ضم الضفة الغربية لإسرائيل واتفاقية أوسلو بقلم أ. علي ابو سرور
تاريخ النشر : 2019-05-19
بعد اعتراف الرئيس الامريكي ترامب مؤخرا بسيطرة اسرائيل على الجولان العربي السوري ، اخذت وسائل الاعلام المختلفة في هذه الايام تتناقل خبر رغبة اسرائيل بضم الضفة الغربية او اجزاء منها لإسرائيل وفقا للوعد الذي قطعه نتنياهو على نفسه للإسرائيليين في حال فوزه في الانتخابات الأخيرة. وبما ان هذا الفوز قد تحقق، فان ضم المستوطنات الكبيرة الجاثمة على الارض الفلسطينية الى دولته سيكون مسألة وقت، هذا بالإضافة الى ضم مناطق حيوية وهامه من المنطقة المسماة ج من الضفة الغربية، وعلى الاغلب فان نتنياهو لن يقدم على ضم اكثر من خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في المناطق المتبقية من الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، وذلك لعدم رغبته بتحمل تكلفة ماليه باهظه. ومما لا شك فيه بان ما سيدعم نتنياهو للقيام بهذه الخطوات هو دعم الرئيس ترامب المطلق له، وكذلك توفر المناخ السياسي الملائم دوليا واقليميا لمثل هذه القرارات، هذا بالإضافة الى مواقف بعض حكام العرب الذين بدأوا بالتطبيع العلني مع دولة الاحتلال بدون ثمن.
ومن المؤكد بان هذه الخطوات وما سيتبعها من خطوات اخرى تعتبر مقدمة لتنفيذ وعد نتنياهو الثاني لمنتخبيه والقاضي بمنع قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 والقضاء على فكرة حل الدولتين، وكذلك التنصل من اتفاقية اوسلو والقضاء عليها كونها تتعارض مع خطط الصهاينة والتي تسعى الى احتلال مزيد من الارض العربية لبناء اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات، الامر الذي يثبت بان اسرائيل لم تكن ابدا تعمل من اجل السلام، واما مفاوضاتها مع الفلسطينيين فكانت تستخدمها كاداه من اجل تلميع صورتها امام العالم ولكسب مزيد من الوقت حتى تتمكن من تنفيذ مخططاتها على الارض.
لا شك بان النفاق الاوروبي وضعف المؤسسات الدولية وهرولة العديد من الانظمة العربية نحو التطبيع مع اسرائيل دون مقابل، وكذلك الانقسام الفلسطيني تعتبر من الاسباب التي شجعت حكام اسرائيل على التهرب من استحقاقات عملية السلام والتنكر لحقوق الفلسطينيين، وهي التي ادت ايضا الى سيطرة الاحزاب اليمينية المتطرفة في المجتمع الصهيوني . هذه الاسباب وغيرها هي التي تدعم غطرسة حكام اسرائيل وتنكرهم لحقوق الفلسطينيين وعلى رأسهم نتنياهو الذي اصبح اكبر همه هو البقاء في الحكم لأطول فترة زمنية ممكنه.
لقد كان قرار القيادة الفلسطينية الرافض لرعاية امريكا لعملية السلام حكيما، كون الأخيرة لم تكن ابدا راعيا نزيها لها بل كانت شريكا للاحتلال. كما وان المتتبع لسيرة حكام امريكا بدأ بالرئيس كنيدي وصولا الى ترامب سيجد بانها مليئة بالعداء للشعب الفلسطيني وهم جميعا كانوا متفقين على تقديم اكبر دعم ممكن لهذا الاحتلال، انطلاقا من معتقدهم الأيديولوجي الصهيوني المسيحي المنحاز لإسرائيل والذي يؤمن بان فلسطين هي ارض الميعاد وهي ملك للشعب اليهودي التي سيعود اليها السيد المسيح عليه السلام والتي ستشهد المعركة الكبرى المعروفة باسم هر مجدون والتي ستطوي الصفحة الأخيرة في تاريخ الحكم البشري وفقا لمعتقداتهم.
