تأملات فلسفية بقلم:م . نواف الحاج علي
تاريخ النشر : 2019-05-20
تأملات فلسفية بقلم:م . نواف الحاج علي


حين تعرض عليك صوره تحوي العديد من الأشخاص فأول ما تبحث من بينهم عن صورتك ؟ وبعد أن تتمعن فيها وتبدي ملاحظاتك والتي غالبا ما تكون الاعجاب - ثم تنتقل الى صور الأحباب من الأقارب والأصدقاء ، ثم صور المعارف الآخرين -- انها طبيعة البشر الأناينه والتي لا يمكن لأحد انكارها او التنصل منها ---
وحين تنظر في المرآه لا يختلف الأمر كثيرا فترى وجهك وتحاول اصلاح هندامك والظهور بالمظهر الذي ترتاح له -- أما المرأة فغالبا ما تلجأ الى المساحيق لتحسين صورة وجهها أمام نفسها وأمام الناس --- لكن لو دققنا في الأمر ونظرنا في العمق - فهل نحن قد رأينا شكلنا الحقيقي سواء في الصورة أو في المرآه – قطعا لا !! فشكل الوجه فينا يتبدل ويتلون بين لحظة وأخرى تبعا لتبدل الظروف والأحوال فتارة يحمر خجلا وأخرى يصفر خوفا أو يسود لموقف آخر -- بل الأمر أعمق من ذلك بكثير فهذا الجسد الذي نراه - انه في تغير مستمر كما يتغير الليل والنهار – أليس هو مركب من العناصر الكيميائية التي نعرفها والتي حددها جدول مندليف --- أليس هو مكون من هيدروجين ونيتروجين وأكسجين وحديد ومغنيسيوم وكربون وغيرها --- ان تلك العناصر في تفاعل مستمر تحدث تغييرات لا تتوقف في أجسادنا ----
قد تقطف ثمرة من شجرة استمدت بعض عناصرها من رفات انسان ميت تحلل جسده فتأكل منها ويدخل جسدك من عناصر تلك الثمره --- معنى هذا أنك قد أكلت من جسد أخيك دون أن تدرك ذلك !!!! – انها دورات الحياة المتغيرة المستمره ---
اذن فالجسد هو مجرد وعاء لشئ آخر أهم وأعمق واسمى بكثير!! شئ لا يتغير ولا يفنى ولا يتحلل كما يتحلل الجسد ويتغير باستمرار-- انه النور الالهي الذي أودعه الله في الانسان / انه الروح المستمده من خالقها عز وجل : ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون -فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين - )- صدق الله العظيم
هذا التكريم الالهي للانسان يستوجب التفكر والتمعن في عظمة هذا الخالق : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ( .
من هنا فان وصفنا لجمال امرأة خضعت لمعايير سميناها معايير الجمال ما هو الا افتراء على الحقيقه – من هنا نفسر انتحار بعض من وصفن بالجمال المتعارف عليه بين البشر– فالجمال هنا كان جمال الجسد وليس جمال الروح -
اننا نرى أجساما متحركه تشدها شهوات المال والجنس والسلطة والجاه وغيرها من الشهوات ، ولو أمعنا في الأمر لوجدنا أن المال يؤول للهلاك أو الورثه ، وأن العقار ينتهي الى الخراب ، وأن الجمال الجسدي يذوي مع الزمن - وأن الجاه والسلطان قد يسقط في لحظة – وهكذا الشهوات الأخرى --
ان الجمال الحقيقي الذي يجب أن يشدنا اليه هو جمال الروح التي أودعها الله في الانسان ، والمستمدة من روح الله عز وجل فاذا أدركنا هذه الحقيقه وصلنا لمرحلة القناعة والطمأنينة والرضا –
تخيل أن ملكا من الملوك دعاك الى رحلة سياحية في يخته الملكي بعد أن وضع على صدرك وساما رفيعا ، ترى كيف تكون مشاعرك وأنت تجوب البحار في يخت ملكي به كل مغريات الحياه ؟ - ولله المثل الأعلى - ترى كيف يجب أن تكون مشاعرك وأنت في رحاب الله بعد ان امدك بنعم لا تعد ولا تحصى ودعاك للسير على منهجه ، فكيف اذا استجبت للدعوه وأنت تعيش في كنف ملك الملوك ومالك الكون كله وبيده مقاليد السماوات والأرض وهو القادر على اسعادك ؟؟؟--- هنا تكمن السعادة الحقيقيه .