التَعادُلِياتُ العَلَوِيَّةُ بقلم:زعيم الخيرالله
تاريخ النشر : 2019-05-26
التَعادُلِياتُ العَلَوِيَّةُ
-----------------
زعيم الخيرالله
--------------
التَعادليّةُ تعني التَكافُؤ ، وهي لاتعني دائماً المساواة . الكونُ وهو كتاب الله التكويني متعادل ، هو قائمٌ على التَعادليّةِ اي: انه متناغم ومتناسق الاجزاء ، لايوجد بين اجزائه تنافرٌ واضطرابٌ ... الله تعالى يؤكِدُّ هذه التعادلية والانسجام والتناسق بين اجزائه بقوله تعالى :
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ).الملك: ألاية: 3. فاللهُ تعالى بعدَ الاشارةِ الى السمواتِ السبعِ الطباقِ ذكرَ انَّ هذهِ التعادليّةَ ليست مقصورةً على السموات فحسب ، بل هي ساريةٌ في كُلِّ ماخلق الرحمن ، فلاتفاوت ولااضطراب ولاتنافر بل تناسقٌ وتناغُمٌ .
ويقابلُ كتابَ اللهِ التكويني ، القران الكريم وهو : كتابُ اللهِ التدوينيُّ ، وهو ايضاً قائمٌ على التعادليّة ، يقول الله تعالى :
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) . النساء: الاية :(82). وكذلك قوله تعالى :
( لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). فصلت: الاية: 42.
والكتاب التكويني يعادل الكتابَ التدوينيّ .
في عالَمِ الخلقِ هناكَ تعادليّةٌ بينَ الموت والحياة :
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). الملك: الاية:2.
هناك تعادليّةٌ بين الموتِ والحياة ... ففي جسم الانسان تموت خلايا ، وتخلق خلايا ، وفي الكائنات الحية هناك وفِيّاتٌ ويعادلها ولاداتٌ جديدةٌ.
وفي القران الكريم هناك تَعادِلِيَّةٌ بينَ الاحكامِ والتَفصيلِ ، كما في قوله تعالى :
( الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).فُصّلَت: الاية: 1.
وهناك تعادليّةٌ بينَ السبعِ المثاني والقران العظيم :
(وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ). الحجر: الاية : 87 ؛ لان الفاتحة اجملت مقاصد القرانِ الكريم ؛ فهناكَ تَعادليّةٌ بينَ الاجمالِ والتفصيلِ.
وهناك تعادليّةٌ بينَ الامرالذي أُمِرَ الرسولُ (ص) بتبليغهِ والرسالة اي: هناك تعادليّةٌ بين الولاية والرسالة . يقول الله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين. المائدة: الاية : 67.اي: انه (ص) اذا لم يبلغ ماامره الله به كأَنّهُ لم يُبَلِّغ الرسالةَ كلها ؛ فهناك تعادليّة بينَ هذا الامر والرسالة.
وَتَتضِحُ تعادليّة الولاية والرسالة في قوله تعالى:
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ). المائدة: الاية : 3 . فهنالك تعادليّةٌ بينَ اكمالِ الدينِ واتمامِ النعمةِ ، ولاتوجد تعادليّة بين اكمال الدين والرخصة في اكل المضطر.
وفي اية المودة توجدُ تعادليّةٌ بينَ مودةِ ذوي القُربى وبين اجر الرسالة :
( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ). الشورى: الاية: 23.
التعادليّةُ في الاحاديثِ النَبَوِيّةِ
---------------------------
وفي الاحاديثِ النَبَوِيّةِ نجد تعادليّات واضحة ؛ فهناك حديث التعادليّة المشهور وهو قول النبيّ صلى الله عليه واله وسلم :
(إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي ).الصواعق المحرقة : ص 145 . في حديث الثقلين نلمسُ بوضوحٍ التعادليّةَ بين العترة الطاهرة والكتاب الكريم
وحديث السفينة فيه تعادلية بين سفينة نوحٍ باعتبارها سفينة انقاذٍ ونجاةٍ ، واهل البيت باعتبارهم سفينة نجاةٍ. يقول الرسول الاعظم :
(إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك).المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري 3: 150.
التعادُلِيّاتُ العلويّةُ
----------------
في الايةِ الكريمةِ :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ).ال عمران : الاية : 61 .
هناك في الاية تعادِلِيّةٌ بين نفس المُصطفى (ص) ونفس عليٍّ ، وكما قلتُ : انّ التعادليّةَ لاتعني دائما المساواة ، بل تعني التكافؤ في الطهر والنقاء والسجايا والملكات ؛ لاننا نعتقدُ انّ رسول الله (ص) اشرفُ موجوداتِ عالم الامكان ، ثُمَّ انّ النبيّ (ص) هو الذي صاغ نفس عليّ على منوالهِ ونموذجه . يبقى لرسول الله السبق لانه الاصل . فالنُسخَةُ وان كانت طبق الاصل يبقى الفضلُ للنُسخَِة الاصليّة.
رسول الله (ص) يقولُ لعَلِيٍّ عليه السلام :(يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة). البرهان: 3: 208 . ففي الحديث الشريف تعادُلِيّةٌ بينََ حب المؤمنِ لعليٍّ (ع) وبينَ بُغضِ المُنافقِ له (ع) .
وحديث:( لضربة علي (ع) يوم الخندق تعدل من عبادة الثقلين) . هناك تعادليّة بين ضربة عليٍّ يوم الخندقِ وعبادة الثقلين .
وحديث المنزلة حديث تعادليات ، يقول المصطفى (ص) :
(يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا بني بعدي) في الحديث تعادليّة نسبة اي: تعادليّة بين نسبة هارون الى موسى عليهما السلام ونسبة علي الى محمد صلوات الله عليهما.
وحديث :(من سب عليا (ع) فقد سبني ) فيه تعادلية بين سب علي وسب رسول الله (ص)
وحديث :(يا علي! أنت وصيي، حربك حربي، وسلمك سلمي) هناك تعادليّة بين حرب النبي (ص) وحرب عليّ عليه السلام ، وبين سلم النبي(ص) وسلم عليّ (ع) .
وفي المؤاخاة ، حينما اخى النبيّ (ص) بين المهاجرين والمهاجرين ، وبين المهاجرين والانصار ؛ اخى النبي في كلا المشهدين بينه وبين علي ؛ لان علياً لايعادلهُ في نفسه وتطلعاته الا النبي (ص) .
وتعادلية : ( علي مع الحق والحق مع علي ) ، وتعادليّة ( علي مع القران والقران مع علي ) . كلُّ هذهِ التعادليات ترشح ان يكون عليا هو من يقوم مقام النبي (ص) .
وهذه التعادليات هي التي رشحته ان يبيت في فراش النبي (ص) ؛ لانه لايقوم بهذا العمل الفدائيّ العظيم الا من هو معادلٌ لنفس الرسول في طهرها ونقائها وشفافيتها .