ما الذي يتوقع أن تجنيه السلطة الفلسطينية؟ بقلم:د.رائد عواشرة
تاريخ النشر : 2019-06-11
ما الذي يتوقع ان تجنيه السلطة الفلسطينية؟

ما الذي تتوقع السلطة الفلسطينية ان تجبيه من وراء عدم استلام أموال المقاصة؟ وما المتوقع ان تجبيه من وراء تصريحات تقليصات أعداد الموظفين الأمنيين؟  هل يمكن قراءة ذلك تحت عنوان التدمير الذاتي و/أو التذرع من أن الاحتلال هو من أنهي اتفاق أوسلو وليس الفلسطينيين؟ هل يتمتع هرم السلطة بالإرادة السياسية لأخذ قرارات جوهرية أم أن ما يجري هو تكتيكات ضمن إطار المفاوضات والاتفاقيات القديمة؟

لدى السلطة أجهزة أمنية بعناصر وضباط تعتبر الأعلى عددا مقارنة مع السلطات السياسية في العالم بالنسبة لعدد السكان. كما وتستهلك هذه الأجهزة ٢٧ ٪ من الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية حسب عام ٢٠١٦.  فوفقا لتقرير تحليل الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة الصادر عام ٢٠١٨ عن السنة التي سبقتها أي ٢٠١٧ فان أجهزة الأمن ما زالت " تستحوذ على حصة الأسد من الموازنة العامة، كما ما يزال بند الرواتب والأجور فيها يستهلك ويستنزف الحصة الاكبر من نفقات الامن ويفوق بكثير مجموع موازنات الصحة والتنمية الاجتماعية ومؤسسة رعاية اسر الشهداء معا، ولا توجد تفصيلات عن نفقات وزارة الداخلية والامن سوى بنود رئيسية عامة عن مبنى النفقات."         ليست الموازنة وحدها التي تقول أن السلطة أساسا وجدت لمهمة أمنية بل ان الساسة الفلسطينيين اللذين طالما أنكروا هذه الحقيقة اعترفوا بها وأقروا ان هذا هو واقع الحال. 

وبالرغم من الدعوات التي أعلنها جناح السلطة عبر المجلسين الوطني والمركزي بوقف التنسيق الأمني والتلويح به منذ سنوات الا ان هذا لم يحصل وما زال التنسيق الأمني في قوته. فقد استمر التنسيق الأمني ولم ينقطع. كما ان المتنفذين الأمنيين السابقين والحاليين يلعبوا دورا سياسيا متقدما داخل وخارج أراضي السلطة بما فيها عضويات وادوار مهمة في اللجنة المركزية لحركة فتح ومنظمة التحرير. 

وفي محاولة للإجابة على الأسئلة في مقدمة هذا المقال وفهم استراتيجية السلطة فهي تقوم على المناورة مع الطرفين الإسرائيلي والداخلي الفلسطيني. فالمناورة مع الطرف الإسرائيلي لاسترجاع كامل المقاصة ومحاولة فتح ملف اتفاقيات باريس الاقتصادية وان أمكن تعديل بند او أكثر من بنودها. اذن نحن نتحدث عن مناورة تكتيكية مرتبطة بالإطار العام للاتفاقيات.  وفلسطينيا تتطلع السلطة الى العودة الى قطاع غزة وعدم تركه تحت سيطرة حركة حماس ومحاولة لرفع شعبية سلطة فتح باتهام الاخرين بالمسؤولية عن الظروف الاقتصادية وحصار قطاع غزة. 

