قصة الاستثناء في النحو العربي بقلم سلامة عودة
تاريخ النشر : 2019-05-15
قصة الاستثناء في النحو العربي بقلم سلامة عودة


قصة الاستثناء في النحو العربي
يقف المنطق عند حدود المفهوم النحوي ؛ ليقوم بتحليله وفق أسس فلسفية تكشف عن مجاهل المفهوم ، وصولاً إلى المعنى الذي يذهب إليه واضع المصطلح ، والاستثناء من الفعل استثنى ، وهو مركب من مقطعين: المقطع الأول ( است ) ، والمقطع الثاني ( ثني) ، ولعل معنى الزيادة في الفعل تفيد الطلب ؛ أي طلب الثني أو الطيّ، وهذا بدوره يتطلب وجود قطعة كاملة ، والمطلوب ثني جزء منها ، والقطعة تسمى مستثنى منها ، والقطعة التي تم طيها تسمى مستثنى .
ولو عبرنا إلى الواقع والحياة العملية ، نجد الاستثناء كمصطلح مادي يدخل في أروقة الخياط مثلاً أو معلم الرياضيات الذي يقوم بطي الورق ، أو محل الأزياء الذي يبيع الملابس فهو على استعداد لثني أية قطعة تشتريها من بنطال وثوب، وهذا يتطلب أن تكون القطعة المثنية من نوع القماش الذي تم شراؤه ، وهذا يندرج تحت المنطق المثبت من جراء هذه العملية ؛ أي عملية ثني أو طي قطعة من قماش معطى ؛ ليتسنى لمن يلبسه أن يكون مناسب لطوله مثلاً .
وبتخيلنا لعمل الخياط أو معلم يقوم بقص هذه القطعة بمقص ينفرج عن حرفي الألف واللام وهما عماد الحرف الاستثنائي الذي اعتمده النحاة وهو ( إلا).
والسؤال الذي يقفز إلى الذاكرة : لم اختص الاستثناء بإلا وجعلت بقية الحروف صصوراً لها ، فعنون النحويون الموضوع بـ( أسلوب الاستثناء ) ، والاستثناء بإلا ، ولم يسم الاستثناء بغير وسوى أو بما خلا وماعدا ، وحاشا ؟ وللإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن (إلا) قد منحت ضوءاً أخضر في الدخول على أنواع الكلمة : الاسم ، والفعل ، والحرف ، وهذا لم يتأتى لصور حروفها الأخرى ، ومن الأمثلة التي تؤكد ذلك نورد : حضر الطلاب إلا علياً ، فقد دخلت على الاسم ،قال تعالى: "ولَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ " (الغاشية : 6) فدخلت على الحرف الجر، قال تعالى: "وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها " ( الأنعام : 59)فقد دخلت على الفعل وهي هنا للحصر على أن تكون الجمل حال التي تلتها، وهذا لا يتسنى لباقي أدوات الاستثناء ، فكانت لها الصدارة بهذا الضوء الأخضر .
فالمنطق الرياضي يتفق والمنطق النحوي في جملة النفي ، فعندما نقول : ما حضر الطلاب إلا علياً / علي . وهنا يدخل المنطق الرياضي في درس الاحتمالات التي تقف أمام معنى الجملة ومنطقيتها ، احتمال أن يكون (علياً )من الطلبة وهنا تنصب الجملة لأنها من نوع المستثنى منه ولم تخرج عنه وفق حدّ تعريف النحاة للاستثناء، والاحتمال الثاني أن يكون عليّ معلماً في المدرسة أو آذناً ، ومن هنا جاء الإعراب يصافح المنطق فكان الرفع على البدل من الطلاب التي إعرابها فاعل، وفاعلان لا تجيزه العربية في الأغلب الأعم ، إلا في لغة أكلوني البراغيث وهي قليلة .
ثم تدخل المنطق الرياضي ، ورأى أن يسقط المستثنى منه ، ويضع بدلاً منه المجموعة الخالية ( فاي) ، وهنا أفرغ من المستثنى منه ، فاشتق جملة جديدة من هذه الجملة المنفية ، بحيث تكونت جملة استثناء مفرغ من المستثنى منه أو ناقصة منه ، وبالتالي جاءت الجملة الجديدة خالية من المستثنى منه ، وبات إعرابها وفق موقعها في السياق الإعرابي .
ما حضر الطلاب إلا علياً هنا النصب ؛ لأنه ليس مفرغاً أو ناقصاً .
ما حضر إلا عليّ . هنا مفرغ ، أو ناقص ، وإعرابه فاعل ، وعندما شغل الموقع بالمستثنى منه كان إعرابه بدلاً من الفاعل .
لهذا أطلق عليه العرب ،على الجملة الثالثة المشتقة من جملة النفي، أسلوب حصر ، وما عادت إلا تفيد الاستثناء ، بل تفيد الحصر ، ودخلت في باب آخر تتفق معه وهو باب الحصر .
ومن هنا نجد أن النحو والإعراب رياضيات اللغة ، والواقع قد كون هذه اللبنة التي استقرأها العرب وبنوا هذا المنطق لتخرج قاعدة في اللغة أو قانون في العلوم أو نظرية ، لهذا نجد عالم اللغة يأخذ من كل علم بطرف كي يحلل منظومة طرحت أو ظاهرة وجدت ، ليقننها أو يقعدها وفق رؤية أو نسق أو نهج يتبع لحل إشكال يقع يحتكم إلى قاعدة ، ويفض الإشكال وفق استراتيجية حل المشكلات.