قراءة تاريخية "الاستراتيجية الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية" بقلم: رضا محمد صرصور
تاريخ النشر : 2019-05-23
بقلم: رضا محمد صرصور.

طالبة دراسات عليا – جامعة الأقصى – فلسطين – غزة.

تخصص دراسات تاريخية معاصرة.

أعقبت الحرب العالمية الثانية ظهور الولايات المتحدة الأمريكية قوى عظمى ورأس حربة للرأسمالية في مواجهة الاتحاد السوفيتي، ونظرًا لتراجع نفوذ فرنسا وبريطانيا في الشرق الأوسط، سعت الولايات المتحدة الأمريكية لوضع استراتيجية تجاهها، ومنذ الخمسينات من القرن الماضي بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتفكير الجدي للسيطرة على المنطقة، كما وأصبحت الخطة الأمريكية مدعومة من جهات مختلفة تقوم على فرض الحلول والمواقف والإملاءات لتصفية القضية الفلسطينية.

ونظرًا لأهمية منطقة الشرق الأوسط لما يمثله من موقع استراتيجي في قلب العالم، كما أنه حلقة وصل أو جسر بين دول وقارات العالم، هذا بالإضافة للممرات المائية وطرق المواصلات التجارية الدولية، كما أنه يتمتع بامتيازات خاصة، منها: امتيازات اقتصادية حيث يمتلك الشرق الأوسط حوالي (أربعًا وثمانين في المائة) من احتياطي النفط العالمي، ويعتبر المزود الرئيسي لأمريكا وأوروبا، بالإضافة كونه سوقًا رائجًا للسلاح الغربي، وامتيازات استراتيجية نظرًا للموقع الجغرافي مع إطلاله على المضائق في البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي، وكذلك إن معظم الدول العربية إما منتجة للبترول أو تمر أنابيب من أراضيها أو مجاورة لها، فخضوع هذه الدول للنفوذ الأمريكي والإنجليزي بصورة أو بأخرى أمر ضروري للمحافظة على المصالح الغربية، ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة لإخضاع المنطقة.

فكان شغل الولايات المتحدة الأمريكية الشاغل هو إيجاد حكام أو زعامات عربية مستأنسة موالين لها في المنطقة؛ كي تسهل سيطرتها على المنطقة، ليتم تصفية القضية الفلسطينية بأيدٍ عربية، فأخذت تطرح المشاريع والخطط من أجل دمج الكيان الصهيوني الذي يتعارض مع حقوق الفلسطينيين، فكانت كافة المشاريع التي طُرحت تهدف بصورة أو بأخرى؛ لإنهاء القضية الفلسطينية، وحماية الكيان الصهيوني الذي يعتبر رأس حربة لها في المنطقة وخط دفاع أمامي عن الغرب.

وقد أيدت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس عام (ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين) لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وتبنت الإدارة الأمريكية المشروع الأمريكي "ملء الفراغ" الذي قدمه أيزنهاور والتي هدفت من خلاله حلول أمريكا لملء الفراغ الاستعماري في منطقة الشرق الأوسط عام (ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين)، وبالإضافة لمشروع جوزيف جونسون عام (ألف وتسعمائة وواحد وستين) الذي كُلف من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بدراسة مشكلة الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم نتيجة قيام الكيان الصهيوني، وكان ذلك المشروع محاولة واضحة للتضليل والالتفاف على قرار الجمعية العامة (194).

وأعقبه العديد من المشاريع الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية وصولًا إلى مشروع برنارد لويس عام (ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين) والذي يعتبر صاحب أخطر مخطط طُرح في القرن العشرين، وذلك لتفتيت العالم الإسلامي وتجزئته وتحويله إلى فسيفساء ورقية يكون فيه الكيان الصهيوني السيد المُطاع، فهو من أخطر المشاريع الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، بل وعلى العالم العربي والإسلامي عامة والقضية الفلسطينية خاصة، حيث وضع برنارد لويس يهودي الديانة مشروعًا لتقسيم الشرق الأوسط وفقًا للعرق والدين بما يشبه اتفاقية سايكس بيكو التي وضعت عام (ألف وتسعمائة وستة عشر)، القاضية بتقسيم بلاد الشام والعراق، وقد أوضح برنارد ذلك من خلال الخرائط للتجمعات العرقية والمذهبية والدينية والتي على أساسها يتم التقسيم، وسلم المشروع لمستشار الأمن القومي بريجنسكي في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وقد وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع خلال جلسة سرية عام (ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين) على مشروع برنارد لويس، وتم اعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية كاستراتيجية مستقبلية.

وكان قد أشار في مشروعه أن الكيان الصهيوني يمثل الخطوط الأمامية الدفاعية للحضارة الغربية، وهو الذي يقف أمام الحقد الإسلامي نحو الغرب الأوروبي، ولابدَ من بقاء هذا الكيان قوي ومتفوق بكل السبل.

واستمرارًا لنهج السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط وبالأخص القضية الفلسطينية والوجود الصهيوني في المنطقة.

ها نحن اليوم يطل علينا الرئيس الأمريكي ترامب بما يسمى بـ "صفقة القرن"، وما هي إلا خطوة من خطوات تنفيذ مشروع برنارد لويس، وعملية إزاحة للقضية الفلسطينية من صدارة المشهد المتوتر في الشرق الأوسط.

فقد تحدث الرئيس الأمريكي ترامب عن صفقة القرن بوصفها خطة سلام للشرق الأوسط وحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فكان اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني أول بنودها، ولابدَ من الإشارة أن قرار الاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني جاء نتيجة لإجماع الكونجرس الأمريكي منتصف التسعينات، وبقي الاعتراف في أدراج البيت الأبيض حتى تهيأت الظروف المناسبة لتطبيق الصفقة كخلاصة لكل المشاريع التي طُرحت على مدار سنوات عديدة.

ويبدو أن الرياح الآن تجري كما تريد سفن ترامب، فالمنطقة العربية في حالة تشتت وضياع وصراعات دامية بدون استثناء وسيبقى الجسد العربي معرضًا لاحتمالات اختراق واسعة من القوى الرأسمالية الغربية وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية.

والمطلوب منا كفلسطينيين هو الحمل الأكبر لأن كما تم ذكره أن القرار الرسمي العربي في هذه الفترة من الخطورة التعويل عليه، فلابدَ من تحريك المياه الراكدة التي تتمحور حول القضية الفلسطينية بعد تغيبها عن المشهد العربي والدولي، فيجب رفض المشروع والسعي لإفشاله بكافة الطرق والإمكانات.

فلابدَ - بأي حال من الأحوال - ترتيب البيت الفلسطيني، ويجب على الفصائل الفلسطينية أجمع إيجاد استراتيجية قوية متينة واستخدام القوة الناعمة، والقوة الخشنة، إذا استدعى الأمر لصدد وإفشال هذا المشروع التصفوي لقضيتنا العادلة.

"فلسطين لا سلام ... ولا حل"