الذكري الحادية والسبعون للنكبة حين نجحوا هم وأخفقنا نحن بقلم د. وائل محمود صادق
تاريخ النشر : 2019-05-15
الذكري الحادية والسبعون للنكبة حين نجحوا هم وأخفقنا نحن بقلم د. وائل محمود صادق


الذكري الحادية والسبعون للنكبة حين نجحوا هم وأخفقنا نحن

بقلم د: وائل محمود صادق

تمر علينا الذكري الحادية والسبعون لنكبة العام 1948 حيث احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية, فبالرغم من أن النكبة لم تشكل بداية معاناة الشعب الفلسطيني إلا أنها كانت الحدث الأبرز في تاريخ هذا الشعب, فلقد وظفت الحكومة الصهيونية أعمال الإرهاب والطرد لإنجاز هدف استراتيجي عام هو تفريغ البلاد من سكانها العرب كضرورة لتهويدها, وقامت بتدمير جماعي للقرى الفلسطينية, حيث هدمت نحو 472 قرية بها 70288 بيتاً, ولا زالت آثار هذه القرى والمدن ماثلة للعيان, وعمدت إلي تغيير مسمياتها العربية الفلسطينية ومنحتها مسميات توراتية, وطردت سكانها الفلسطينيين من بيوتهم ونهبت ممتلكاتهم, ليشكل بذلك اللاجئون الفلسطينيون – وعددهم أكثر من 800 ألف لاجيء عام 1948- حالة لأكبر مأساة إنسانية في العصر الحديث, فقد غادر هؤلاء وطنهم قهراً نتيجة للحروب والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية, وقد أشار المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه إلي أساليب التطهير العرقي في فلسطين خلال 1947 – 1948 بقوله " كانت الخطوة الأولي في اتجاه الهدف الصهيوني المتمثل في الحصول علي أكثر ما يمكن من أرض فلسطين مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين.

 ولم تترك إسرائيل شيئا في فلسطين إلا غيرته واستولت عليه فقد حولت المواقع التاريخية والأثرية الفلسطينية إلى ممتلكات إسرائيلية ومنها تحويل قبر يوسف وهو مقام عثماني إلى موقع عسكري إسرائيلي ثم إلى مزار ديني يهودي, ولم تكتفي بذلك بل قامت إسرائيل بسرقة منظمة لألوان الفنون والتراث الشعبي الفلسطيني وقدمتها للعالم علي أنها فنون إسرائيلية. 

إن ما حققته إسرائيل كان نتيجة لمؤامرة منظمة بدأت منذ سنوات طويلة, استطاعت الحركة الصهيونية خلالها أن تستنهض إمكانياتها وتستل أدواتها لتصل إلي أهدافها في إقامة كيان يجمع اليهود من مختلف دول العالم, وكانت أولي هذه الأدوات هي استغلال تلك الموجة التي سادت أوروبا خلال القرن التاسع عشر والتي دعت إلي امتياز الجنس الأبيض الأوروبي علي غيره من باقي أجناس الأرض, وتوظيف حركة الإضطهاد ضد الأجناس الأخري ومنهم اليهود والأفارقة بما يخدم المصالح الصهيونية, حيث برز مصطلح معاداة السامية- الذي اعتبره عبدالوهاب المسيري أنه يشير إلي أي شيء ابتداءً من محاولة إبادة اليهود وانتهاءً بالوقوف ضد إسرائيل بسبب سياساتها القمعية ضد العرب.

 في ذاك الوقت ظهرت دعوات رفض فكرة اندماج اليهود في الشعوب الأخري وهو ما نادي بها المجري تيودر هيرتسل مؤسس الحركة الصهيونية من خلال كتابته لمسرحيتة الشهيرة "الغيتو" أو الحي اليهودي في عام 1894 و"حالة اليهود" في 1896, لقد كانت الدعاية الصهيونية قوية ولا زالت بحيث نجحت في توظيف فكرة الإضطهاد ومعاداة السامية بما يجلب معها تعاطف الدول الكبري, هذا التعاطف المستمر إلي الآن وأخر مظاهره هو ذلك الخلط المتعمد بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية بالإضافة إلي تبني ومصادقة مجلس العدالة والشؤون الداخلية للاتحاد الأوربي في 6 ديسمبر 2018 علي اعلان معاداة السامية وحماية الطوائف اليهودية في أوروبا.