ومن المعروف جيدا بان اتفاقية اوسلو بمجملها كانت مجحفة بحق الفلسطينيين لأنها لم توفر لهم الحد الادنى من حقوقهم الشرعية، كما وانهم يعتبرونها سببا رئيسيا في الانقسام الفلسطيني ، الامر الذي يعني بان تنصل اسرائيل من هذه الاتفاقية سوف يؤدي الى عودة الامور بين الفلسطينيين والاسرائيليين الى مربعها الاول، اي العودة الى دوامة العنف وعدم الاستقرار في المنطقة، كما وان اسرائيل تعلم يقينا بان هذا التنصل سوف يمنح فرصة للفلسطينيين للتراجع عن كافة الاتفاقيات والالتزامات المتعلقة بهذه الاتفاقية بما فيها الاعتراف بها، خاصة وانهم يحظون بدعم كامل من معظم شعوب الامة العربية وشعوب العالم المحبة للسلام والعدل، كما وان العقلاء من الشعب الاسرائيلي يدركون تماما بان تنصل حكومتهم من عملية السلام سيجلب مزيدا من الدمار والتطرف لهم وللمنطقة باسرها.
وامام هذا التحول الكبير والخطير في السياسة الإسرائيلية فقد اصبح المواطن الفلسطيني يتساءل عن خيارات القيادة الفلسطينية امام هذه المتغيرات؟
لا شك بان تنصل اسرائيل من اتفاقية اوسلو وسعيها لضم الضفة الغربية او اجزاء منها يعتبر اعلان حرب على الفلسطينيين، كما وانه ينهي ما تبقى من هذه الاتفاقية، لذلك مطلوب من الفلسطينيين تحميل اسرائيل وامريكا مسؤولية فشل عملية السلام، كما وان عليهم توظيف هذا التنصل لمراجعة كل ما يتعلق بهذه الاتفاقية وخاصة الاعتراف بإسرائيل.
ولمواجهة هذا التنصل مطلوب من القيادة الفلسطينية القيام بخطوات عمليه وسريعة وشفافة لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وعلى رأسها ملف منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك إتمام المصالحة الفلسطينية دون الرجوع الى وسطاء، هذا بالإضافة الى القيام بمراجعة شامله وتقيميه لعملية التفاوض مع الاحتلال منذ بدايتها وحتى يومنا هذا على ان يشمل ذلك اداء المفاوضين الفلسطينيين بطريقة واقعية ومهنية وشفافة والذي يعتبر امرا غاية في الاهمية.
لا شك بان الاحتلال يعمل على خلق فجوة بين الشعب الفلسطيني ومسؤوليه من خلال تقديم الامتيازات والتسهيلات للمسؤولين الفلسطينيين دون غالبية المواطنين للتميز بينهم وصولا الى خلق عدم ثقة بين الجانبين مما يمكنه من الاستمرار في تنفيذ سياسته وخططته الخبيثة واللعب على التناقضات والخلافات. لذلك مطلوب من هؤلاء المسؤولين عدم قبول هذه الامتيازات بشكل كامل.
ان استمرار رفض الرعاية الأمريكية لعملية السلام من قبل القيادة الفلسطينية والمطالبة بتوسيع دائرة المشاركين فيها لتشمل عددا اكبر من دول العالم المؤثرة وخاصة روسيا والصين واليابان واوروبا يعتبر قرارا صائبا، كما ان الاستمرار بالضغط على بريطانيا صاحبة وعد بلفور المشؤم للإسراع بالاعتراف بدولة فلسطين وتنفيذ الشق الثاني المتعلق بهذا الوعد والقاضي بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة يعتبر امرا هاما، وكذلك المضي قدما في الانضمام الى جميع المنظمات الدولية، هذا بالإضافة الى تكثيف العمل مع الدول التي لم تعترف بفلسطين لأقناعها بالاعتراف. ومن الضروري ايضا العمل على استنهاض الروح الوطنية للشعوب العربية والإسلامية من اجل القيام بدورها بالتضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله ضد المخططات الخبيثة التي تحيط بالقضية الفلسطينية وعلى راسها صفقة القرن (صفعة العار) التي يعمل الاحتلال مع ترامب على تنفيذها والتي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية وطنيه الى قضية تجاريه.
لا شك بان سياسة التجويع والحصار التي تقوم بها امريكا واسرائيل ضد القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني منذ سنوات بهدف اجبارهما على التنازل عن الحقوق الفلسطينية الثابتة والقبول بما يسمى بصفقة القرن ( صفقة كوشنر ونتنياهو) مقابل حفنة من الدولارات لن تفيد شيئا، وانما سوف تزيد الفلسطينيين اصرارا على تمسكهم بالثوابت الوطنية وكذلك بتحقيق هدفهم والقاضي بإقامة دولتهم المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها قدس الاقداس وفقا لقرارات الامم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية. لا شك بان الشعب الفلسطيني يمتلك ايمانا راسخا بعدالة قضيته وهو ماض في نضاله حتى نيل استقلاله ولن تقف امامه جميع المؤامرات التي تحاك له من قبل القريب والبعيد.
بقلم أ. علي ابو سرور
18/5/2019