ان القراءة السياسية لمواقف السلطة الفلسطينية والتي تم إعلانها علي لسان أكثر من مسؤول ومنهم رئيس السلطة ووزير خارجيتها اللذين طالبا بمفاوضات ولقاءات ثنائية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي والدعوة صراحة الى لقاءات بين الرئيس الفلسطيني ورئيس وزراء حكومة الاحتلال دون شروط مسبقة والذي (أي الثاني) بدوره رفضها أكثر من مرة.   اذن ان الحديث يدور عن مفاوضات ولقاءات دون قيد او شرط وهي بمثابة تكتيك فلسطيني لتقول انه ما زال يوجد ما يجب التفاوض عليه فيما يرفض الاحتلال ويقول لقد تم تحقيق الحكم الذاتي وحق تقرير المصير داخل السيطرة الإسرائيلية.  ولتأكيد ما يجري فإن معظم اللقاءات التي تمت وسوف تتم بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني تتمحور في هذا الفهم... تنسيق وتعاون أمني، تنسيق وتدريب للدفاع المدني مشترك، تفاهمات واتفاقيات إدارية متعلقة بالكهرباء والمقاصة وأخيرا دفع تعويضات للمستوطنين. 

ولمزيدا من التأكيد على تكتيك السلطة الفلسطينية، فقد أعلنت إنه كان هناك تفاهمات مع الادارة الامريكية، اي إدارة أوباما بعدم التقدم بطلب الالتحاق في منظمات دولية رئيسية نظير تجميد الاستيطان الذي تضاعف مع اوسلو عشرات المرات.  وقبلها تم سحب طلب مناقشة تقرير لجنة تقصي الحقائق حول حرب على غزة "تقرير غولدستون" كخطوة تكتيكية لأمل العودة الى المفاوضات. 

ان ما يجري حاليا في الجانب الفلسطيني لا يعدو عن كونه مناورة وتكتيك في إطار لعبة المفاوضات التي لم تخرج السلطة الفلسطينية عن اطارها القديم. لا يوجد إرادة سياسية للتوجه نحو المقاومة الشعبية السلمية والشاملة ولا إرادة للتوجه نحو العمل المقاوم. كل ما يجري يبرهن على أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية متمسكة بأساس وجودها وهو اتفاقيات أوسلو وملاحقها وان الحديث عن تخفيض عدد قوات الامن الفلسطيني يأتي ضمن إطار المناورة.  ان وجود السلطة الحالي قائم على وجود الامن الفلسطيني وانهاء عمل المئات منهم يعني الخلل في وظيفة السلطة ووجودها. اعتقد ان الدول الأوروبية والولايات المتحدة ستجد طريقة لدعم لموازنة الأمن. كما يمكن أن تنظر السلطة بتوجهات داخلية أخرى غايتها زيادتها الإيرادات من الفلسطينيين وتقليل النفقات من خلال خصخصة عدد من الخدمات وتحسين العوائد التي تجبى من الضرائب المحلية إن لم يكن زيادة او تفعيل في جباية الرسوم والايرادات الأخرى.

من الممكن ان تقوم السلطة بتقليص اعداد لا تتجاوز العشرات من قوات الامن واحالتهم على التقاعد بمعني توفير رواتب ومخصصات مالية لهم. لن تتجرأ السلطة على انهاء خدمات المئات من رجال الأمن دون توفير مال لهم.  

ومزيدا من الحقائق والتأكيدات على تكتيك السلطة وعدم جديتها بالتخلص من اتفاقيات أوسلو هي الدعوة للتحكيم.  فاللجوء للتحكيم في موضوع اقتطاعات المقاصة يأتي ضمن هذه الاتفاقيات أي ان منطق التحكيم يستند الي ملاحق باريس. أعتقد ان هناك تصور قد تبلور برؤيا أوروبية يستند الى كيفية وقف كل الاعمال التي تسمى عنف من الجانب الفلسطيني وضرورة التزام السلطة الفلسطينية به. فمن يريد المشاركة في اعمال عنف والتحريض عليها (بما فيها رشق الحجارة للأعلى) عليه تحمل مسؤولية هذا العنف (وعلى السلطة عدم تخصيص مبالغ مالية لهم والا تصبح السلطة محرضا على العنف) . يمكن أن يتم دراسة حالات أسر المعتقلين من منظور اجتماعي أي العوز والفقر. الم يكن برنامج تأهيل الاسرى المحررين يهدف الي تعليم وتوفير فرص عمل لغايات الدمج "المجتمعي" والابتعاد عن اعمال العنف؟

