حسن كامل الصباح "رحلة إصرار" أديسون العرب بقلم:أ.هدى سالم الزريعي
تاريخ النشر : 2019-05-19
حسن كامل الصباح "رحلة إصرار" أديسون العرب بقلم:أ.هدى سالم الزريعي


حسن كامل الصباح "رحلة إصرار" أديسون العرب

بقلم:أ.هدى سالم الزريعي 

مؤسسة عيون على التراث –غزة.

ولد حسن كامل الصباح في مدينة النبطية بجنوب لبنان عام 1895، لأسرة متعلمة، لوالد يعمل في مجال تجارة المواشي، أنهى تعليمه الابتدائي في المدرسة الابتدائية بمدينته، وحينها ظهر اهتمامه بالرياضيات والهندسة، كما كانت أحلامه منذ الصغر تختلف عن أحلام من هم بعمره، لقد حلم الصباح باستخراج النفط من البلاد العربية لتكون عاملاً في النهضة العربية، حتى أنه قام ببعض التجارب العلمية وهو في بهذا العمر الصغير، حيث قام مثلاً بنفخ البالون بالغاز وعمل تصميم للكرة الأرضية.

 كتب الكثير عن حسن الصباح واختراعاته وعبقريته، حتى أنه لُقِب بالعديد من الألقاب كأديسون الشرق والفتى العجيب، وقد لفت نظري في حياة الصباح أمرين اعتبرهما من أهم ركائز الابداع في حياة أي مبدع.

الركيزة الأولى هي عائلته، وقد كان لعائلة الصباح دور كبير في نشأته وتبلور شخصيته، فقد ولد الصباح لأب يعمل في التجارة وأم ذات ثقافة أدبية ودينية عالية كونها تنحدر من عائلة عريقة فأبوها الحاج ابراهيم رضا ذلك التاجر الذي أشرف على الجمعية الأهلية بالنبطية، كما أن أخوها هو الأديب والمصلح الديني والاجتماعي الشيخ أحمد رضا وهو من الرواد القائلين بأن السبيل الوحيد لنهوض الأمة من سباتها العميق هو التحديث القائم على العقل والعلم.

ولقد كان لعائلة الصباح دور كبير في مراحل حياته، فيقول عن عائلته، لقد نشأت في عائلة تقرأ أعداد مجلة المقتطف بإعجاب، ومجلة المقتطف هي مجلة علمية صناعية زراعية، ويوضح لنا هذا المستوى الثقافي لعائلة الصباح، كما يخبرنا عن والده وعن اختلاطه بسكان البادية الشامية بحكم عمله، وكيف كان لحديث والده عنهم دوراً مهماً في تثبيت مثلهم العليا ومنازع نفوسهم الطموحة وشممهم وسخائهم على شخصيته، طما يحدثنا عن خاله الشيخ أحمد رضا، والذي كان كثير الاهتمام بدراسة الظواهر الكونية، كما كان للغة العربية وآدابها منزلة كبيرة لدى والدته وشقيقاته، فقد كن مولعات بآداب العرب وأشعارهم ، وكيف كانت أمه برمضان تجلس في فناء الدار تحدثهم عن أمجاد العرب وتردد أبيات ابي العلاء المعري وهو يردد الأبيات ويبحث في السماء عن النجوم المذكورة بالقصائد، ومن هنا بدأ ولعه بدراسة الكون وحقائقه، وقد جعلته هذه الجلسات ينظر الى آداب العرب وعلومهم نظرة طموح وأمل، كما أنها رسخت لديه مبدأ القومية والطموح العلمي، 

كان لحسن الصباح محاولات علمية منذ الصغر، فيخبرنا كيف دخل في إحدى الامسيات على أهله ومعه قارورة زجاجية في قعرها بيضة سليمة، وفي وسط دهشة الجميع أخذ يشرح لهم كيف أنه وضع البيضة في الخل حتى أصبحت طرية فكان من السهل ادخالها للزجاجة وبعد فترة عادت البيضة صلبة كما كانت، وتخبرنا أمه كيف دخل عليها البيت ومعه جرة من الفخار وأدوات أخرى وبعد قترة خرج اليها فرحاً وبيده الجرة مزينة وأخذ يشرح لها أن هذا مجسم للكرة الأرضية وهذا القطب الشمالي وهذا الجنوبي وهذه المحيطات والجبال والصحاري، وتذكر لنا موقف أخر وهو في التاسعة وقد دخل لغرفته ومعه رزمة من الورق وبقي فيها لآخر النهار ثم خرج حاملاً بالوناً ورقياً كبيراً وبداخله شمع مضيء ثم اطلقه ليرتفع في سماء النبطية.

