السيناريوهات المحتملة للحرب بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2019-05-15
السيناريوهات المحتملة للحرب بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة 

السيناريوهات المحتملة للحرب

عمر حلمي الغول 

بعد ان ابلغت السلطات الإيرانية القوى الدولية المعنية بإتفاق 5+1 المتعلق بالملف النووي الإيراني يوم الأربعاء الماضي الموافق 8 أيار/ مايو 2019 عن نيتها عدم التقيد بمحددات الإتفاق في أعقاب فرض إدارة الرئيس ترامب عقوبات جديدة عليها، وانها ستلجأ لتخصيب لليورانيوم، ثارت موجة من ردود الفعل العالمية عموما، وخاصة الأوروبية، التي إعترضت على خطوتها غير المحسوبة ، وطالبت حكومة روحاني التقيد بنصوص الإتفاق. 

غير ان الأمر لم يتوقف عند ردود الفعل في المواقف السياسية والإعلامية، بل تجاوزتها إلى مستوى اعلى، وأكثر تسخينا للأجواء الملبدة اصلا بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، لا سيما وان هناك اربع قوى تعمل على تأجيج مرجل الصراع، وهي قوى اليمين المحافظ المتصهين في اميركا نفسها، ودولة الإستعمار الإسرائيلية، المستفيدة الأولى من قرع طبول الحرب، وحسابات الفرس التوسعية العدوانية، وبعض العرب المستهدفين من إيران الصفوية. وتمثلت وتيرة التصعيد مع حشد الأساطيل، وحاملات الطائرات، والطائرات الحربية من مختلف الصنوف في منطقة الخليج العربي، وفي مضيق هرمز وباب المندب، الممر المائي الأهم، الذي يشكل البوابة الرئيسية لحوالي ال30 % من التجارة العالمية، والذي قد يكون إغلاقه من قبل إيران احد اهم عوامل إشعال فتيل الحرب.

ودون الدخول في تفاصيل التصريحات المتبادلة بين الجانبين الأميركي وألإيراني، والدول الساعية لإشعال فتيل الحرب،  أوالدول الساعية لإطفاء الحريق، فإن المشهد الماثل امام الجميع يوحي، بأن الحرب باتت على الأبواب، أو دخلت حيز ربع الساعة الأخيرة. لا سيما وان هناك سيناريو اميركي مسرب حدد تاريخ ووقت الحرب، وحتى تفاصيل موجات الإطلاق للصواريخ في في 15 حزيران / يونيو القادم (2019). لكن القراءة الممعنة للنظر في مواقف وسياسات الطرفين، تشير إلى انهما لا يتعجلان الحرب، لا بل انهما لا يريدانه، ولكن كل منهما يسعى لتحقيق اهدافه إن أمكن من دونها، لذا يحاولان إستنزاف بعضهما البعض بعملية عض الأصابع من خلال الحشود العسكرية، والحصار المفروض على إيران، وإستعراض العضلات المتبادلة، أو هكذا يبدو.. فأميركا تسعى لإعادة إجلاس إيران على طاولة المفاوضات، ودفعها للتوقيع على صيغة إتفاق جديدة، فيها إذلالا لها، ورضوخا للمشيئة الأميركية الإسرائيلية، وإيران ترفض هذا الأمر، ويقف معها باقي اطراف الإتفاق: روسيا والصين والدول الأوروبية سابقة الذكر، وهو ما يحتاج لبعض الوقت، وبالتالي لا يمكن الجزم بخيار الحرب. وفي ذات الوقت الرئيس دونالد ترامب يريد تحقيق نصر ما، لاسيما وانه لم ينجح حتى الآن في فنزويلا، ولا مع كوريا الشمالية، التي عادت لإطلاق صواريخها التجريبية، ولا في سوريا، ولا في أوكرانيا، وبالتالي إمكانية البحث عن نصر ما يمكن ان يمهد الطريق لحرب مع إيران، لإستعماله كرافعة لحملته الإنتخابية للرئاسة القادمة عام 2020. 

