سياسة الهروب إلى الأمام واللامبالاة إلى متى؟ بقلم:محمد علي القايدي
تاريخ النشر : 2019-05-21
سياسة الهروب إلى الأمام واللامبالاة إلى متى؟ بقلم:محمد علي القايدي


سياسة الهروب إلى الأمام واللامبالاة الى متى ؟
اصرار رئس الحكومة يوسف الشاهد على عدم التراجع في قرار الترفيع في سعر المحروقات ليس بالقرار الحكيم ولا بالموقف الرصين إنّما يدلّ ودون أدنى شكّ على مدى ارتباطه بتعهداته التي قطعها على نفسه تجاه الجهات المقرضة والمتمثّلة في تطبيق كل شروط واملاءات صندوق النقد الدولي و الدول الغربية المانحة ولو كانت مجحفة ولا تصب في مصلحة البلد الذي اغرق بالديون منذ اكثر من ستّة عقود . زمن بورقيبة عندما تحصل تونس على قرض طويل المدى و يقع تسديده بعد 30 سنة بفائض قيل لنا آنذاك انه ضعيف كنّا نصفّق ونعدّه انجازا عظيما ولا نعلم شيئا عن تبعاته . ثم دخلنا في فخّ القروض المتوسطة والقصيرة المدى لكن بفوائض اكبر وأثقل إلى أن تراكمت الديون وبلغت حدّا لا يطاق . فإلى غاية 2014 كانت جملة الديون المتراكمة تمثل قرابة 71 % من الناتج الوطني الخام وهو حدّ خطير يجعل مصير بلادنا في مهب الرياح . فسياسة الحكومة الحالية اتسمت بالضبابيّة والمراوغة و اللامبالاة رغم تصاعد احتجاجات العمال جرّاء غلاء المعيشة ودخول اتحاد الشغل في مفاوضات ماراطونية مع حكومة الشاهد لمراجعة الاجور والتي افضت في نهاية الامر إلى زيادات للقطاعين الخاص والعام غير متكافئة لا تفي بالحاجة ولا تلبي مطالب الطبقة الشغيلة المتضرّرة خاصة في القطاع العمومي جرّاء تدهور قدرتهم الشرائيّة والغريب أن حمّى الأسعار زادت في الاشتعال بعيد الإمضاء على الاتفاق وقبل القبض أي أن هذه الزيادات الأخيرة التي سمّيت بالزيادات التعديليّة للأجور والتي اعطاها لنا تحت الضغط باليد اليمنى افتك ضعفها باليد اليسرى ونتج عن ذالك ارتفاع مشط في المعيشة وزيادات في اسعار المحروقات ومشتقاتها وكذلك العديد من المواد الضرورية بصفة صادمة ومفضوحة فيها تحدّ ونقمة وانتقام من شعب تلظى من الغلاء والاحتكار ، فعلبة الطماطم المركّزة مرّت من 2230 مليم إلى 3350 مليما أي بزياد 1220 مليم في العلبة الواحدة وهذا جدّ كثير لا يتحمّله عامة المستهلكين .أي بزيادة تتجاوز ال 50% في حين الزيادة في الأجور لم تتجاوز 6 %. دون احتساب الزيادات الجنونيّة في فاتورتي الماء والكهرباء . أمّا ما قيل عن الاستعدادات و الاجراءات التي اتخذتها الحكومة بمناسبة شهر رمضان المعظّم والمتمثّلة في تزويد السوق المركزي بما يحتاجه من لحوم وبيض وخضر وغلال مع الضغط على الأسعار والحدّ من الاحتكار لكن ما قيل شيء وما نعيشه شيء آخر مخالف تماما للواقع فلا رقابة ولا ردع للمخالفين والمحتكرين والمضاربين المسيطرين على السوق . حال البلد في تراجع وتدهور مستمر ولا مؤشّر على ان المستقبل سيكون افضل او يبشّر بالخير خاصة انّ شبكات التواصل الاجتماعي تداولت هذه الايام موضوع أرّق وأزعج الجميع لو نفّذ ستكون آثاره كارثيّة ومدمّرة لمقدرات البلاد ألا وهو موضوع الأليكا ALECA أي اتفاقية التبادل التجاري الحرّ والمعمّق بين تونس والاتحاد الأوروبي وهي اتفاقية قديمة متجدّدة وافق عليها المخلوع وتم التصديق عليها في عام 1995 والتي تهدف إلى الحدّ من الحواجز الجمركية بين الطرفين والتي تسببت بين عامي 1996 و 2008 في خسارة لبلادنا بقيمة 19 مليار دينار من الإيرادات. اتفاقية التبادل التجاري الحرّ والمعمّق لم يقع التطرّق إليها اعلاميّا أي لم تحظ باهتمام الصحافة آنذاك ولا في أيّامنا ولم يعلم بكنهها وأهدافها ومخاطرها إلاّ أهل الاختصاص أمّا الرأي العام فهو مغيّب عمدا ولا يدرك مدى خطورة انعكاساتها على مستقبل البلاد في مجال الصناعة والقطاع الفلاحي الأكثر تضرّرا لكونها ستضرّ باقتصاد البلاد وتفقّر كل التونسيين كما جري للمكسيك أي أن المتضرّر في نهاية الامر هو الشعب التونسي الذي سدّد ويسدّد الفاتورة مقابل هذه الخسائر من خلال ارتفاع ضريبة القيمة المضافة . فعلى حكومة الشاهد العمل على ايجاد الحلول ولو كانت سحريّة لتجنّب كارثة قد تعصف بالبلد وبشعبها ويعيد لنا الاستعمار المباشر من جديد ، فسياسة الهروب إلى الأمام دون علاج الأسباب لا تجدي نفعا , لك الله يا بلدي .
الاستاذ : محمد علي القايدي .
باجة في : 20 ماي 2019 .
تونس .