يتضح لنا من سبق من حديث حسن عن عائلته وحديثهم عنه كيف وجد حسن في بيته بيئة خصبة للإبداع والتطوير، وكيف كان لكل فرد منهم دور مهم في بناء شخصيته، كما وجد التشجيع منهم فها هي أمه تذكر مغامراته في الصغر بكل فخر ولم يذكر حسن أنه لقي توبيخاً أو اعتراضاً بسبب تلك المغامرات والتجارب التي قام بها.

 بعد أن أنهى الصباح المرحلة الابتدائية بمدرسة الابتدائية في النبطية، أرسله والده لمدرسة السلطانية في بيروت، وفي هذه المرحلة بدأ الصباح يعتمد على نفسه شيئاً فشيئا على تطوير ذاته، فيقول: ( بعد مضي سنة على دخولي المدرسة السلطانية في بيروت، اقتصدت من مصروف جيبي الخاص ثمن كتاب الجبر لفانديك، وقرأته أثناء العطلة المدرسية، فوجدت لذة عظيمة في حل مسائله، وسبب دراستي للجبر يعود لأمرين الأول عثوري على عبارة لم أفهمها في كتاب أصول الطبيعيات لأسعد الشدودي، والأمر الثاني هو رغبتي في مطالعة المقتطف لأفهم كل المقالات التي تُعنى بالعلوم وتطورها، وبعد ذلك وجدت أني بحاجة الى دراسة الهندسة، فاشتريت ترجمة فانديك لكتاب اقليدس وقرأته خلال سنتي الدراسية الثالثة، أما التاريخ فاكتفيت بما قرأته من كتب فلسفة التاريخ لمحمد فريد، ولما وصلت إلى المثلثات وجدت أني بحاجة للغة الفرنسية فعقدت العزم على تعلمها وفي نهاية السنة الثالثة أنهيت دراسة حساب المثلثات، وأصبحت مغرماً بالعلوم الرياضية وفي السنة الرابعة تمكنت من دراسة حساب التمام والتفاضل والجبر، كل هذا والصف الذي أنا فيه لم يبدأ في دراسة الجبر بعد)

يظهر لنا مما سبق الركيزة الثانية للإبداع، وهي المبدع نفسه، مهما كانت بيئة الشخص غنية بالداعمين فلن يفيد ذلك بشيء ما لم يعتمد المبدع على نفسه لاستمرار التطور والتقدم، فها هو عالمنا يعجز عن فهم عبرة في كتاب أصول الطبيعيات، مما يدفعه لدراسة كتاب الجبر لفانديك، وعندما وقفت اللغة بينه وبين دراسة حساب المثلثات، تعلم اللغة الفرنسية ليستطيع دراستها، مما يظهر لنا إصرار الصباح عل التعلم، وتخطي العقبات في سبيل تحقيق حلمه.

لم تسير حياة الصباح سلسلة، فقد واجه الكثير من العقبات، فعندما التحق بالكية السورية الإنجيلية عانى من ارتفاع أقساطها، مما هدد دراسته فيها، لكن بسبب تفوقه وقدرته على المناقش العلمية قمت له إدارة الجامعة المساعدة لإكمال تعليمه.

التحق الصباح عام 1916 بخمة الإلزامية في الجيش العثماني، حيث التحق بسرية التلغراف اللاسلكي، وهناك اختلط بالضباط الألمان، وتعلم اللغة الألمانية، ليصبح رصيده من اللغات خمس لغات " العربية، الانجليزية، الفرنسية، التركية، الألمانية"، استفاد الصباح من المهندسين الألمان حتى تفوق عليهم في صيانة الأجهزة اللاسلكية، وكان يقضي إجازاته في دراسة العلوم النظرية والفنية المتعلقة بالهندسة الكهربائية.

