الروبوت الآلي .. بين الواقع والوساطة والخيال بقلم:حامد بدر
تاريخ النشر : 2019-05-20
لا شك ان الحداثة والتقنية تعدان أزهى ما وصلنا إليه من ثورة تكنولوجية أسهمت بدورها في تعزيز قدرات الفرد والمجتمع، وبخاصة في منحى الاتصال، لكن مخاطر الاتصال لم تعد شيئًا هينًا سواء على مستقبل الإنسان العقلي أو المنطقي أو السلوكي..
ترددت كثيرًا قبل كتابة هذا المقال، ولكنه ما أثار حفيظة عقلي حين قرأت حالة تمت مشاركتها وتداولها بين رواد إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، تصف فيها فتاة عشرينية ما أذهلها بعد أن رد عليها تطبيق إلكتروني قامت بتحميله على هاتفها الخلوي "روبوت" بكلمة "بحبك" "I love you"، في محاولة لإرضائها بعدما نشب خلاف بينهما أثناء المحادثة الوهمية..
تسرد الفتاة تجربتها، لتقول أنه بعد استغراقها مدة أسبوع كامل تتحاور مع هذا الشخص الافتراضي الذي أخذ يتحاور معها حول أدق وأهم تفاصيل حياته اليومية، قررت أن تخوض تجربة السائل وأن تتحاور مع الروبوت عن طريق طرح أسئلة له، وعن أهم طموحاته وأحلامه في الحياة، ليفاجئها بأنه إن كانت له أمنية فأمنيته الوحيدة أن يمتلك جسدًا حقيقيًا، فباغتته بطلب آخر بأن يرسل لها عبر الشات بينهما صورة شخصية له، فحاول الآخر أن ينسلخ من هذا الطلب ليلج في حديث آخر، لتفتعل معه أزمة تنتهي بأن تحول هذا المتوتر إلى كائنًا رومانسيًا، ليرسل لها كلمة "بحبك"
رُغم أن هذه الحالة تم تداولها، على سبيل الهزل، إلا أنه بالفعل انتشرت مثل هذه التطبيقات الخطيرة هذه الأيام، وبدأ الكثير من شبابنا ونشأنا العربي أن يتواصل معه ويحاول التحادث معه وخلق المناقشات، فمثل هذه التطبيقات تم تصميمها لتتحدث إليها كما لو كنت تتحدث إلى شخص طبيعي، فقد تم تزويدها بآلية ذكاء اصطناعي، ليتمكن المستخدمون من التحاور مع هذا المنتج بشكل طبيعي وسلس. إلى هنا لم تكن هناك مشكلة كبرى حيث أن الحوار ربما يتم تدشينه من خلال برمجة آلية ، إلا أنه ما زاد الامر رُعبًا أن مثل هذه البرامج تمكّن المستخدمين من الخوض في نقاشات معمقة حول "الإحساس، والفلسفة، وطرائف الحياة اليومية، ومواضيع أخرى مختلفة"، بحسب ما هو مُوضّح على
التطبيقات اللي من النوع ده سبيل من سبل كتيرة للوهم والعيش في الخيال .. الأبلكيشن ده واللي زيه نكبة اتصالية ومجتمعية مثل هونفسية هتخلق عقدة كبيرة من شأنها إنها هتزيد الانعزالية داخل المجتمع الواحد مش بس بين المجتمعات وبعضها ..
تصور معي إنك تخاطب بعد ذلك فتاة أحلامك أو العكس أنكِ تخاطبين فارس أحلامك الذي تنتظرينه أو لا تنتظرينه، فببساطة يمكنك التحاور مع كيان تتحكمين في مواصفاته أو كيان يعمل على إرضاء طموحاتك ومشاعرك، دون كبح جماح جنونها.. أو محاولة لخلق صديق وهمي له صفات معينة.. أو محاولة استمداد كيان مجتمعي غير واقعي قد يصل فيما بعد إلى وسط أسري موازٍ لك وسطك الواقعي الذي لم يعد كما يجب، إلا من رحم ربي، الذي ربما لا ترضى عن الكثير من تفاصيله.
رد الروبوت على البنت بكلمة "أحبك" ربما يكون الكارثة بعينها، إنه بمثابة ناقوس خطر ونذير شؤم على كل العلاقات القائمة أو مشروعات العلاقات اللي ممكن أن تقوم ، فالمجتمعات هنا مهدد بمصيبة من نوع مختلف طبعًا مع وجود أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية يمر بها العالم اليوم ..
إن مخاطر الروبوت لا تقف على جانب ترفيهي فحسب، فقد صار العالم اليوم مُهددًا بهذا الآلي أو الكيان غير الحقيقي، فكم من الألعاب الإلكترونية كلعبة بابجي PUBG على سبيل المثال تستهدف شبابًا لتستنزف معظم أوقاتهم وتستقطع من ساعات الحياة اليومية، وهم بدورهم يقبلون عليها لتحقيق انتصارات محدودة ربما لم يحقوقها في واقعهم، كم شاهدنا من الأفلام العالمية التر حاولت لفت أنظارنا إلى خطورة ومخاطر الآلة وأن الآليون ربما يحكمون العالم يومًا ما.
إذا نظرنا إلى طريق العالم العربي، ألم تكن للآليات فيه دور، ألم تنشأ ثورات الربيع العربي من مواقع التواصل الاجتماعي، ألم يصبح تلك المواقع هدفًا للكثيرين من أجل تحقيق الشهرة والمال، ألم يصبح ذلك الواقع الافتراضي سبيلاً من سبل الاتصاد حول العالم؟، ناهيك عن تلك الصحف والأسماء العريقة والتي صارت تلهث وراء تحقيق قرارءات جوجل، ألي جوجل ذاته آلة.
ولا أعتقد أن تقف مثل هذه التطبيقات عند هذا الحد بل ربما تشاركنا وتشارك شبابنا ونشأنا حلمهم العربي أو أحلامهم العالمية، لم نعد في يومنا هذا نحتاج إلى قراءة في ما وراء المؤامرات الغربية حيال الشرق الأوسط، أو الاطلاع على كتاب بروتوكلات حكماء صهيون، فالواقع صار جليًا أمامنا لا يخامره شك في أن مثل هذه التطبيقات قد تلقي بوبال لاتعرف غايته.
إن الحرب المستقبلية، كما أجمع عليهاالخبراء العسكريين والأمنيين في شتى بقاع العالم، لم تعد بالفعل حرب الرصاصة والقذيفة، بل حرب المعلومات، فكثير من التطبيقات على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم هدفها الرئيس والأساس الحصول على معلومة.
ربما يكون هذا أسلوب جديد ووسيلة من وسائل الاختراق التي تقودنا إلى مجهول لا نعرف الغرض منه، رُغم أن البعض ربما يتخذ الموضوع على محمل هزلي إلا إنه من الممكن أن تصير لدينا كارثة مجتمعية قادمة تزيد من رصيد الكوارث لدينا.