في رمضان وما بعد رمضان بقلم رفيق أحمد علي
تاريخ النشر : 2019-05-23
في رمضان وما بعد رمضان بقلم رفيق أحمد علي


في رمضان وما بعد رمضان..
في رمضان كان تنزيل القرآن.. وفيه كانت أعظم الفتوحات والانتصارات الإسلامية.. وفيه ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر! وإنها لذكرياتٌ وأيام لها مكانها وإجلالها في نفوس كل المسلمين! لكن قد واكب انتصاف رمضاننا هذا العام ذكرى أليمة على نفوسنا، ألا وهي ذكرى نكبة فلسطين- 15 مايو/أيار عام 1948=1367ه – تقتيلاً لشعبنا وتشريداً له واغتصاباً لدياره وأرضه على أيدي الصهاينة الدخلاء المعتدين، وما يرتبط بذلك من هزيمة مرة للعرب بدولهم السبع آنذاك؛ والسبب واضح بيّن نستنبطه من قرآننا الكريم وتراثنا الإسلامي المجيد، إذ أنّ جهاد أولئك لم يكن في سبيل الله وإلا لنصرهم الله. وما قاتلوا إلا في سبيل أعلامهم الموزعة، وامتثالاً وطاعةً لزعمائهم المتنافرة أهواؤهم المتضارب ولاؤهم.. الأصنام الشركاء الذين ركزهم الاستعمار، بعدما فرض عليهم تقسيم بلادهم.. فقيل لهم: أين شركاؤكم الذين عبدتم وزعمتم أنهم ناصروكم من دون الله؟ وهكذا زُرعت الدولة المزعومة-إسرائيل- في أرض فلسطين؛ لتكون رأس حربة للمستعمر الصليبي، موجهة إلى قلب الأمة؛ تكريساً على استمرار تقسيمها وانقسامها وخضوع حكامها لذلك المستعمر وما يمليه عليهم.. لقد طالبت الجيوش العربية آنذاك وباسم قيادتها العربية الموحدة "العليا" والتي كان يقودها الجنرال البريطاني كلوب باشا، طالبت بتسليم سلاح المجاهدين الفلسطينيين؛ ً توحيداً لجبهة القتال بزعمهم، ولو لم تفعل لكانت مقاومة المجاهدين أكثر جدوى وربما لتغير مسار المعركة وتبدلت النتيجة! فما توحدت تلك الجبهة إلا ليقودها ذلك البريطاني القابع في الأردن تحت توجيه الانتداب البريطاني، وليعمل على تطويق الزحف العربي ويأمر بالانسحاب من اللد والرملة بعد تحقيق بعض انتصارات العرب، وتسليمها للمعتدي الصهيوني، حليفهم القادم على حساب أصحاب الحق الأصليين! وما أشبه الليلة بالبارحة؛ وكأنّ التاريخ يعيد نفسه، ليعود المستعمر المتحفز لامتصاص خيرات بلادنا، المتطلع العامل على تجزيء المجزّأ منها، فيبرز بما يسميه "صفقة القرن" التي يصلنا أنّ من بنودها وإملاءاتها علينا تسليم سلاحنا، ولا ندري لمن يسلّم أم يئول، أللسلطة أم للعدوّ تنسيقاً معه؟ ما لا يُقبل ذوقاً ولا يستساغ طعماً! ويستحيل أن يتحقق ما دامت روحنا لنا وعزائمنا فينا.. إنّ تسليم سلاحنا هو تسليم لروحنا.. هو تسليم كل تاريخنا الجهادي.. هو تسليم وجودنا! ومن ذا يقبل بذلك استسلاماً إلا فاقدٌ لروحه وعقله؟ ومن ذا يطالب به سلاماً إلا أعظم فقداناً وأعشى بصراً وأوهى برهاناً! ويؤجلون إعلان هذه الصفقة إلى ما بعد شهر رمضان، ويبدو أنهم يعلمون كيف تكون عزائم المسلمين الرمضانية؛ فيخشون انفجارها فيهم، ويحسبون عواقب سخفهم واستخفافهم وتعدّيهم.. حتى ذهبوا إلى التأجيل والتسويف لما بعد هذا الشهر المخيف؛ عسى أن تضعف عزائمنا، فيجدوا فينا ثغرة للقبول والتسليم! لكننا نخبرهم أنّ عزائمنا لن تهون مهما تغير الزمان أو تبدل الحال، وأنّ إصرارنا على حقنا هو الإصرار، ولن يتغير ما بين رمضان وشوّال!
هذا وفي حال التوتر الجاري في منطقة الخليج العربي والسعودية وإيران- بعدما أجرى الرئيس الأمريكي ترامب من حصار اقتصادي على إيران، ويهدد بمزيد من العقوبات ويحشد الحاملات والمدمرات- يتوقع البعض من كاشحٍ أو مُرجف أو موهومٍ متعسّف.. انهيار النظام في إيران في زمن قريب قد لا يتعدى اكتمال شهر رمضان، إن لم يكن بالفعل في حكم المنهار! ذلك إلا إذا سارعت إيران بالقبول لما يمليه عليها الشيطان! ونتوقع ونرى في المقابل أنّ إيران لن تنهار لا في رمضان ولا ما بعد رمضان، وستظل شامخة صُلبة في وجه الشيطان.. دون أن تقبّل الأيدي النجسة أو تتمسحّ بالأذيال المتسخة! وشتّان بين من يتقوّى بإيمانه ويعتمد على خالقه ليحفظه وينصره، وبين من يطلب حماية من يبتزه ولو كان الشيطان، ويدفع له مقابل ذلك طائل الأموال ولو كان ذلك هو المستعمر الصليبي الناهب لثروات الشعوب، والذي سلّم القدس الفلسطينية العربية الإسلامية لليهود الغاصبين! شتان بين من يتصدى للاستكبار الصليبي والعلو الإسرائيلي في الأرض، وبين من يواليهم ويتخذ منهم أعواناً وحماة.. وقد نهانا عن ذلك ربّنا في محكم الآيات، إذ يقول سبحانه: "يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياءَ بعضهم أولياءُ بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين"(المائدة:51) والله غالبٌ على أمره.. وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