المُؤدّب غرس الله بقلم:صلاح بوزيّـان
تاريخ النشر : 2019-06-06
المُؤدّب غرس الله بقلم:صلاح بوزيّـان


المُؤدّب غرس الله

أبي ، يا أبي الخفّة أنفسُ من الثّراء ، للّه ما ألطفكَ ، زيارتُكَ هذه أطردتْ عنّي الحيرةَ التي كانت تكابدني ،غربتي هي شقائي ، الغربة كهف الكهوف ، لون أسودُ يلفّ المدينة ، حسبي رضاك يا أبي ، هيهات أن يرويني هذا اللّقاء ، أبي ، يا أبي .. نعم يا بنيّ أنتَ كعادتكَ لم تتغيّر ، ضاحكَ الثغر مترنّمًا ، ملاكٌ طاهر أنت يا ابني صلاح الدّين ، ستحجّ إليك قلوبهم وعقولهم ، إنّ وعد الله حق ، ولا تحزن ،{ نعم يا أبي إنّه الأنسُ ، الأنسُ بكَ}  ، {عدتُ إليكَ ، وعدنَا سويًا إلى أيامنَا الجميلة ، معًا نبني ، نتذكّر ونتمتّع بعبق عطرهَا ، أردف الأب :{ أنا معكم ولكن نوايا الكثير منكم  تغيّرت ، وقلوبهم سكنتها الدّنيا ، أتسكنُ مع إخوتك في بيتنَا القديم كمَا أوصيتكم ؟ وهل الجيرانُ كعادتهم يتزاورونَ ، ويجمعهم الحبّ الكبيرُ ؟ هل صار ابن الحاج مسعود معلّمًا ليدرّسَ أبناءَ القرية و يُنقذهم ؟ وابن خالتك سعاد هل صار طبيبًا ليداوي أهل القرية من وجع الرّأس، ؟ ستخم فتنة القبائل، ولن يضرّكم الطّوفان والجراد ، ابنوا بيوتكم بالصّخور، زمانكم صعب ، الصّخور ثروة ، احفظ حصاني يحفظك الله . صمتَ صلاح الدّين ، جلسَ الأبُ لصــقَ ابنهِ وغمرَ يــده بورقة صغيرة مطويّة ، فرحَ صلاح الدّين  ، ارتعش ، ودمعت عيناهُ ، أهي وصيّة كوصاياك القديمة يا أبي ؟ ابتسم الأب قائلاً :{ لن أتركك أبدا يا بنيّ ، أحبّك كثيرا ، ستَرفع الراية بإذن الله ، الأمر لك } فتح صلاح الدّين الورقة وقرأهَا :{ ثق بالله فالفرجُ قريب } ،ولكن يا أبي .. رفع صلاح الدّين رأسه .. فلم يجد والدهُ ، اختفَى ،ففزع ، وفتح عينيه و انتفض من سريره مردّدًا : { أبي ، يا أبي .. لمح طيف والده المؤدّب غرس الله يغمرُه نور ، نظر من النّافذة إلى الشارعِ ، كانَ اللّيلُ قدْ أرخى سدولهُ، جحظت الحدقتان ودارتا في محجريهمَا ، وبقي مشدوهًا ،تنحّى عن السّرير، وكاد يخرج من سقف الغرفة لشدّة المفاجأة ، اختبأ وراء بكائه الشديد وتمثّل لعينيه ما سمع فردّد في صوت خافت :{ ثق بالله فالفرج قريب}.. رحمة الله عليك يا أبي.