إسرائيل الطفل المدلل بقلم: ريم نسيم فرحات
تاريخ النشر : 2019-05-22
بقلم/ ريم نسيم فرحات
طالبة دراسات عليا – جامعة الأقصى بغزة

لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً أكثر تأثيراً في مسارها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا.
بدأ اهتمام الولايات المتحدة يتجه نحو الشرق الأوسط مع اندلاع الحرب العالمية الأولى بينما بدأ التزامها اتجاه الحركة الصهيونية فعلياً بعد الحرب العالمية الثانية حين أخذت دور بريطانيا الداعم والمتطابق مع الموقف الصهيوني، وذلك بعد ضغط الحركة الصهيونية على صائغي القرار الأمريكي.

بعد أن أوشكت الحرب العالمية الثانية من نهايتها بدأ يتضح أن ميزان القوى في العالم اخذ يميل لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية لذلك اتجهت انظار الصهيونية إليهما لتصبح مصدراً للمساعدة السياسية بعد أن كانت مصدراً رئيسياً للمساعدات المالية فحسب.
من عام 1940 إلى عام 1949 في هذه المرحلة أصبحت الولايات المتحدة بؤرة للنشاط الصهيوني بالرغم من أن بريطانيا ظلت تتبوأ مركز الاهتمام الأول بسبب استمرار انتدابها على فلسطين.
كان المؤتمر بلتيمور المنعقد في 9 أيار 1942م في نيويورك أهمية كبيرة وكان العامل الأساسي الذي شكل نقطة تحول تاريخية في علاقات الحركة الصهيونية الدولية وهو المؤتمر الأخطر بعد وعد بلفور وفيه تقرر تنفيذ وعد بلفور وهو القرار الأهم للحركة الصهيونية في هذا المؤتمر تم إقرار إنشاء دولة يهودية وإلغاء الكتاب الأبيض عام 1939م وفتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومنح الوكالة اليهودية حقوقاُ إدارية وتنظيمية في فلسطين وتشكيل قوة يهودية.
وتتابعت مواقف الإدارات الأمريكية من القضية الفلسطينية حيث ترجمت الولايات المتحدة توطيد العلاقات مع الحركة الصهيونية بالدور الأمريكي في دعم صدور قرار التقسيم 181 في 29/11/1947م عندما تعاون مندوبو الولايات المتحدة تعاوناً وثيقاً مع ممثلي الوكالة اليهودية في السعي نحو إقرار المشروع وكان دور البيت الأبيض ممارسة الضغط المباشر وغير المباشر على بلدان العالم التي ما تزال مقررة أو معارضة للتقسيم وتراوحت الضغوط بين الإكراه السياسي والتهديد بقطع المعونات الاقتصادية وجرى أخيراً إقرار التقسيم بأغلبية 33 صوتاً مقابل 13ضد التقسيم وامتناع عشرة أعضاء عن التصويت.
وقد قيم (دافيدهورفيتش) أحد ممثلي الوكالة اليهودية لدى الأمم المتحدة دور واشنطن في الجمعية العامة على الشكل التالي: وضعت الولايات المتحدة ثقل نفوذها في الساعة الأخيرة تقريباً ولا بد من إرجاع الفضل في نتيجة التصويت النهائي إلى هذه الحقيقة.
وعندما أعلن قيام ( دولة إسرائيل ) في 14/5/1948 سارع الرئيس الأمريكي ترومان إلى الاعتراف بها بعد 11 دقيقة فقط من الإعلان قبل أن تطلبه حكومة (إسرائيل) المؤقتة.
تابعت الولايات المتحدة سياستها لدعم الدولة اليهودية بقوة وثبات فقد كان الضغط الأمريكي وراء الهدنة الأولى التي فرها مجلس الأمن في حزيران 1948م وكانت وراء فرض اتفاقيات الهدنة الدائمة التي وقعتها إسرائيل مع دول المواجهة العربية مصر وسوريا ولبنان والأردن بعد ما تيقنت أن إسرائيل أفادت من فترة الهدنة الأولى لتمد وتحقق مزيداً من التوسع الإقليمي وتستولي على أراضي لم تكن مخصصة لها بموجب قرار التقسيم، كان لأمريكيا دور بارز في دفع إسرائيل إلى عضوية الأمم المتحدة بتاريخ 11/5/1949.
من عام 1950 وحتى عام 1967 وهي مرحلة حاولت أمريكيا فيها إقامة نوع من التوازن بين الدول الدخيلة ودول المنطقة وسعت للمحافظة على الوضع الراهن الجديد الذي نشأ عن قيام إسرائيل ضمن خطوط الهدنة ومنع قيام أي تهديد عربي جدي للوجود الإسرائيلي، وقد دأبت واشنطن وتحدثت طوال تلك الفترة عن رغبتها في الوصول إلى تسوية دائمة للصراع العربي الإسرائيلي إلا أنها لم تقم بأي نشاط جاد وفعلي لتحقيق ذلك.
