وماذا بعد يا سادة! بقلم:هالة زيادة
تاريخ النشر : 2019-05-16
وماذا بعد يا سادة ؟
لقد أصبحنا وأمسينا في عادةٍ على غير العادة ، وجعلنا لأنفسنا منهجاً أنَّ الهجرة عبادة وفيها مكان الأمان وزمان الأحلام وكل ما تصبو له الأمنيات والمنال .
أضحت جلساتنا لا تخلو من حديث  الهجرة ، والشَّباب يمنون أنفسهم وبعضهم البعض بها ويتغذون على هذه الأفكار الَّتي غرسها فيهم أصحاب المصالح العليا .
كأنَّ الهجرة ستفتح أمامهم أبواب العمل على مصراعيها وستغدق عليهم النُّقود كأنهار من الشَّلالات ، وأصحبت المناقشة معهم في هذا الموضوع عبثاً فأفكارهم ثابتة لا تتغير مهما حاولت أنْ تحاورهم .
تختلف فئات تلك الشَّباب فهي متعددة :
*- منهم مَنْ لم يحالفه الحظ في إكمال تعليمه إما لسببٍ أكاديمي، أو لسببٍ مالي .
*- ومنهم من اجتهد في سلك التَّعليم وتخرج ولم يوفق في الحصول على وظيفة تناسب تخصصه الأكاديمي.
*- وبعضهم فضل أنْ يكون حرفياً وتوقف به الحال بسبب تأزم الوضع العام للبلد .
*-وفئة اختصرت على نفسها المشوار ولم تجتهد في مجال التَّعليم ، ولم تَسْعَ لحرفةٍ تعتاش منها وانتظرت الفرصة الملائمة ؛ لكي تعمل معللة أنَّ الحال متأزم  على الجميع ويجهل أنَّ لا شئ يأتي بالانتظار .
فجميعهم له مبرراته وأسبابه واستنتاجاته حسب ما آلت إليه ظروفه المادية أو الاجتماعية أو الدِّراسية أو المهنية ، وإلى حيث أوصلته امكانياته الَّتي كرس من خلالها معظم أفكاره الوهمية نحو الهجرة معتقداً بأنَّ هذه البلد لا تصلح للحياة وبناء المستقبل وأنَّ الحل وسبيله الوحيد للخلاص  يكمن في الهجرة .
وإذا أردنا إحصاء ما أوصلهم لهذا التَّفكير السَّقيم نحو الهجرة نستنبط أنَّها محصورة ما بين الحكومة الفاسدة و التَّنظيمات الأيديولوجية الحاكمة والاحتلال الغاصب.
والخلاصةتكمن بين قوسين (لأنَّها غزة)
وأنت تقنع أحدهم بالصبر وانتظار الفرج أمر مفروغٌ منه.
فمجالات السَّفر لدى الشَّباب متعددة :
*-من أجل تعليمٍ أفضل وعمل أنجح.
 *-من أجل العلاج بامكانيات تفوق الامكانيات المحلية.
 *-أو بغرض السِّياحة والتَّرفيه .
ولكنْ هذه الحالات في جميعها يوجد لها خط عودة للوطن ، أمَّا مصطلح الهجرة هذا يكون بلا عودة.
أتساءل كيف يفرطون بمنبتهم ويجتثون أنفسهم من جذورهم؟ .
الاجتهادات في ذلك الأمر تعددت وثبوت فكرة الهجرة لدى الشَّباب كارثية لا مجال لأنْ يحيدوا عنها ، بالرَّغم من كل الوقائع الَّتي نسمعها عما يحدث للمهاجرين في بلاد الغربة فالقليل منهم قد يحالفه الحظ في ايجاد ما طمح إليه ، والأغلب مِمَنْ هاجر ازداد وضعه سوءاً وازدراء  ، وامتهن ما كان يرفض العمل به في داخل بلده .
والمحزن في الأمر أولئك الَّذين يسافرون عبر البحر ومصيرهم المأساوي حيث؛ يتم استغلال ولعهم بالسَّفر من قبل المافيا والمهربين الَّذين يعملون من أجل جمع بعض الأموال من لحمهم الحي ثمَّ يزجون بهم في عرض البحر دون أخد أيٍّ من التَّدابير الَّتي تؤمن حياتهم ويُخلوا أنفسهم من تحمل مسؤولية أمنهم وأمانهم .
وما يفتر القلب أنَّ هؤلاء الشَّباب هانت عليهم أنفسهم وزجوا بأنفسهم في مصير مجهول العواقب والنِّهاية .
وبالرَّغم من كل الرِّوايات الَّتي سمعوا عنها ممنْ سبقهم في مثل هذا الأمر إلا أنَّهم يخاطرون بأرواحهم في نهايةٍ مبهمة الملامح ،فبعضهم يكتب الله له النَّجاة وبعضهم يصل جثةً هامدةً ويكون الغرق والفقد مصيره المحتوم ، والبعض الآخر يكون السِّجن إحدى محطاتهم الحتمية ..إلخ .
مصابنا جللٌ يا سادة فالأحقاد تتفاقم يوماً بعد يوم ، والخلافات تزيد من حدة الخناق الواقع على الشَّعب والحلول لا تشفي ولا تغني من جوع فلا الحال يسمح باقناع النَّاس  أنَّ الصبر مفتاح الفرج ، والأمل في تغيير الحال أصبح عبث ،ولا أحد يتقبل منك النَّصيحة أو المواساة .
ونعلق في كل حدث وعلى كل حديث ب (لأنَّها غزة).
 نعلق سوء المعيشة على شماعة البطالة ، وكأنَّ طاقات القدر سوف تفتح لمجرد الخروج من غزة .
لو تمعنا قليلاً في الحال العام لكل البلاد لوجدنا بعض المواساة ، حيث يسود الغلاء والبطالة الأحياء الفقيرة النَّائية في كل البلاد وهي موجودة في كل زمانٍ ومكانٍ .
ولنا في ذلك عبرة تخصنا وحدنا في فلسطين عن باقي الأمم، وهي بأنَّ رباطنا على هذه الأرض المباركة مقرونٌ بالأجر، وصبرنا على ما ألم ببلدنا وحصارنا في غزة الخانق والتَّضييق المستمر كله بأجرٍ غير منقطع، وليس لأنَّها غزة  ، بل لأنَّ غزة محاصرةٌ ومحبطة ومضغوطة وموضوعة في قالب أكبر من قالبها بتضخيم متطلبات هذا الشَّعب بالحرِّية والاستقلال والحياة الكريمة وكأنَّ ليس من حقها أنْ تطالب بذلك الأمر،
 وجعل همنا الوحيد هو لقمة العيش والرَّاتب ومن هنا يسعون لدفن قضيتنا  من خلال إحتياجاتنا وننسى القضية والهوية ونفكر بالهجرة الأبدية .
وأخيراً أتوجه بتنويهٍ هام ؛ حتَّى لو تم الحل السِّياسي الفصائلي فالهوة في التَّعيين الوظيفي والحرفي تبقى موجودة في كل زمان ومكان . (لأنَّها غزة ).