أم اسحق بقلم:زياد محمد حسن "مخيمر"
تاريخ النشر : 2019-06-11
أم اسحق ..
____________


أمي تنعتني دائماً بعدم النشاط مع أنني أستيقظ مبكراً , أخي الأكبر أكثر نشاطاً
ويبذل جهداً كبيراً في الإنغماس بالعمل , أمي تقول ذلك
حتى أنني تحيرت ذات يوم ماذا أفعل لأثبت لها العكس
يوما ً ما كانت تشاهد مسلسل " لن أعيش في جلباب أبي ", هذا المسلسل الذي تشاهده للمرة الألف كلما قامت بزيارتي في غزة ,الآن ستكون الفرصة مواتية لأفعل شيئا ًما في المنزل .


هل أقوم بتغيير جلدة الحنفية أم أستبدل النّجفة ؟ هل أحطم الأواني وأدهن الحائط
هل أهدم البيت وأخوض حرباً على جبهات عدة ؟
طرأت على ذهني فكرة شديدة الغرابة , بإمكاني أن أدق الأبواب بالمسامير ,
استعمال الشاكوش عند القيلولة سيصدر صوتاً في غاية الرخامة , وبالفعل بدأت أدق الأبواب بقسوة ,تخيلت ُ أن المصابين في الحرب سيحملونني فوق الأعناق وربما أكون بطلاً قومياً ولكن ليس من الحكمة أن يدخل في الفكرة مسمار دون أن يخرج حطاماً ,
هكذا قالت أمي بغضب _ كسّرت الأبواب يمّا والله ما انت لاقي شغلة .
_ والله يمّا في مرة اشتغلت سواق عا الخط .
تقول بإزدراء_ آه وركبّت الولد في السيارة ونسيت أمه .

بعد فترة صرت أتلذذ بحب الكسل لأنني مهما فعلت سيكون الحكم جاهزاً
, أن أثبت لأمي بأنني نشيط يحتاج إلى منظمات حقوقية وإلى الإستعانة
بوثائق وأدلة أمام عدسات المصوّرين وشاشات التلفزة .

في عيد الأضحى , لم أتصالح إلا مع الذبح , ساعدتني أمي على ذلك وهي تقول
_ شايف أخوك , بعث لأمه فخذة الخروف , قديش بيحب أمه سمير .
أردد قائلاً بإبتسامة حزينة _ بس أنا ذبحت الخروف في رفح وسبته كله هان يمّا ..
في هذه اللحظة كان البائع المتجول ينادي
_ عا السكين يا بطيخ ..
وأنا اردد خلفه صائحا ً _ عا السكين يا قلبي .

أعرف أنها تفعل ذلك لكي نتنافس على حبّها , إنها تحيك الغيرة والحب ببكرة
صوف ٍ واحدة , هي تعتقد أنني أقوى من بوابات السجون ولديّ قدرة على استيعاب
كل الأشياء المؤلمة لكنني دائما ً ما أحاول اخفاء المُقاتل المُصاب في المعركة
حتى عندما أذهب لزيارتها , تنتظرني أمام عتبة الباب و تحت قرص الشمس , تمرر كفها الحزين على كل الوجوه , يساورها الشك للحظات , تتأمل كل سيارة تمر ,تحتجب بحيرتين من الضباب خلف نظارتها الطبية ووسط هالة من النور تلمحني من بعيد وكأن في عينيها بندقية صيد , تقتنص رائحتي قبل أن تشم الأرض خطاي ,تشق طريقها نحوي وتحضنني , قهقهه من الدموع تجعلني منهكاً ,
أقاوم الغصّة ويزمجر ضعفي مثل قاطع طريق مردداً _
متى أزورك يا أمي ومعي ثلاثة أطفال بدلاً من ثلاث حقائب ..؟
__________________________