وفي هذه المرحلة انتهجت أمريكيا سياسة تقوم على تقليص قضية فلسطين إلى قضية لاجئين يستحقون الإغاثة والعون مؤقتاً حتى يصار إلى تذويبهم النهائي في جسم المجتمعات العربية، في تلك الفترة ظهر عدد من المشروعات الامريكية كالمقترحات التي قدمت للرئيس عبدالناصر عام 1955و1956 ومشروع والاس ومشروع ايدن.
ما بعد 1967 يتصف الموقف الأمريكي عن قضية فلسطين خلال هذه الفترة بالانحياز الكامل لإسرائيل فتغاضت عن احتلال كامل الأرض وبعض الأراضي العربية في عدوان 1967م.
فقد انتهجت أمريكيا سياسة جديدة تقوم بدلاً من الانسحاب غير المشروط على أجراء مقايضة الانسحاب الإسرائيلي بالاعتراف العربي بإسرائيل وأصبحت تتحدث عن التزامها بصيانة أم إسرائيل وسلامتها ومضت تترجم ذلك الالتزام عملياً بتقديم المعونات العسكرية والمالية السخية لإسرائيل علانية وبصورة مباشرة لإقناع العرب بأن لا أمل في تحرير أراضيهم بالقتال وأن أملهم الوحيد ينحصر في التسوية السلمية فقط على أساس المعادلة الامريكية أي مقايضة الانسحاب الإسرائيلي بالاعتراف ورفض الرئيس الأمريكي جونسون الطلب العربي بانسحاب إسرائيل الفوري إلى خطوط الرابع من حزيران 1967 وتبين أن المكاسب الإقليمية التي حققتها إسرائيل في حربها لا يعقل أن تتنازل عنها كلياً.
ورغم مجيئ الرئيس ينكسون إلى الحكم ظل الحال على ما كانت عليه إلى أن اشتدت حرب الاستنزاف المصرية الإسرائيلية في منتصف 1969 وتصاعدت حركة المقاومة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة وخارجها فشعرت واشنطن أنها لا بد أن تتحرك بشكل يوحي بالاعتدال كي تحمي مصالحها ومصالح إسرائيل فكان مشروع روجزر في 9/12/1969 ويحمل في جوهره اعتدال تكتيكي فقط بع بقاء التصلب الاستراتيجي الأمريكي في صف إسرائيل ورغم أن مصر والأردن قبلتا المشروع كدولتي مواجهة وتوقفت حرب الاستنزاف وما تلاها من صدامات مسلحة بين المقاومة الفلسطينية والأردن لم تبدأ إسرائيل أي استعداد لقبول المشروع بدعم خفي من أمريكيا ولا يمكن أن تنسحب شبراً واحداً من الأراضي العربية المحتلة إلا إذا أجبرت على ذلك بالقوة وأما قضية الشعب الفلسطيني فلم تكن بإقرار الإدارة الأمريكية مطروحة أصلاً للنقاش بوصفها قضية للاجئين لا أكثر.
في أواخر عام 1973م وهي رحلة فرض التسويات الأمريكية على العرب عد أن اطمأنت أمريكا إلى استعادة ميزان القوة العسكرية لصالح حليفتها إسرائيل بعد أن غطت خسائرها في حرب 1973 وجددت تسليح الجيش الإسرائيلي بالأسلحة المتطورة بما يمكنها من التغلب على أجهزة الدفاع الجوي في مصر وسوريا وفق حسابات البتاغون الأمريكي.
استغلت أمريكا نتائج حرب تشرين لفرض التسوية النهائية لقضية الشرق الأوسط بما يرضي إسرائيل فبعد توقف اطلاق النار على الجهتين المصرية والسورية بدأ وزير الخارجية الامريكية هنري كيسنخر بتطبيق دبلوماسيته الهادفة لفرض هذه التسوية.
وقد نجح في فك الاشتباك الأول بين مصر وإسرائيل وهو الأمر الذي أدى عملياً إلى بداية فك الارتباط بين جهتين القتال العربيتين مصر وسوريا ثم سعى بعد مدة ونجح في ترتيب فك الاشتباك السوري الإسرائيلي ومضى يفتت الجبهة العربية باتفاقية سيناء لعام 1975م والإسهام في خلق الأزمة اللبنانية وتحييد سلاح النفط ومال العربي الذي أبرزته حرب تشرين سلاحاً مسانداً تحسب له الولايات المتحدة ولفوائده حساباً كبيراً.
استخدمت الولايات المتحدة الأسلوب الكيسنجري في جر العرب إلى تسويات منفردة تدريجياً خلال عهد الرئيس نيكسون وفورد لما جاء الرئيس جيمي كارتر نجح في جر الرئيس المصري أنور السادات إلى الانفراد في الدخول في مفاوضات مباشرة مع القادة الاسرائيليين خلال زيارته للقدس في 19 ، 20/11/1977 مع ما أحدثته هذه الزيارة من زيادة التخلخل في الصف العربي ووجدت الإدارة الامريكية أن الفرصة مواتية للمضي أكثر في سياسة فرض التسويات الجزئية.
فكانت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وأمريكيا في 17/9/1979 ثم معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية.

