الحقد الدفين متى ينتهي؟ بقلم:أ. شرين المناصرة
تاريخ النشر : 2019-05-25
الحقد الدفين متى ينتهي ؟
بقلم:أ. شرين المناصرة
في الخامس عشر من آذار 2019م يوم الجمعة استيقظ العالم على مذبحة هزت أرجاء الكرة الأرضية لمدى وحشيتها في نيوزيلندا بمسجدي "النور" وهو الهدف الأول ثم مسجد "لينوود" والذي راح ضحيتها 51قتيلاً من أطفال ونساء وشيوخ والعديد من الجرحى وقد استمرت العملية حوالي 89 دقيقة بتصوير مباشر. أما مرتكب المذبحة فيدعى "برنبتون تارانت" .
هذا الحقد الدفين قديم جديد بين الشرق والغرب؛ وتلك المذبحة الشنيعة كانت امتداد لهذا العداء بينهم. والسؤال هنا:هل هذا الكره وليد الاختلاف العقائدي أم ثراء الشرق وكثرة خيراته؟هذا ما سيتضح خلال العرض التالي:
من خلال دراسة تاريخ علاقة الشرق بالغرب على مر التاريخ يتضح لنا أن العلاقات كانت تتأرجح بين السلم والحرب، والحرب كانت الأكثر دموية لأنها تتميز بطابع العداء الديني ويظهر ذلك في فترة الحروب الصليبية في العصور الوسطى وهي الحملات التي وجهها الغرب المسيحي بقيادة "البابا" للشرق بحجة حماية الرعايا المسيحيين في الشرق وخاصة لمدينة القدس ذات الأهمية الدينية لهم والمقدسة ولكن بمجرد دخولهم المدينة بعد محاصرتها ارتكبوا عمليات القتل والتدمير بحق قاطنيها بدون شفقة أو رحمة باستخدامهم الطرق الوحشية التي لا تدلل على الآدمية أو المدنية التي يدعونها .
وتتوالى الأحداث الدامية من الغرب تجاه الشرق وصولاً بمرحلة عرفت بالاستعمار الحديث على المشرق العربي الإسلامي الذي عاني الويلات على يد المحتل من قتل ونفي وطرد وسرقة الأرض وتفننه باستخدام أساليب جديدة تجاه المسلمين للقضاء عليهم والاستيلاء على خيراتهم وجعلهم كالعبيد يعملون لتحقيق رغباتهم ليس إلا ومحاربتهم في دينهم بحرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية ومحاولة نشر الدين المسيحي عن طريق المدارس التبشيرية والأجنبية للقضاء على الدين الإسلامي وفي النهاية تخلص المسلمين العرب من الاستعمار بعد خوضهم معارك التحرر ولكن هل انتهى الحقد والكره ؟
حقيقة لم ينته بل استمر إلى يومنا هذا وصولاً للمسلمين المتواجدين في البلاد الأوروبية الذين تعرضوا للانتهاكات والمعاملة السيئة من قبل المتعصبين المسيحيين الذين يكنون العداء والكره للمسلمين فهم لا يريدون للمسلمين البقاء في بلادهم أو أن ينتشر دينهم بين الأوروبيين أنفسهم لذلك نشاهد ونسمع بعمليات القتل الممنهجة والمخطط لها سواء من قبل جماعات أو أفراد للقضاء على المسلمين.
وبالرجوع إلى آخر جرائمهم مذبحة بنيوزيلندا، ووقوفاً على تفاصيل مرتكب الجريمة نلاحظ أنه مسيحي بروتستانتي أبيض ذو الثماني والعشرون عاماً كما وصف نفسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووضح هدفه من تلك الجريمة هو تقليل معدلات الهجرة إلى أوروبا ، وخطط لهذا الهجوم منذ عامين بدون تحديد منطقة معينة ثم قبل ثلاثة شهور من التنفيذ حدد المكان وهو مدينة "كرايست تشيرش" واختياره لمسجد النور يرجع لكبر مساحته وارتياد أعداد كبيرة من المسلمين للصلاة فيه لقتل اكبر عدد ممكن من المسلمين ليرعبهم ويجبرهم على مغادرة بلادهم وبرر هجومه على المسجد انه للانتقام من الغزاة( المسلمين) والانتقام من أجل مئات آلالاف الوفيات التي تسبب المسلمين بقتلهم بعد احتلالهم لأوروبا والانتقام للأوروبيين الذين أصبحوا عبيداً للمسلمين بعد أخذهم من أراضيهم وكذلك للانتقام لآلاف الأرواح التي فقدت بسبب الإرهاب الإسلامي المنتشر في أوروبا كما يدعي تارانت .
