ويلاحظ أنّ كلّ هذا الحصار، وما صاحبه من حشودات عسكريّة على إيران لم يزعزع موقف الحكومة الإيرانيّة، التي تسعى لبناء امبراطوية فارس، أكثر ممّا تسعى إلى المنافسة على الدّولة الإقليميّة الأولى في الشّرق الأوسط. وتمثّل ذلك بتطوير الصّناعات العسكريّة والمدنيّة والزّراعة في إيران.
وأمريكا بإدارة ترامب تدرك جيّدا أنّ الانقضاض على إيران ليس سهلا، لأنّ الأخيرة تملك إرادةى وقوّة عسكريّة قادرة على تدمير القواعد العسكريّة الأمريكيّة في دول الخليج، وقدرتها الصّاروخيّة قادرة على الوصول لإسرائيل الإبن المدلّل لأمريكا، ورغم القوّة العسكريّة الهائلة لأمريكا، فإنّها غير قادرة على حسم أيّ نزاع عسكريّ مع إيران خلال أسابيع أو أشهر قليلة، وإذا ما حصل واندلع الصّراع عسكريّا فإنّ أمريكا ستتورّط في صراع قد يكون أطول وأشدّ شراسة من ورطتها في فيتنام، وهذا سيستنزف أمريكا عسكريّا واقتصاديّا، عدا عن الأزمة الاقتصاديّة العالميّة التي ستنتج عن وقف تصدير البترول، في حال أغلقت إيران مضيق هرمز في وجه الملاحة الدّوليّة، أو في حال قصفها لمنابع البترول في الخليج، كما أنّ أمريكا تعرف جيّدا بأنّها لن تستطيع من خلال "كنوزها الاستراتيجيّة" في المنطقة العربيّة بشن حرب بالوكالة على ايران. ويتّضح لأمريكا قبل غيرها بأنّه كلّما ازدادت التّهديدات والحشودات الأمريكيّة في الخليج، فإنّ ذلك يقابل بسخرية وبمزيد من الثّبات والصّمود في الموقف الأمريكيّ.
ومع ذلك فإنّ السّؤال الذي يطرح نفسه في ظلّ هذا التّخبّط الأمريكيّ هو: إلى أين تريد أمريكا أن تصل؟ وما هي أهدافها؟
وعودة سريعة إلى تصريحات ترامب، والتي كان آخرها قوله للعاهل السّعوديّ " أنا أحميك"، وعليكم دفع مقابل هذه الحماية، وهذا يعني أنّ دول الخليج العربيّ ستدفع وستواصل دفع تكاليف الحشودات العسكريّة الأمريكيّة، كما ستدفع أكثر من ذلك بكثير مقابل حماية أمريكا للأنظمة، وعند الاعلان عمّا يسمّى "صفقة القرن" فإنّ "كنوز أمريكا الاستراتيجيّة" ستكون قد استهلكت ماليّا واقتصاديّا، ولن تملك حتّى مجرّد الرّفض القوليّ لهذه الصّفقة، والتي في محاولة فرضها بالقوة ستدخل المنطقة في صراعات دامية سيكون فيها العرب هم الخاسر الوحيد، وسيتحوّلون إلى "حطّابين وسقّائين" في فلك الصّهيونيّة المتنمّرة، وستخرج ايران منتصرة.