ما بين السلام "الاقتصادي" و السلام "السياسي" قضية و حقوق شعب بقلم: د.باسم عثمان
تاريخ النشر : 2019-05-25
ما بين السلام "الاقتصادي" و السلام "السياسي" قضية و حقوق شعب بقلم: د.باسم عثمان


ما بين السلام "الاقتصادي" و السلام "السياسي" قضية و حقوق شعب

د.باسم عثمان

 كشفت الإدارة الأمريكية عن أولى مراحل تطبيق صفقة القرن المزمع طرحُها، بدعوتها الى تنفيذ الخطوات الاولى و التي يجب أن تبدأ بورشة العملٍ "الاقتصادية", وبحضور وزراء مالٍ عرب ورجال أعمال، وذلك في العاصمة البحرينية المنامة.

إنّ أمريكا وإسرائيل تحاولان، من خلال ورشة "الانعاش الاقتصادي"، تمرير صفقة القرن من بوّابة الإصلاحات الاقتصادية أولا، على أن يعقبه الشقّ السياسي لاحقاً.

 ويرى الفلسطينيون أن قضيتهم سياسية بامتياز، والحلّ يكمن في إنهاء الاحتلال الاسرائيلي عن اراضيهم المحتلة وإقامة دولتهم وعاصمتُها القدس، وليس عبر ورشات عمل اقتصادية و تحسين ظروف المعيشة و الحياة.

 وتعتبر ورشة العمل "الاقتصادية" في المنامة استكمالاً لمشروع ترامب الذي بدأه بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقطع المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين,و تجفيف المنابع المالية للاونروا. 

خطورة ما تُسمّى "الورشة الاقتصادية" تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار"،لا يعدو عن كونه منصّة لإعلان الانخراط الرسمي الخليجي العربي بغالبيته في تبني "صفقة ترامب"، وتبني رؤية نتنياهو المدعومة أمريكياً لما يُسمى "السلام الاقتصادي"، كحلٍ للصراع العربي والفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي.

إن الحديث عن مؤتمر اقتصادي او ورشات عمل اقتصادية تحضيراً "للسلام المزعوم" امريكيا ما هو إلا مجرد أكاذيب وادعاءات زائفة، فالسلام الحقيقي لا يقوم مع بقاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وللجولان السوري المحتل، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، بل يقوم على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة لعدوان 67، وممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس,  وحل قضية اللاجئين بموجب القرار الأممي 194، الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.

أن الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي ليس" قضيةانسانية" و تحسين ظروف المعيشة فقط,انما سياسي بالدرجة الاولى يتعلق بإنهاء الاحتلال و تقرير المصير, و ما العامل الاقتصادي سوى  نتيجة للحل السياسي، و الشعب الفلسطيني لا يبحث عن تحسين الأوضاع وتحقيق الرفاهية تحت الاحتلال ,لذاك يتوجب على القيادة الفلسطينية الانتقال من الرفض الكلامي لصفقة ترامب إلى التطبيق العملي والميداني بتطبيق قرارات المجلس المركزي في دورتيه (5/3/2015+ 15/1/2018) والمجلس الوطني (30/4/2018) في رسالة إلى دول العالم أجمع، عن وحدة موقف الشعب الفلسطيني ورفضه كل الحلول البديلة لحقوقه الوطنية المشروعة، واستعداده الكفاحي لتقديم كل التضحيات الضرورية من أجلها ودحض كل المشاريع البديلة.

ان عواصم التطبيع الخليجية العربية عليها أن تدرك أن ما ينقص الاقتصاد الفلسطيني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية المستدامة ليس مقترحات تحفيز و انعاش اقتصادي يجري بحثها بمعزل عن مشاركة الفلسطينيين على المستويين الرسمي والأهلي بقدر ما ينقصه التحرر من قيود اتفاق "باريس الاقتصادي" ومن الاحتلال الغير شرعي على ارضه ، حيث من العبث الحديث عن تنمية اقتصادية واجتماعية في ظل الاحتلال و سياساته الاستيطانية و التهويدية و الذي يحكم قبضته على جميع مناحي الحياة في الاراضي الفلسطينية المحتلة,  ويتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم قوة عمل احتياطية رخيصة الثمن ومع أسواقهم باعتبارها ملحقا وتابعا اقتصاديا لتسويق المنتجات الاسرائيلية.

هذه "الخطةالترامبية", والتي بدأت بالتطبيقات العملية وترسيخ "الحقائق السياسية"، قبل الاطلاع عليها, و باشرت تطبيقاتها المعلنة عبر ورشاتها الاقتصادية, ومن ثم صياغتها وفقا للنتائج الملموسة على الارض و سياسة "الامر الواقع" وعلى ردات الفعل فلسطينيا و اقليميا و دوليا...,سياسة خطيرة وماكرة تبدأ بالتطبيقات الملموسة ومن ثم صياغتها ضمن خطة مرتقبة" للسلام المزعوم" في المنطقة, ومن ثم القول: هذا هو الواقع الجديد؟! و يجب التعامل معه؟؟!!!.