إن مرتكب هذه الجريمة ليس بالشخص الجاهل بل هو مثقف وواع يستدل على ذلك من خلال العبارات والمصطلحات التي تلخص فلسفته المدونة على البنادق التي استخدمها ومن بين العبارات "آكلو الأتراك" وهو اسم للعصابات يونانية بالقرن 19م كانت تشن هجمات دموية ضد الدولة العثمانية وعبارة "اللاجئون أهلاً بكم في الجحيم" وعبارة" 1683فيينا"وهي إشارة لتاريخ معركة فيينا التي خسرتها الدولة العثمانية ووضعت حداً للتوسع العثماني في أوروبا وكذلك تاريخ 1571م في إشارة لمعركة ليبانتوا البحرية التي خسرها العثمانيون وكذلك دون بعض الشخصيات على البنادق منها شارل مارتيل وهو قائد الجيش الفرنجي في معركة بلاط الشهداء 732م وانهزم المسلمون فيها و" ماركو انطونيو براغادينو"وهو قائد فينسي غدر وقتل الأسري الأتراك، "اسكندر بيسونت" الذي بقتل ستة أشخاص بهجوم على مسجد في كندا 2017م وقد حكم عليه مدة 40عاماً و "انون لوندين بيترسن" الذي قتل طفلين مهاجرين في السويد وغيرها من المعارك التي دارت بين المسلمين والمسيحيين وانهزم المسلمون فيها.
وأما عن رد فعل العالم الغربي المسيحي على هذه الجريمة العالمية تجاه المذبحة نرى أن أغلب الردود تنم عن العنصرية المسيحية تجاه المسلمين وأهم الردود رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اعتبر ما وقع بالعمل الآثم ولم يصفه بالعمل الإرهابي وكل ما أدلى به أنه يبعث بأحر التعازي وأطيب التمنيات لشعب نيوزيلندا بعد المذبحة المروعة في المسجد الذي قتل51 بريئاً بلا ذنب وأصيب آخرون بجراح خطيرة من ورجال وشيوخ وأطفال ونساء لا ذنب لهم إلا أنهم يؤدون شعائرهم الدينية التي كفلتها القوانين والمواثيق الدولية ومنظمات حقوق الإنسان،، وعبر الرئيس الأمريكي بالوقوف بجانب نيوزيلندا ومساعدتها بأي شيء ممكن أن تفعله.
فيما قام الأمين العام للأمم المتحدة في الثاني والعشرون من آذار بتقديم واجب العزاء قائلاً "أعرف أن هذه أوقات عصيبة لكنني هنا لأقول لكم بقلب مفعم بالمشاعر وبثقة انتم لستم وحدكم في العالم والأمم المتحدة معكم وأنا معكم" وكان قد وصف مرتكب المذبحة بشخص غريب وإرهابي كما فعلت رئيسة وزراء نيوزيلندا "جاسيندا ارديرين"لم يرد أن يسمي الإرهابي باسمه كما بل وصفه بالغريب.
ويبدو جلياً في هذا القول أن واجب العزاء الذي كان متأخراً لا يبدي فيه أياً من المبالاة تجاه دماء الأبرياء الذين ذهبوا قضاء هذا الحادث الأليم.
أما بالتطرق إلي الأسباب الكامنة وراء هذا العمل الإرهابي نجد أن الحقد القديم الحديث تجاه الشرق من قبل الغرب يعود لأسباب اقتصادية اجتماعية الكترونية وعقائديا.أما عن الاقتصادية يتمثل بالنفط الذي يمتلكه الشرق باعتباره سوق استهلاكي للمنتجات الغربية وتدوير رؤوس الأموال فيها.بينما السبب الاجتماعي يعود إلى زيادة أعداد اللاجئين بكامل حضاراتهم وجلبها إلي الغرب. وتمثل لعبة البابجي الالكترونية خاصة في طريقة تنفيذ "تارانت"للعملية كما في اللعبة بالضبط كما وضح علماء النفس أن إتباع أساليب العنف المتمثل في هذه اللعبة تأخذ الفرد من الواقع وتجعله يعيش في عالم آخر ملئ بالجريمة يدخل في ذلك تركيبة الشخص نفسه ومعتقداته وأخلاقه وميوله العنيفة تجاه هذه الأحداث ويدعم هذا كله مواقع التواصل الاجتماعي حيث يسوق الكراهية والعنف تجاه الشرق ويزيده.وكذلك السبب الديني العقائدي الذي برز من خلال تصريحات ترامب والذي أقلق المسلمين كزنه أصبح منهجاً سياسياً عنصرياً وهو عدم السماح للمسلمين بدخول أمريكا حيث اعتبره العالم دعوة للإرهاب ضد المسلمين كل ذلك كان يعتبر تلبية لنداءات ترامب العنصرية المشبعة بفكر الكراهية للإسلام والمسلمين أينما تواجدوا ومن المفارقات الغريبة أن الغرب يكيل الأمور بمكيالين وهو قيام أمريكا بوصف العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون ضد المحتل الصهيوني بالإرهابيين والعمليات الإرهابية بينما هذه العملية لم يتم وصفها بالعمل الإرهابي وما يقوم به الاحتلال الصهيوني بجرائم بحق الإنسان الفلسطيني بالعمل الإرهابي بل إنه دفاع عن النفس وهذه الازدواجية في التعاطي مع ذلك العمل ينم عن عنصرية وحقد دفين وعدم وجود عدل؛ ولا يستبعد أن يكون في المستقبل المزيد من العمليات طالما الحقد والكره مستمر والعنصرية ما دامت تجد من يحميها ويرعاها فإلى متى سيستمر هذا الحقد ومتى ينتشر العدل؟.
الاسم : شرين المناصرة