بعد انتهاء الحرب، عمل الصباح مدرساً للرياضيات في دمشق عام 1918، واطلع في هذه الفترة على نظريات العلماء في مجالي الذرة والنسبية، كما كتب مقالات شرح فيها موضوع الزمان والمكان النسبيين، والأبعاد الزمانية والمكانية والكتلة والطاقة، كما برز ي هذه الفترة اهتمامه بالشأن لقومي، حتى أنه بكى عند وصول القوات الفرنسية لمشارف دمشق وحصول معركة ميسلون، عاد الصباح لبيروت ليمل مدرساً للرياضيات في المدرسة الاعدادية بالجامعة الأمريكية "التي كان اسمها الكلية السورية الانجيلية من قبل" وظل في هذه الفترة يناضل من أجل لاستقلال والحدة والتقدم، بالإضافة الى كتاباته في مجلة العرفان فنجده قد كتب سلسلة مقالات بعنوان "لمحة من نظرية أينشتاين النسبية" .

في عام 1927 سافر الصباح إلى أمريكا بعد مشقة بالغة، وكان يشغل فكره حينها أمرين، الأول دراسة الهندسة الكهربائية في الجامعات لغربية، والثاني العودة بعد ذلك لوطنه لمل مشاريع على نهر الليطاني تهدف لتوزيع مياهه على القرى الساحلية وتوليد الطاقة الكهربائية منه، حاول الصباح إكمال تعليمه في الجامعات الأمريكية، لكن قلة الموارد المالية لديه وقفت حائلاً دون تحقيق هذا الحلم، فعمل فترة في شركة جنرال إلكتريك، وحاول بعدها معاودة الدراسة في جامعة إيلينوي، لكن لم يستطع إكمال دراسته بسبب المال، فعاد مرة أخرى لشركة جنرال إلكتريك، ويظهر لنا في هذه الفترة من حياته معاناته في الحياة بأمريكا، في هذه الفترة كانت أمريكا تكره كل ما له صلة بالشرق، ويظهر هذا جلياً في رسائله لأخيه، حيث كان يشكو له من سوء طباعهم ومحاولاتهم لسرقة اختراعاته وطمسها، كما شكى له من استغلال الشركة له، فقد كان تعطيه ودولاراً واحداً على كل اختراع، وفي المقابل تحصل هي الأرباح من وراءه، فقد كان الاختراعات تسجل باسم الشركة بحكم عمله فيها، واستخدامه لمختبراتها.

ويجدر بنا هنا ذكر زيارة الدكتور محمد دبس لمكتب التسجيل الاتحادي في واشنطن، حيث استطاع الوصول لبراءات اختراعات الصباح  المسجلة في هذا المكتب، فتبين أن الصباح أنجز 37 اخترعاً بمفرده، و15 اختراعاً بالتعاون مع زملائه، ونذكر من هذه الاختراعات، جهاز لنقل الصورة (يستخدم حاليا في التصوير الكهروضوئي)، جهاز لتفريغ الشحن الكهربائي في الفضاء، جهاز التحكم في الضغط، جهاز القوس الكهربائي البخاري، ويمكن الاطلاع على براءات هذه الاختراعات على الموقع الالكتروني لمكتب التسجيل الاتحادي في واشنطن بكل سهولة.

برغم الصعوبات التي واجهها الصباح في عمله، لكنه لم ييأس ولم ينسى وطنه وعروبته، كان له العديد من الواقف الوطنية، منها موقفه الداعم للثورة السورية، استمر الصباح في مراسلة الشركات والمسؤولين عن اختراعاته وأفكاره التطويرية، ولكن وافته لمنية في نهار يوم الأحد الموافق 31 آذار من عام 1935، حيث قضى نحبه في حادث سيارة تشوبه الشبهات، وذلك بسبب الظروف التي تحيط بالحادث، فقد كان حينها الصباح –وفق ما كتب في رسائله- قد بدأ بتلقي العروض من شركات ألمانية وإيطالية وبريطانية، خصوصاً بعد إرساله تقريراً لمؤتمر باريس العالمي للكهرباء، أخذ يشرح فيه نظرياته الجديدة في الهندسة الكهربائية، وينتقد  نظريات بعض العلماء المعاصرين، كما كانت هناك مراسلات بينه وبين الأمير شكيب ارسلان حول تحويل الطاقة الشمسية الى طاقة كهربائية، توفي الصباح وهو يحاول تحقيق حلمه، دون أن ييأس، لتطوى بموته صفحات حياته المليئة بالعزم والاصرار.

صورة للمقالة الأولى في سلسلة " لمحة من نظرية اينشتاين النسبية" في مجلة العرفان