في 26/3/1979 وهذا ما شكل في جوهره مجموعة من المبادئ الخطرة على القضية العربية وعلى رأسها قضية فلسطين.

• موقف الولايات المتحدة من إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية رفضت أمريكيا قيام المنظمة عام 1964م ووجهت مذكرة تحذير إلى بعض الدول العربية ووعدت بتسوية القضية الفلسطينية من خلال الأمم المتحدة حيث أن إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية قد مثل ترسيخ مفهوم الكيانية الفلسطينية وتجسيده عملياً.
• لم تكتفي أمريكا بعدم الاعتراف بمنظمة التحرير بل حاربتها على شتى الصعد وصوتت ضد جميع قرارات الأمم المتحدة التي تقرر للمنظمة صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ومارست ضغوطاً عنيفة على حلفاءها لاتخاذ نفس الموقف الرافض لوجود المنظمة.
• بعد عام 1982م واجبار المقاتلين الفلسطينيين على الخروج من لبنان وتنقلها بين العواصم العربية التي معظمها أغلقت أبوابها أمام الفلسطينيين ومارست سياسة تضيق الخناق على منظمة التحرير خاصة بعد حرب الخليج الأولى سنة 1990 أدرك الفلسطينيون أن الولايات المتحدة الامريكية هي الطرف الوحيد الذي يمكن أن يرعى أي تسوية سلمية لذا لم يتوقفوا عن محاولاتهم في إجراء أي اتصال مع الامريكان وعندما تفجرت الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987م رفضت إدارة الرئيس رونالدريجان لفتح الحوار مع المنظمة بوصفها عنصراً حاسماً في الصراع ولا يمكن تجاوزها.
وعندما جاءت إدارة الرئيس جورج بوش الأب عمل على إنجاح هذا الحوار وذلك عندما وجدت الولايات المتحدة الوقت مناسباً لبدء حل القضية الفلسطينية مستغلة ظروف الساحة الدولية التي أنهت نظرية القطبين لصالح الولايات المتحدة.
وعندما جاءت إدارة بيل كلنتون عام 1992م تمت رعايتها لاتفاق أوسلو سنة 1993 والتي على اثرها قامت السلطة الوطنية الفلسطينية وجولات المفاوضات التي تبعت أوسلو من أجل التوصل إلى اتفاق حول قضايا الحل النهائي.
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر عام 2001 حاولت إسرائيل استغلال مفهوم الإرهاب الذي اكتسب أهمية خاصة في العلاقات الدولية اثر تلك الاحداث من خلال ربط العمليات العسكرية والغدائية للمقاومة الفلسطينية بالإرهاب.
اما الإدارة الامريكية ورئيسها جورج بوش الابن انتهى بها الامر لإقناع إسرائيل أو الضغط عليها لتغير سياساتها اتجاه حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ودعم انشاء دولة فلسطين كما متفق عليه في مفاوضات الحل النهائي وفق اتفاقية أوسلو 1993م.