ان الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على فرض العقوبات المالية من غرامات ومصادرات ورفع قضايا تعويض ضد من يمارس اعمال العنف لأسباب تتمثل: (١) سياسيا كون الاحتلال هو النظام السياسي العام والسلطة حكم ذاتي تدور في فلكه و(٢) وقانونيا كون المحاكم الإسرائيلية هي صاحبة الولاية القانونية على النظام الإسرائيلي ولان المحاكم الإسرائيلية هي اعلى سلطة من المحاكم الفلسطينية على الفلسطينيين. 

كل ما تقدم ينطلق من أساس جرى تثبيته في أوسلو وهو ان الأراضي الفلسطينية هي أرض متنازع عليها وليست محتلة والبنود التي استندت اليها من ٢٤٢ و٣٣٨ تخاطب الدول العربية وتدعو لانسحاب من اراضي عام ١٩٦٧، والأهم ان الحل النهائي وتقرير المصير مرهون باتفاق بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني وليس عبر استفتاء من قبل الفلسطينيين لوحدهم. 

إن الحديث عن التوجه لمحكمة الجنايات الدولية والمؤسسات الدولية لن يغير من الواقع.  قد يتم الحصول علي بيان ما دون تغيير على ارض الواقع والسبب انه لا بد من موافقة كافة أعضاء مجلس الأمن وتحديدا الأعضاء الدائمين منهم، وهذا لن يتم لكون الواقع فلسطيني ضعيف جدا يفتقر الى الإرادة السياسية بالخروج من الاتفاقيات. لقد سبق وأن تم الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة وحاليا يتم التعامل مع السلطة علي أنها عضو مراقب وليس فاعل في الأمم المتحدة، أي ان هناك اعتراف بالاطار التنظيمي كمراقب دون كيان فعلي لدولة مستقلة ذات سيادة وحدود.  إن الأمم المتحدة عبر الهيئة الرئيسية والمقررة ( مجلس الامن) والمجتمع الدولي ( الدول الفاعلة) ما زالت ترى الصراع "الفلسطيني- الإسرائيلي" يقرر من قبل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وعبر المفاوضات فقط.

اذن الحل هو بالتمتع بالإرادة السياسية والابتعاد عن التكتيكات التي تدور في إطار لعبة المفاوضات. ان الحديث عن تحسينات في إطار لعبة المفاوضات تتماثل مع الحديث عن تحسين الظروف الاقتصادية لكل من واقع قطاع غزة المحاصر وواقع الضفة المحتلة المتأكل. الحل يكمن في التخلص من اتفاقيات أوسلو والانسحاب منها، وسحب الاعتراف بإسرائيل من قبل منظمة التحرير، وحل السلطة الفلسطينية، وجمع السلاح الذي بأيدي قوات الامن الفلسطينية (حتى لا يتم الاستقواء به من قبل من يحمله داخليا او إعطاء مبرر للتدمير الخارجي) وتسليمه لممثلين عن الأمم المتحدة، والتوجه للمقاومة الشعبية الشاملة. وليكن امام إسرائيل خيارين هما الاول التعامل مع الفلسطينيين مباشرة في الأراضي الفلسطينية ووصفها بالمحتلة من جديد او ثانيا ضمها إن رغبوا في ذلك وهذا مستبعد ان لم يكن مستحيل، فتوجه الاحتلال الى ضم الأرض دون سكان بمعني أراضي (ج)، اما الابقاء على وصف بعض مناطق من الضفة الغربية لوحدها ارضي الحكم الذاتي فهو الخطأ بعينه.