وعليه فإن اللوحة تبدو ضبابية نسبيا، ولا يمكن الجزم بأي من السيناريوهات المطروحة. لان الأمور لا يمكن ضبطها تماما وفق اي من السيناريوهات المحتملة. الباب مفتوح ومشرع على كل الإحتمالات، ففي حال حصل تطور غير منظور، يحمل تهديدا ما، كأن تقوم إيران ايضا بعمل غير محسوب مثل اغلاق باب المندب والمضيق، أو تعطي ذريعة لمفاقمة الوضع من خلال عدم إستجابتها للموقف الفرنسي والألماني والبريطاني، الشركاء الأوروبيين في إتفاق الملف النووي الإيراني تموز / يوليو 2015، أو تقوم إسرائيل بعملية تصعيد في لبنان، أو حتى داخل إيران من خلال ادواتها للتسريع في إشعال فتيل الحرب، لاسيما وان مسرحها بات شبه جاهز. 

في كل الأحوال التحركات وعملية التحشيد الأميركية الجارية، وبغض النظر إن جرت الحرب، أو لم تجر، فإن دافع الثمن والخسائر الناجمة عنها، هو الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي، وهذا ما أعلنه الرئيس دونالد ترامب خلال الأيام القليلة الماضية في لقاءاته مع وسائل الإعلام والناخبين الأميركيين، عندما قال: ان أميركا تقوم بحماية الدول العربية، وعليها ان تلتزم بدفع فاتورة التحركات الأميركية المتعلقة بحمايتها. بتعبير اوضح الولايات المتحدة لن تدفع مليما واحدا من موازنتها الفيدرالية، ولا من موازنة البنتاغون، وهي بذلك تؤمن ارباحاً لكارتيلات التصنيع العسكري عبر تصريف كميات من الأسلحة والذخائر والمعدات المستخدمة، وتغطي النفقات، وقد تصل لتدفيع فاتورة الرواتب للضباط والجنود المتواجدين في المنطقة، فضلا عن إلزام الدول المعنية بشراء كميات من الأسلحة بانواعها.

واي كان السيناريو المحتمل والممكن للتنفيذ على مسرح الخليج العربي، فإن إيران الفارسية ايضا ستدفع ثمنا غاليا، أولا ستؤكل سلما أم حربا، كما أكل الثور الأبيض العراقي عام 2003، وما زيارة بومبيو للعراق قبل يومين، ولقاءاته مع قادة الحكومة والقوى العراقية النافذة، ومطالبتها بعدم التورط باية حرب مع إيران، وإبعاد العراق عن المخاطر الناجمة عن اية عملية مجابهة، لدليل إضافي على سعي القيادة الأميركية لتطويق إيران، وعزل حلفائها عنها، أو تحييدهم، وهو ما يعني انها تؤكد إستعدادها لكل السناريوهات.

غير ان كل ما تقدم لا يعالج كل النتائج الإفتراضية الممكنة الوقوع، لإن ما يمكن ان يتمخض عن اية حرب، لن يقف عند حدود الأطراف المنخرطة فيها، لإن هناك أطرافا شريكة فيها بشكل غير مباشر، وعليها مسؤوليات تجاه نفسها ومصالحها، تحتم عليها العمل على التدخل وفق مصالحها، فروسيا والصين وأوروبا معنية باية إستحقاقات تنجم عن الحرب، وبالتالي تقع عليها مسؤولية إطفاء الحريق قبل إشعال نيرانه، لإن تداعيات الحرب تؤثر على نفوذ تلك الدول، وحصصها في عملية تقاسم المصالح مع اميركا، وبالضرورة سيكون هناك إنعكاسات على المشهد الإقليمي والعالمي، كيف؟ وما هي ملامحه؟ المستقبل المنظور يحمل الجواب. 

[email protected]

[email protected]