أما بالنسبة للموقف الأمريكي من الانتفاضة الثانية التي اندلعت في تشرين/أكتوبر عام 2000 ومن ثم حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقره برام الله كان متعاطفاً مع الموقف الإسرائيلي ومسانداً له حيث أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تعامل مع المقاومة الفلسطينية على انها أعمال إرهابية وأيدت عمليات جيش الاحتلال ورأتها دفاعاً عن النفس داخل أراضي السلطة الفلسطينية وحملته مسؤولية فشل المفاوضات وفساد السلطة واستمرار الارهاب الفلسطيني وتطابقت رؤيتها مع الرؤية الإسرائيلية المتمثلة بضرورة التخلص منه.
أسهمت الولايات المتحدة بكل كبير في إعاقة الجمهور الذاتية لإصلاح السلطة عبر ممارسة ضغوط قوية على السلطة الفلسطينية وعلى الأطراف الدولية الأخرى وكان جل الاهتمام الأمريكي يتركز على اصلاح البعدين الأمني والمالي بينما تم اعفاء الاحتلال من أية مسؤوليات تجاه الخلل الذي لحق بالسلطة نتيجة ممارساته ضدها.
في 20يناير 2017 تولى دونالد ترامب الرئيس ال45 للولايات المتحدة الامريكية الذي اتخذ في أقل من عامين على توليه إدارة البيت الأبيض سبق قرارات خطيرة ومصيرية تضرب عمق القضية الفلسطينية خاصة في ملفي القدس واللاجئين وهذه القرارات جاءت على اثر رفض فلسطيني خطة السلام الامريكية الغير معلن عنها رسمياً والمعروفة باسم صفقة القرن وهذه القرارات كانت على النحو التالي:
1- الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6ديسمبر2017 تنفيذاً لقرار الكونغرس عام 1995 الذي دأب الرؤساء الامريكيون على تأجيل التصديق على هذه الخطوة.
2- تقليص المساعدات للأونروا في 6ديسمبر حيث جمدت نحو 300 مليون دولار من أصل المساعدات البالغة 360مليون دولار وتسبب ذلك الإجراء في مفاقمة الأزمة المالية للأونروا مما دفع إدارة الوكالة لتقليص خدماتها للاجئين الفلسطينيين.
3- نقل السفارة الامريكية إلى القدس في 14مايو وقال ترامب في خطابه اللاحق أن نقل سفارة بلاده إلى القدس يزيح ملف القدس عن أي مفاوضات فلسطينية إسرائيلية قطع المساعدات كلها عن الأونروا.

بعد أشهر من قرار تقليص المساعدات قررت الإدارة الامريكية في 3أغسطس قطع كافة المساعدات المالية لوكالة الأونروا وذلك لإنهاء وضعية " لاجئ" لملايين الفلسطينيين من أجل وقف عمل الأونروا.
5- قطع كل المساعدات على السلطة الفلسطينية: أصدر البيت الأبيض بياناً جاء فيه أن واشنطن أعادت توجيه أكثر من 200مليون دولار كانت مخصصة لمساعدات اقتصادية للضفة الغربية وغزة إلى مشاريع في أماكن أخرى حول العالم.
6- وقف دعم مستشفيات القدس: أعلنت وزارة الخارجية الامريكية في السابع من سبتمبر حجبها 25مليون دولار كان من المقرر أن تقدمها مساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس وعددها ستة مستشفيات.
7- إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن : أعلنت الإدارة الامريكية رسمياً إغلاق السفارة الفلسطينية في واشنطن عقاباً على مواصلة العمل في المحكمة الجناية الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية وستقوم بتنزيل علم فلسطين في واشنطن العاصمة.

يتبين لنا مما سبق أن الولايات المتحدة الامريكية لم تكن يوماً جادة وصادقة في المبادرات التي قدمتها لحل القضية الفلسطينية وأن الهدف وراء تلك المبادرات هو إدارة الصراع وكسب الوقت لصالح الدولة الصهيونية لفرض حقائق تستفيد منها وأن الولايات المتحدة لم تكن وسيطاً نزيهاً في كل جولات المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين بل كان منحازا للإسرائيليين.