لذلك,ان احتواء الانعكاسات الخطيرة لتطبيقات صفقة القرن يتطلب بالضرورة العمل على إنهاء الانقسام الداخلي (الجغرافي والإداري والمؤسساتي والسياسي) الفلسطيني من خلال التطبيق الميداني لقرارات المجلس الوطني الفلسطيني, واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني وهو متطلب أساسي في المواجهة مع صفقة القرن و تباشيرها الاولى المعلنة والعمل على احباطها.

إن مواجهة صفقة القرن كإطار للتسوية السياسية و"الانعاش الاقتصادي" الانساني و ليست كاطار للتسوية القانونية لأنها تغرد خارج السرب القانوني للقرارات الدولية, وظيفتها تصفية القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية,و تتطلب التوافق على استراتيجية وطنية شاملة تستند إلى حالة وطنية فلسطينية متماسكة وآليات ميدانية فعالة, لتصويب العلاقات الائتلافية داخل م.ت.ف ومؤسساتها ، وإعادة بناء هذه العلاقات على قاعدة الديمقراطية التوافقية والشراكة السياسية.  

وعلى القيادة الرسمية الفلسطينية  مغادرة السياسة الإنتظارية وسياسة المماطلة والتسويف وتعطيل قرارات الاجماع الوطني والشروع دون تردد بخطوات فك الارتباط مع سلطات الاحتلال و التحرر من قيود اتفاق أوسلو, ردا فلسطينيا متناسبا مع جرائم الاحتلال الاستيطانية والتهويدية للأراضي الفلسطينية, و الصفقات الامريكية المشبوهة, وهذا لن يكون الا بتنفيذ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني و تحديد العلاقة مع "اسرائيل", باعتبارها دولة معادية تحتل اراضي دولة فلسطين الى جانب استنهاض المقاومة الشعبية بجميع أشكالها ، وتطويرها لانتفاضة شاملة ، على طريق التحول إلى عصيان وطني شامل, يدفع المجتمع الدولي الى التدخل لإلزام دولة الاحتلال الاسرائيلي على احترام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.  

نحن أحوج ما نكون الى استراتيجية وطنية لمواجهة خطر الاستيطان الاسرائيلي, الذي بات يشكل تهديدا وجوديا للشعب الفلسطيني كجزء من سياسة الاشتباك مع صفقة القرن الامريكية, والدخول في حوار وطني شامل لطي صفحة الانقسام ومتطلبات فك الارتباط بدولة "الاحتلال الاسرائيلي ومتطلبات تدويل الحقوق والقضية الوطنية الفلسطينية وخوض معاركها في المحافل الدولية.

ان سياسة التغول الامريكي- الاسرائيلي و التلويح بسياسات التهميش و التصفية للقضية الفلسطينية سياسيا و قانونيا و اقتصاديا تستند على:  

1-استمرار حالة الانقسام الفلسطيني الرسمي و ليس الشعبي – الشعب موحد بالميدان و المقاومة - و تعطيل تنفيذ قرارات الاجماع الوطني الفلسطيني(الوطني و المركزي).

2-النكوص لبعض الدول العربية و خاصة الخليجية منها على اعتبار القضية الفلسطينية جوهر الصراع العربي-الاسرائيلي, واتباع سياسة "التطبيع" مع كيان "الاحتلال الاسرائيلي" احد مرتكزات صفقة القرن الامريكية و استضافة ورشات عمل تصفوية للقضية الفلسطينية.   

وها هو الاحتلال الاسرائيلي يرى في مسيرات العودة الخطر الفعلي على قيامه ونقيض وجوده, حيث إنه بمجرد أن يتحقق حق العودة ولو بعد 71 عاماً ويعود الحق لأهله سينهار الكيان، وهو الكابوس الذي يخشاه الاحتلال، وكذلك فإن عودة طرح ملف العودة بهذا الزخم وهذه القوة لدى الأجيال الجديدة، يعني إعادة الوعي الجمعي الفلسطيني نحو القضية المركزية له، وهي حقّه في العودة، وفشل كافة المشاريع التي طرحت لإنهاء قضية اللاجئين، وآخرها صفقة القرن, فيما السلطة ترى في مسيرات العودة خطراً على مشروعها التي تتبناه للتسوية مع الاحتلال وفشله أمام مسيرات العودة، إلى جانب ظهور كيانات فلسطينية تستمد شرعيتها من المتظاهرين، مثل: اللجنة العليا لمسيرات العودة.

لذلك يضع الاحتلال على سلم أولوياته إنهاء مسيرات العودة، وضرورة وقفها بأي شكل من الاشكال، سواء بالتصعيد العسكري والة القتل الاجرامية بحق المدنيين السلميين, أو من خلال نشر أكاذيب و تحريض ضد المشاركين فيها عبر وسائل إعلامه،