لقد استطاعت اسرائيل أن تقيم دائرة واسعة من العلاقات والتحالفات الاستراتيجية مع الدول العالمية الكبري بل وربطت مصالحها معها, فلقد كانت البداية في اقناع هذه الدول أن الحل الأمثل للقضية اليهودية في أوروبا تتمثل في إقامة كيان لهم في فلسطين وهو ما دفع بريطانيا إلي لعب دور كبير في بناء ذلك الكيان علي أرض فلسطين والذي بدأ مع إصدار وعد بلفور المشؤوم مروراً بتسهيل الهجرات اليهودية إلي فلسطين ومصادرة الأراضي ومنحها لليهود وحمايتهم من الاحتجاجات والثورات الفلسطينية ضد سياسات الإنتداب خلال النصف الأول من القرن العشرين, بالإضافة إلي دور العديد من الدول كفرنسا وروسيا والولايات المتحدة في الدعم والمساندة لاسرائيل علي مدار سنوات طويلة عسكرياً وسياسياً.

لقد استطاعت الحركة الصهيونية إلي أن تجلب إلي فلسطين موجات من الهجرات اليهودية الصهيونية بمساندة القوى الاستعمارية التي وقفت وراء المشروع الصهيوني قبل تبلور الحركة الصهيونية نفسها وجندت بعض العناصر اليهودية المضللة أو المغامرة ودفعتها إلى الهجرة إلى فلسطين تحت شعار كاذب يقول بأن "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وقد ساعدها في ذلك الغطاء اليهودي السخي الذي قدم التمويل اللازم لنقل المهاجرين إلى فلسطين من خلال البارون ادموند دى روتشيلد والمصرفي اليهودي موريس دى هرش ليصل عدد اليهود الصهاينة مع انتهاء فترة الانتداب البريطاني إلي نحو 625 ألف نسمة وليكتمل عملية استجلاب شعب من شتات الأرض ليستبيح أرض الغير.

لقد نجح الإسرائيليون في وضع خططهم المرحلية لبناء كيانهم السياسي موضع التنفيذ بدءاً من التعاطف البريطاني مع التطلعات الصهيونية عام 1917 وموجات الهجرة الصهيونية إلي أرض فلسطين وبناء الكيبوتسات التي ساعدت القادمين علي الاستقرار وتكوين بنية زراعية وصناعية مؤهلة مستغلين الدعم المادي الصهيوني من مختلف دول العالم, وحتي إنضواء العصابات والمنظمات الصهيونية عسكرياً في إطار واحد تحت اسم جيش الدفاع الإسرائيلي في أيار عام 1948.

كما عمد الاحتلال خلال سنوات طويلة إلي عزل الضفة عن غزة وعن القدس وأراضي العام 1948م, مما كان له أثر سلبي وانعكاس خطير أدي إلي انقطاع التواصل الاجتماعي والثقافي ومردود ذلك علي وجود فجوات بين أفراد الهوية الواحدة, بل وساهمت إسرائيل في تعزيز الهويات الضيقة كالحمائلية والمناطقية والمذهبية والدينية من خلال إتباع سياسات الفصل والعزل بين المناطق الجغرافية الفلسطينية, وأيضا ما بين فلسطين ومحيطها العربي والإسلامي والدولي وجعلها مناطق مغلقة, ومنعت التواصل الاجتماعي فيما بينها مما أضعف الكيانية والهوية الوطنية الفلسطينية لصالح هويات فرعية كالانتساب للعائلات أو المناطق.

كما لعب الاحتلال الإسرائيلي دوراً كبيراً في تقزيم أهم مقومات الهوية الفلسطينية وهي الأرض فبدلاً من فلسطين التاريخية الممتدة من حدود لبنان وسوريا شمالاً إلي خليج العقبة جنوباً ومن الأردن وسوريا شرقاً إلي البحر المتوسط ومصر غرباً, أصبح ينظر إلي الضفة الغربية وقطاع غزة علي أنها الوطن الجديد.

وبالرغم من نجاح المشروع الصهيوني في الوصول إلي اهدافه إلا أن الفلسطيني مازال متشبثاً بأرضه ووطنه بل تبلور وعيه بهويته الوطنية, ارتباطاً بما تعرض له من صدمة تدمير نسيجه الاجتماعي ودفعه إلى النزوح عن أرضه نتيجة للمجازر التي استهدفت إنهاء وجوده, ليتحول هذا الوعى إلي فعل مقاوم يتصدى لفعل النفي الذى تعرض له وما يزال من قبل المشروع الصهيوني, ومن المثير والمستهجن أن يعتقد الشعب الاسرائيلي الذي حافظ على هويته القومية ونجح بإقامة (كيانه السياسي) بعد ألفي سنة من الشتات أن يعتقد حقاً أن شعباً أخر هو الشعب الفلسطيني سينسى هويته القومية الجماعية خلال بضع عشرات من السنين .