء ،وتاريخ الأبطال ،وللأسف هناك أوطان بأكملها سرقت،،، لذا فقد حذر رسولنا الكريم من هلاك الأمة في قوله " إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".

إنها آفة البشر منذ القدم، وما أدل على ذلك عندما خاطب أبو الطيب المتنبئ سيف الدولة الحمداني في سرقة شعره بقوله:أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا ... بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا.

سلوكُ يتحقق في غياب الأنظمة والقوانين وضعف السلطات وهي ظاهرة في كل المجتمعات ولكنها في الدول المتأخرة أوسع انتشاراَ ووضوحاَ حيث لا ضوابط مع انعدام أخلاقيات معاملة المبدعين والمفكرين في ظل استغلال اللصوص لنفوذهم
وعلاقاتهم لنسب جهود الآخرين إليهم .

في العالم المتقدم لا تحصل سرقة الأفكار والجهود ليس فقط لنزاهتهم وشفافيتهم ولكن القوانين صارمة تجرم هذا الفعل وتعاقب عليه بكل شدة وحزم فلقد صمم اليابانيون نظاما لعدم سرقة الأفكار لاقتراحات الشعب ويطلق عليه نظام "الاستثمار في العنصر البشري في مجال الاقتراحات" يقوم على تشكيل
لجنةٍ تسمى «لجنة الكايزن» ، مهمتها النظر في الاقتراحات وتقييمها وتقويمها وتطبيق الصالح منها بشفافية تامة، ويتم مكافأة الاقتراحات المقبولة بعدالة منقطعة النظير.

وتقول أنديرا غاندي لابنتها: "هناك من يقوم بالعمل، وهناك من يَدَّعِي أنه قام بالعمل، أوصيك يا بُنيتي، كوني ضمن الطابور الأول، لأن الطابور الثاني مزدحمٌ كثيراً".

إن الله أمرنا بالعدل والإحسان والقسط في الأحكام وعدم تزوير الحقائق ولبس الحق بالباطل وتوعد بأشد العقاب لذلك ، فهل يصح أن يأتي إنسان ويقول أريد أن أسرق دينارا كي أتصدق به ،
وما أدل على ذلك قوله تعالى: "لا تَحْسَبَنَّ الذينَ يَفرحُون بما أَتَوا
ويُحِبُّون أَنْ يُحْمَدوا بما لم يَفْعلُوا فلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمفازةٍ من العذابِ ولهُمْ عذابٌ أَليمٌ".

وقديما قالوا : العار ولا النار، لأن يلحقني العار في هذه الدنيا الفانية بعيدا عن محمدة الناس والثناء المزيف أهون عندي من نار محرقة لا تقوى عليها أجسادنا الضعيفة.

وفي النهاية أقول أن لصوص العسل هم قتلة النحل، والأمة التي لا تقدر الطاقات والإبداعات لن ترقى ولن ترتقى ومصيرها التشرد والضياع...